د.محمود الهوارى
د.محمود الهوارى


البحوث الإسلامية: الإرادة والتعاون بين أبناء الأمة سبب نصر العاشر من رمضانl حوار

اللواء الإسلامي

الجمعة، 31 مارس 2023 - 09:51 ص

حوار: أحمد جمال

أكد د.محمود الهوارى الأمين العام المساعد بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، أن رمضان شهر الصبر والنصر والتضحية ليس على الأعداء فقط بل على النفس التي تتقلب على صاحبها فإن انتصر عليها بفهم العبادات وتحقيق السلام النفسي فإنه انتصار للفرد والأسرة والمجتمع والدولة وأسباب النصر الحقيقية تحققت عندما اجتمعت وبينت في قوة الإرادة وصدق العزيمة والتعاون الحقيقى بين أبناء الأمة العربية والإسلامية شعوبا وحكومات فكان نصر العاشر من رمضان السادس من أكتوبر فلنتعرف على الكثير من أسرار هذا النصر من خلال هذا الحوار مع د.محمود الهوارى مساعد الأمين العام للإعلام بمجمع البحوث الإسلامية.

رمضان موسم طاعة وعبادة وصبر ونصر كيف يحقق المؤمن الانتصار نهار وليل رمضان؟

كثيرا ما نتكلم عن رمضان بأنه شهر الانتصارات، وكثيرا ما نذكر المعارك الحربية التى وقعت في رمضان، وكأننا نؤكد لأنفسنا أنه شهر انتصارات كبيرة، ولأننا لسنا بالضرورة أن نقيم المعارك الحربية كل رمضان، فإننا يجب ألا ننسى أن في رمضان معركة مع النفس، هذه النفس التى تتقلب على صاحبها وكأنها عدوه، فهى في داخله، ولكنها عدو شرس.

وأظن ظنا ليس فيه إثم أن المسلمين لو أدوا العبادات التى أمر الله بها بآدابها وأخلاقها، والتزموا بما تفرضه هذه العبادات من ثمرات تتمثل في إيمان قوى وسلوك حضاري؛ لما كان فى نفوس المسلمين انهزام لا على مستوى الأفراد، ولا على مستوى الأمة كلها، ولكن هذا يعنى بالضرورة أن نفهم العبادة، وأن ندرك مقاصدها وأسرارها وهذه الانتصارات التي تتحقق بفهم العبادات كما تكون على مستوى الفرد فإنها تكون للأسرة، وتكون للمجتمع، وتكون للدولة، وتكون للأمة، وتكون للإنسانية كلها: أخلاقا راقية وسلوكا رشيدا، ومعاملة حسنة، وفلاحًا فى الدنيا والآخرة.

وأول الانتصارات فى رمضان ليس أن نحفظ البطن من شهوة الطعام والشراب، وليس أن نحفظ الفرج من شهوة الجماع، وليس أن نحفظ اللسان من السب والشتم، فكل هذه انتصارات هينة، ولكن الانتصار الحقيقى هو تحرير إرادة الإنسان وانتصاره على نفسه، وتغلبه على عاداته التى تحكمه؛ فالمقصد الشرعى من وضع الشريعة كما يقول الإمام الشاطبى إخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون عبداً لله اختياراً، كما هو عبد لله اضطراراً.

يتفنن البعض فى إضاعة الوقت نهار رمضان ويتهرب من عمله وينام نهارا ويسهر ليلا  فماذا  نقول لهم؟ ومن الذين لا يقبل صيامهم؟

من أعجب الأمور أن تتاح للإنسان فرصة ثم يضيعها باختياره، وشهر رمضان شهر المغفرة، وشهر العتق من النيران، وشهر الصلة والبر والمعروف والإحسان، فكيف يغفل العاقل عن هذا كله، ويضيع رمضان في نوم أو سهر أو قضاء وقت، وكأنه أصبح لا هم له إلا أن يمر رمضان بسرعة؟!

والأعجب أن بعض الناس لا يفرقون بين رمضان وغيره، فهم لم يتغيروا ولم يشعروا أن الله أبقاهم لهذا الزمان ليقيم عليهم الحجة بأنهم يقدرون على أن يفعلوا كثيرا من الخير، وأنهم يقدرون على أن يتغيروا، فترى بعض الناس فى رمضان يضيع وقته فى غير فائدة إما أمام التليفزيون، أو الكمبيوتر، أو وسائل التواصل، أو يضيع وقته فى النوم، أو يضيع ليله فى السهر على المقاهي، فيقتل وقته أيما قتل، ولا يترك له شيئًا حتى يتحول شهر رمضان من شهر للطاعات إلى شهر للترفيه واللهو واللعب.

وبعض الناس يفطنون إلى أنه زمان مبارك، وأن الثواب فيه مضاعف، فهم ما بين قراءة قرآن ودعاء وتسبيح واستغفار وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وصلة رحم وصدقات، وكثير من الطاعات فأى الفريقين أعقل، وأحرص على وقته؟

ونحن لا نبطل صيام الناس، ولا نحكم على أحد بأن عمله ضائع، وسعيه خائب، ولكن الحريص على كمال الصيام يستحيى أن يدنس صيامه بشيء، فهو يحافظ على وقته، وينفقه فى الطاعات وليس فى الملهيات، ومن التزم ذلك فى رمضان خرج بزاد كبير.

أجر الشهيد

ضحى الكثير من جنود مصر بأرواحهم ومازال فما أجر الشهيد وهل بركاته تصل لأقاربه؟

لأن النفس تنفر من الموت؛ فإن الله تعالى لم يعد الشهداء من الأموات، وهذا مما يطمئن النفوس، قال تعالى: «ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون» ولأن مكانة الشهادة عالية استحقت التضحية بالنفس، وهى أشرف التضحيات؛ فربما ضحى الإنسان بأى شيء فى الدنيا، ماله أو أملاكه، لكنه غالبا ما يبخل بنفسه، فإذا جاد بنفسه فى سبيل الله فقد صدق، واستحق رتبة الشهداء.

وكثير من الناس يسأل عن ثواب الشهداء، ولكن الذى ينبغى أن يعرف أن ثواب الشهداء كبير جدا، ويكفى أن نقرأ بعض الأحاديث التى وردت عمن لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، فقد قال فى أحد أحاديثه عن الشهيد: «يُعطى الشهيد ست خصال عند أول قطرة من دمه؛ يُكفَّر عنه كل خطيئة، ويَرى مقعده من الجنة، ويُزوَّج من الحور العين، ويؤمَّن مِن الفزع الأكبر، ومن عذاب القبر، ويُحلى حلة الإيمان» فهذه خصال ست تكفى كل واحدة لأن تكون ثوابًا كبيرًا.

ومن الخير الذى يلحق الشهداء أن ثواب أعمالهم الصالحة فى الدنيا لا ينقطع بل يزيد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل ميت يختم على عمله إلا الذى مات مرابطًا فى سبيل الله، فإنه يُنمى له عمله إلى يوم القيامة، ويُأمَّن من فتنة القبر» وأما ما يلحق أهله من الخير فيكفى أنه يشفع فى سبعين من أهل بيته، وأن الله يخلفه فى ولده من بعده.

تعد حرب العاشر من رمضان نقطة تحول جمعت الأمة ووحدت هدفها، فما أهمية التعاون والوحدة العربية والإسلامية؟
  
حرب العاشر من رمضان لم تكن مجرد حرب، ولكنها كانت دليلا يؤكد أهمية الوحدة والتعاون، وبينت أسباب النصر الحقيقية، التى تمثلت فى قوة الإرادة وصدق العزيمة والتعاون الحقيقى بين أبناء الأمة العربية والإسلامية شعوبا وحكومات.
لقد ائتلفت قلوب العرب والمسلمين حول غاية واحدة وهى تحرير الأرض من الغاصب المحتل، وتطهير بلادنا من دنسه، فكان ما كان من أمره، وطرد شر طردة، ودمر خط بارليف، وهزمت العصابة التى كانت تدعى أنها جيش لا يقهر وإن الوحدة والتعاون أمر من الله رب العالمين، قال تعالى: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان»، وأى بر أفضل من تطهير البلاد وتحرير الأرض من المحتل الغاصب؟

وما تزال هذه الوحدة مهدد لأعدائنا إن استطعنا أن نحققها، ولذلك فهم يعملون على تجذير الخلاف بين أبناء الأمة الواحدة، ونحن يمكننا أن نعمل على أشكال من الوحدة، لتكون وحدة فى الغاية والهدف، ووحدة فى الاقتصاد، ووحدة فى الاجتماع، ووحدة فى السياسة، وإن استطعنا أن نكون وحدة كاملة فهو أفضل، لكن ما لا يدرك كله لا يترك جله.  

رغم صدور فتاوى بجواز إفطار الجنود المصريين  صمموا على الصيام فما جزاؤهم؟

رغم صدور فتوى قبل بدء الحرب بعدة أيام بجواز إفطار الجنود فى الحرب؛ ليستعينوا على الأعمال الحربية إلا أن الجنود والضباط كأنهم لم يسمعوا بهذه الرخصة، ولا عجب فقد كانوا فى جهاد حقيقي، وأتصور أن قوانين الدنيا لم تكن معهم حينئذ، بل كانوا فى قوانين سماوية ومعية إلهية؛ ولذلك لم يلتفتوا للرخصة التى رخصها لهم الشرع، وحملتهم نفوسهم الأبية وشجاعتهم القوية وإصرارهم النافذ على أن يلقوا عدوهم وهم فى عبادة، وكأنما تعجلوا النصر قبل النصر فكان النصر. وهؤلاء الجنود كانوا مجاهدين وكانوا صابرين وجزاء هؤلاء يعلمه الله فقد قال الله تعالى: «إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب» فضلا عن أجر الشهادة لمن استشهد منهم.

 نقلا من عدد اللواء الأسلامي بتاريخ  30/3/2023

أقرأ أيضا: ما حكم المصاب بجلطة أفقدته الإدراك معظم الوقت في نهار رمضان؟

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة