ابن بطوطة
ابن بطوطة


كيف كانت القاهرة من 700 سنة كما وصفها «ابن بطوطة»؟

حاتم نعام

الجمعة، 31 مارس 2023 - 11:50 ص

أعظم الرحالة المسلمين وأكثرهم طوافا في الآفاق، وأشدهم عناية بالتحدث عن الحالة الاجتماعية في البلاد التي تجول فيها، تقلب في مشارق الأرض ومغاربها، رحلاته غنية بالمغامرات والأحداث، ورأى الكثير من العجائب بممالك الأرض، إنه محمد ابن بطوطة الشهير بـ«ابن بطوطة» الذي ولد في مدينة طنجة سنة 703هـ 1304م وخرج منها يوم الخميس الثاني من رجب سنة 725هـ وعاد إليها في صفر سنة 746 هـ في رحلة حقائق جغرافية وتاريخية وأدبية ونوادر في غاية الأهمية أهمها زيارته إلى مصر التي نعرضها في السطور التالية

ولنبدأ الرحلة:

كان نزول ابن بطوطة أرض مصر فاتحة عهد جديد في تاريخ حياته حيث أفاض عليه النيل من نفحاته، ما رفعه إلى مصاف الخالدين، إذ قابل في الإسكندرية عالما مصريا يدعى برهان الدين نزل في ضيافته 3 أيام والذي كان له أثر كبير في حياة ابن بطوطة إذا استشف برهان الدين من أحاديث ابن بطوطة أنه شخص محب للتجوال وأن روحه تحب المخاطرة والمغامرة وارتياد الآفاق، فقال له لابد لك من زيارة الهند ومقابلة أخي فريد الدين وكذلك النزول إلى الصين ومقابلة أخي برهان الدين هناك، فإذا بلغت هذه البلاد فأقرئ أخوتي بها السلام، ولم يكن ابن بطوطة قد حدثته نفسه بعد بالتوغل في مثل هذه البلاد القاصية فجاء حديث العالم المصري حافزا آثار عنده حب الأسفار.

 

وكانت إقامة ابن بطوطة بمصر مرحلة مباركة نمت فيها عنده ملكة الارتحال وزيارة أقاصي البلاد ودفعه حرصه على مقابلة العلماء والأولياء إلى زيارة كل من ترامى إليه شيء من أخبارهم فسمع وهو بالإسكندرية عن الشيخ الصالح أبي عبد الله المرشدي وهو من كبار الأولياء ومنقطع للعبادة بمنية بني مرشد قبالة فوة، في زاوية منفردة لا يخدمه أحد، فرحل لزيارة هذا الولي وقابله في زاويته حيث لقى الكرم منه وقضى ليلة عنده ورأى حلما فسره ذلك الولي وقال لابن بطوطة أنك سوف تحج وتزور قبر النبي ثم تجول في بلاد الترك وبلاد الهند، ففارق ابن بطوطة بني المرشد وهو شديد الإيمان بطواف البلاد التي سمعها من قبل من العالم برهان الدين . 

 

وانتهز ابن بطوطة وجوده في أرض مصر وزار أمهات المدن ومشاهدة أحوالها فذهب إلى دمياط وأعجب بنظامها إذ لم يكن يسمح لأحد بالخروج منها إلا بتصريح من الوالي، فمن كان له منزلة رفيعة في المدينة منح جوازا يبيح له الخروج علة حين توضع علامة على ذراع عامة الناس بمثابة تصريح لهم بمغادرة المدينة اذا شاءوا.

وركب ابن بطوطة النيل متجها إلى القاهرة فذكر أن القرى والمدن منتظمة على النيل متصل بعضها ببعض ولا يحتاج راكب النيل إلى أخذ طعام معه لأنه مهما أراد النزول إلى الشاطئ توضأ وصلى واشترى ما يحتاج إليه من طعام وكل ما يلزمه لاتصال الأسواق بعضها ببعض.

 

 ولما وصل إلى العاصمة رأى كثرة سكانها وأن المدينة تموج بهم موج البحر وتكاد تضيق بهم على كثرة سكانها كما لاحظ أن شبابها مجد ومكافح ولكل عمل خاص به فذكر ان بها 30 ألف مكار "سائق حمار" ، وأن بنيلها من المراكب 36 ألفا، وعندما رحل ابن بطوطة من مصر إلى الشام عن طريق بلبيس والصالحية وكان طريقا مزودا بما يكفل الراحة للمسافرين إذ به محطات لرجال الأمن وفنادق للنازلين، ووصف ابن بطوطة هذا الطريق قائلا: ثم وصلت إلى الصالحية ومنها دخلنا الرمال ونزلنا منازلها وبكل منها فندق وهو يسمونه "الخان" ينزله المسافرون بدوابهم وبخارج كل خان ساقية للسبيل وحانوت يشتري منه المسافر ما يحتاج إليه لنفسه ودابته ومن منازلها «قطيا» المشهورة وبها تؤخذ الزكاة من التجار وتفتش أمتعتهم وفيها الدواووين والعمال والكتاب ولا يجوز عليها احد من الشام إلا ببراءة «تصريح» من مصر ولا إلى مصر إلا ببراءة من الشام احتياطا على أموال الناس وتوقيا من الجواسيس، وطريقها في ضمان العرب وقد وكلوا بحفظه فإذا كان الليل مسحوا على الرمل حتى لا يبقى به أثر ثم يأتي الأمير صباحا فينظر إلى الرمل فإن وجد به أثرا طلب العرب بإحضار مؤثره فيذهبون في طلبه فلا يفوتهم فياتون به إلى الأمير فيعاقبه بما شاء.

وعندما زار ابن بطوطة قبر الرسول والمسجد الشريف التقى بالمشرفين عليه وكان إمام المسجد الشريف في ذلك الوقت بهاء الدين بن سلامة من كبار أهل مصر إذا كانت مصر ترعى المدن المقدسة وتزودها بالعلماء والمال وكان رئيس المؤذنيين بالحرم الشريف الإمام المحدث الفاضل جمال الدين المطري من مطرية «قرية مصرية على شاطئ بحيرة المنزلة بالدقهلية» كما تحدث ابن بطوطة عن الملك الناصر سلطان مصر وعطفه على الأراضي المقدسة، وأن الدعاء في خطبة الجمعة كان باسمه أولا فيقول إذا فرغ الآذان خطب الخطيب خطبة يكثر بها من الصلاة على النبي ثم يدعو للمك الناصر.

وأثناء رحلات ابن بطوطة بعد أن قضى عشرين سنة في بلاد الشرق الأقصى غادر مسرعا قاصدا العودة إلى مسقط رأسه ببلاد المغرب حيث عمد إلى استطلاع أخبار أهله من بعض أصدقاءه ودخل دمشق التي ترك فيها زوجة حاملا عرف فيما بعد أثناء تجواله في الهند أنها أنجبت ولدا فعلم من صديقه نور الدين السخاوي إمام المالكية أن ابنه توفى منذ 12 سنة أما عن والديه عرف أن والده توفى منذ 15 سنة ووالدته على قيد الحياة.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة