أسامة شلش
أسامة شلش


يوميات الأخبار

صحفى بلا قلب

أسامة شلش

الثلاثاء، 28 مارس 2023 - 10:16 م

أدركوا الأمر قبل أن يصل التزييف والتزوير الإسرائيلى لانتصارنا فى أكتوبر للأجيال الجديدة

بصراحة أنا قلبى كبير، ومنذ عملت فى بلاط صاحبة الجلالة ولم أستمع لنصيحة والدى بالعمل فى النيابة وأنا أكره مقولة إن الصحفى بلا قلب. مقولة بصراحة مش عارف أرفضها ولا أصدقها، الوسط الصحفى كله يرددها، الصحافة بلا قلب ، «نحّى» قلبك جانبا وأنت تعمل وبعد العمل أعده إلى صدرك، والحقيقة فعلت ذلك رغم أن قلبى كبير يتسع لكل حاجة، ومارست ذلك عمليا على مدى ٥٠ عاما هى عمرى المهنى، ولكن بمجرد أن أفرغ من العمل يعود قلبى للسكن خلف الضلوع بمجرد الاختلاء بنفسى أبكى أو أضحك حسب الموقف.

أدركت ذلك مع أستاذى موسى صبرى رئيس تحرير الأخبار عندما اغتيل الرئيس البطل الشهيد أنور السادات فى المنصة يوم ٦ أكتوبر 1981 كنا فى الجريدة وجاء الخبر من رويتر وكان الأستاذ يكتب وأغلقت سكرتيرته الباب ،ولكن هرع إليه رئيس القسم الدبلوماسى ليخبره. كان الخبر الأول النيران أطلقت على الرئيس .

أسرع الأستاذ موسى مهرولا إلى سيارته ليذهب للمنصة لاستيضاح الأمر وعندما اقترب من المكان أخبره الأمن أن الرئيس نقل لمستشفى المعادى العسكرى بطائرة، وأسرع للمستشفى ليتأكد أن الرئيس لقى ربه شهيدا، وعاد للجريدة ليجد المصور الصحفى مكرم جاد الكريم فى انتظاره بسبق صحفى كبير وهو لقطات الاغتيال التى أخفاها بين ملابسه حتى لايصادره أحد، وأمر الأستاذ موسى بإغلاق أبواب أخبار اليوم وبمنع خروج أو دخول أى أحد حتى فرغ مكرم من تحميض الفيلم وطبع الصور التى أشرف الأستاذ موسى عليها بنفسه، وأغلق مكتبه عليه ومعه سكرتارية التحرير والمصور مكرم وقام باختيار الصور وغطى بها صفحات الأخبار كاملة فى انفراد شهد به العالم، وظل حتى دارت المطبعة بالجريدة فى طبعتها الأولى وبمجرد ماحملت الماكينة الأعداد، أغلق الأستاذ موسى عليه الباب وانخرط فى بكاء شديد كنت تسمع صوته من خارج المكتب.

من المواقف التى لا أنساها صورة قمت بالتقاطها لأستاذى الكبير الراحل الرسام مصطفى حسين الذى ذهبت لاستقباله بالمطار عند عودته من رحلة العلاج من فرنسا بصحبة نجله وزوجته، وللأمانة دمعت عيناى وأنا أشاهده ضعيفاً على مقعد متحرك عاد ليواصل رحلة العلاج بالمركز الطبى العالمى، وقفت فى صالة الاستقبال وأنا فى حيرة مابين واجبى الصحفى وأن من يجلس أمامى هو صديق وأستاذ وزميل أشرف به،  يمر بظروف صعبة لاتستحق أن نستغلها بأى شكل وغلبنى فضولى الصحفى وكان بصحبتى زميلى محمد عبيد وطلبت منه أن يحاول التقاط صورة من بعيد ولو بـ «الزوم» حتى لانثير انتباهه والاحتفاظ بها والتصرف لرئيس التحرير الذى قطعا سيسأل هل هناك صورة ؟، وخرجت بصحبته فى سيارة الإسعاف حتى المركز الطبى وعدت للجريدة بخبر العودة والصورة وقدمتها ولكنه آثر عدم النشر فى ذلك اليوم، وعندما أسلم الفنان الكبير الروح أعدت الجريدة صفحات لنعيه وأعدت إظهار الصورة بموضوع بعنوان «الأستاذ وآخر صورة» وبعد النشر أسلمت نفسى وعيونى للبكاء.

وبعد هذا العمر عدت لأسال أليس لى قلب أم أن صاحبة الجلالة سيطرت عليه؟

حتى نوثق التاريخ

أضم صوتى إلى صوت أستاذتنا الغالية الأديبة والصحفية الكبيرة سكينة فؤاد فى مقالها الذى نشربالأهرام حول تزييف إسرائيل لما حدث فى حرب أكتوبر ١٩٧٣ لنصرنا بادعاء أن الثغرة التى أحدثتها بالدفرسوار كانت هى الانتصار على الجيش المصرى، الكاتبة الكبيرة أوردت مااحتواه أحد الأفلام البريطانية فى مهرجان برلين تحت اسم المرأة الحديدية مشيرا إلى جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل فى الحرب، وهو فيلم يدعى أن انتصارنا العظيم فى العبور والأيام الست الأولى من الحرب قضت عليه الثغرة الإسرائيلية وهذا ادعاء كاذب لأن تلك الثغرة كانت مصيدة لجنودهم وأسلحتهم وهو ماثبت من كثرة الخسائر التى تكبدوها أمام قواتنا المسلحة والمقاومة الشعبية فى السويس التى لم تمكنهم من دخولها أبدا، ولولا مفاوضات وقف إطلاق النار التى سارعوا إليها لسحب قواتهم من المعركة لأبيدوا.

هذه الحرب كما قالت الكاتبة الكبيرة أول حرب تؤكد التحليلات والدراسات التحليلية والإعلام الواقعى للمعارك وباعترافات قادتهم ، هزت إسرائيل من القاعدة للقمة، هذه أول حرب لإسرائيل يحتاج فيها جنودها إلى العلاج النفسى من آثار هول مارأوا ويكفى ماقاله ديفيد أليعازر رئيس أركان جيشهم إن المصريين كانوا يهاجمون وكأنهم كائنات غير بشرية بموجات تلو موجات كأنها الإعصار.

تجرأ إسرائيلى على الموثق وهو مايجب أن ننتبه له لأنهم يريدون تكذيب الحقيقة ومحوها من سجلات التاريخ ليعيدوا كتابته بما كان قبل الحرب بادعاء الجيش الذى لايقهر والذراع الطويلة وهى النظريات التى كسرها جنودنا بملحمة العبور.

أضم صوتى إلى صوتك ياسيدتى، كيف فات مبدعونا على مدى الخمسين عاما منذ الحرب أن يسجلوا وقائعها وبطولاتها وانتصاراتها ؟أين منتجى الأفلام خاصة بعد النجاح الكبير الذى حققة فيلم «الممر» كأول فيلم حربى واقعى أين دور المسلسلات التى لم نر على مدى تلك السنين أى تناول لحكاية بطولة من بطولات ماحدث فى أكتوبر؟، لقد دقت الكاتبة الكبيرة ناقوس الخطر وهى تقول، أدركوا الأمر قبل أن يصل التزييف والتزوير إلى الأجيال الجديدة التى لم تعش وقائع ماحدث فى أكتوبر.

سباك لله

اضطرتنى الظروف للبحث عن سباك لإصلاح ماسورة «دابت» بفعل الزمن بعد أن سافر «الأسطى» الذى كنت أتعامل معه إلى إحدى الدول العربية بحثا عن فرصة لجمع ثروة كما يمنى نفسه، ولكن بحثى عن البديل كان من الأحلام فليس هناك من يمتلك الكفاءة من بين من عُرضوا علىّ لتغيير الماسورة، ومن ناحية أخرى كان للمبالغ الفلكية التى طلبها والتى قدرها بنفسة بـ٣ آلاف جنيه وكأنه خبير من بلاد برة مع أنه منذ فترة قليلة كان هو الواد «بليه» اللى بنشوفه فى ورش السيارات يضرب بظهر الشاكوش.

المشكلة الآن بكل أمانة ليست فى السباك ولكن ستجدها فى كل الأعمال. الأمر قطعا يرجع الى قلة مراكز التدريب التى تؤهل العاملين وتدربهم واستسهال امتهان أى عمل ولو «بالفهلوة».

الجميل فى الأمر هو اهتمام الدولة بتخريج «فنيين» على مستوى عالٍ من المدارس الفنية لسوق العمل مباشرة لاينقصهم إلا الخبرة وهو ما طالب به من أرض الواقع الملتقى الثانى للتعليم الفنى والتكنولوجى والتدريب المهنى اديوتك ٢٣ تحت عنوان «اصنع مستقبلك» والبرنامج الوطنى للإصلاحات الهيكلية ويتضمن محورا رئيسيا يهدف لرفع كفاءة ومرونة سوق العمل وتطويرمنظومة التعليم الفنى والتدريب المهنى ليواكب مطالب سوق العمل.

فى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى كنا نرى المصانع والشركات الكبرى تنشئ مراكز ومدارس تدريب للصبية والعاملين، رأينا ذلك فى شركة النصر للسيارات وفى شركة المقاولين العرب وغيرهما من الشركات الكبرى وتلك المراكز التى تخرج منها أسطوات لهم وزنهم، وياليتنا نعود بجانب المدارس إلى مراكز التدريب فى الشركات والمصانع الكبرى حتى لانلجأ إلى استيراد العمالة من الخارج.

ضحكه الأستاذ إبراهيم سعدة

ذكريات دار أخبار اليوم لايمكن أن تمحى من الذاكرة ومنها ما واكب الأحداث الكبيرة كاغتيال الأديب الكبير يوسف السباعى. أتذكر التاريخ جيدا ١٨ فبراير ١٩٧٨ النهار انتصف والأخبار تحمل الخبر الحزين، اغتيال يوسف السباعى فى بهو أحد فنادق لارناكا بقبرص، تحولت صالة تحرير الأخبار لخلية نحل وغرفة عمليات لمتابعة الحادث، وعودة جثمان الشهيد. وجاءت التكليفات من رئيس التحرير الأستاذ موسى صبرى .

كان التكليف لقسم بالمطار وكنت أبرز أعضائه بمتابعة عودة الجثمان. هممت أنا وزميلى المصور إبراهيم مسلم -عليه رحمة الله بالاستعداد للذهاب للمطار وكان الجو شديد البرودة، وطلبت من عم جويلى السائق المخضرم - رحمه الله ان يمر بى على منزلى لإحضار جاكت ثقيل خاصة أن الجو فى المطار برد قاسٍ مساءً، صعدت للمنزل وإذا بعم جويلى يقول لى ابقى شوف لنا معاك أى حاجة ناكلها مافطرناش، سألت والدتى- عليها رحمة الله عندك إيه يمكن نعمله سندوتشات؟ وأجابتنى فيه شوية فول واعمل لك كام بيضة ولو انتظرتوا نص ساعة كمان الأكل يستوى أنا عاملة رز ومسقعة، قلت لها مستعجلين.

وعملت والدتى السندوتشات وفاجأتنى بوضع «الرز» اللى استوى فى علبة بلاستيك كبيرة و٤ «أرغفة» طازة وتوجهنا للمطار، كان عم جويلى قد التهم سندوتشات الفول والبيض وبقى الأرز فى العلبة، ومرت الأحداث متواترة وتداخلت خاصة بعد توجه قوات من الصاعقة المصرية فى محاولة للقبض على الجناة ولكن كانت هناك تصادمات فوجئت بها القوات من جانب القوات فى مطار لارناكا بحجة أن الطائرتين المصريتين لم تحصلا على تصريح بالهبوط وتم الاعتداء عليهما فى تطورات متسارعة، وهنا كلف الأستاذ موسى صبرى الأستاذ إبراهيم سعدة وكان نائبا لرئيس تحرير أخبار اليوم والمصور المبدع فاروق إبراهيم بالسفر لقبرص على الطائرة الحربية الخاصة من مطار شرق، وأقلعت الطائرة بالفعل ولكن السلطات هناك رفضت هبوطها واضطرت للعودة للقاهرة مع الساعات الأولى من اليوم التالى، وجاء الاتصال التليفونى الأرضى بمكتب المطار بأن نتوجة لمطار شرق للعودة بالأستاذ إبراهيم وفاروق وزنقنا بعضنا داخل السيارة وفاجأنا فاروق بقوله «أنا جعان معاكم حاجة تتاكل» وقال له عم جويلى أيوة معانا، أعمل لك سندوتشين وسأله الأستاذ إبراهيم آهه والله الجوع وحش ولكنه دخل فى نوبة من الضحك عندما أخبر عم جويلى فاروق أن السندوتشات هى سندوتشات «رز».

الغريب أن فاروق التهم كل الأرز والأرغفة من الجوع وسط ضحكات الأستاذ إبراهيم وهو يتساءل: أول مرة أشوف سندوتشات «رز».. رحم الله الجميع.

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة