محمد السيد عيد
محمد السيد عيد


يوميات الاخبار

فى ذكرى العاشر من رمضان

محمد السيد عيد

الأحد، 02 أبريل 2023 - 08:56 م

الهدف منها تعويد الجندى المصرى على العبور، وكسر هيبة الجندى الإسرائيلى، وبث الثقة فى نفس الجنود المصريين، بالإضافة لنشر القلق لدى الجانب الإسرائيلى، وتعريفه بأن الاحتلال له ثمن باهظ

هذا العام يوافق الذكرى الخمسين ميلاديًا لحرب السادس من أكتوبر، ولأن الحرب كانت فى العاشر من رمضان فسأنتهز الفرصة لكى أكتب عن لمحة من بطولات المصريين. سأكتب عن عملية لسان التمساح الثانية، التى وقعت فى العاشر من يوليو 1969، وهى الثانية لأن الأولى كانت فى ذكرى الأربعين للشهيد البطل عبد المنعم رياض، انتقامًا له من الموقع الذى أطلق عليه النيران، وكتبت عن هذه المعركة فى هذا المكان الشهر الماضي. مع حرب الاستنزاف التى بدأت 8 مارس 1969 بدأت عمليات العبور إلى سيناء تنشط، كانت عمليات متدرجة، الهدف منها تعويد الجندى المصرى على العبور، وكسر هيبة الجندى الإسرائيلي، وبث الثقة فى نفس الجنود المصريين، بالإضافة لنشر القلق لدى الجانب الإسرائيلي، وتعريفه بأن الاحتلال له ثمن باهظ. ومن أهم العمليات التى تمت: عملية لسان بور توفيق التى عبرت فيها كتيبة كاملة بمعداتها، وهاجمت العدو وأحرزت نصرًا مؤزرًا.


استدعاء عاجل
وقف المقدم صالح فضل أمام قائد الجيش الثالث الميدانى فى الوضع انتباه. أدى التحية العسكرية. قال: تمام يا افندم.. بلغنى أن سعادتك طلبتني.
أشار قائد الجيش الثالث إلى المقعد المواجه لمكتبه وقال له: اقعد يا صالح
جلس. نهض قائد الجيش من مكتبه. دار حوله. جلس مواجهًا للمقدم صالح. قال له فى لهجة جادة: فيه مهمة شديدة، جاهز انت ورجالتك؟
- جاهزين يا افندم
- المهمة مش سهلة
- احنا بتوع الصعب يا افندم. الصاعقة المصرية رجال المواقف الصعبة دايمًا.


- عظيم. انت عارف إننا بنعبر القناة وندخل سينا بأعداد مش كبيرة لحد دلوقت. لكن القيادة شايفه إننا وصلنا لدرجة من القوة والخبرة يسمحوا لنا بالعبور بأعداد كبيرة، ووقع الاختيار على الوحدات التابعة لك لتنفيذ المهمة. قدها يا صالح ولا....؟
- قدها وقدود يا افندم. أنا وقواتى تحت أمر القيادة.
- المرة دى العبور حيكون بكتيبة كاملة.
- وماله؟ نعبر بكتيبة كاملة. أنا حاعمل منافسة بين التلات كتايب اللى تحت قيادتى واختار أحسن عناصر للمهمة.
- تمام. انت عارف نجاح المهمة دى معناه ايه؟
- طبعًا يا افندم. دى رسالة قوية لإسرائيل والمواطن الإسرائيلي، وللجندى والمواطن المصرى كمان.
- عظيم. الهجوم حيكون على لسان التمساح. لكن المكان ده حيفضل سر بينى وبينك بس، لحد ما ييجى الوقت المناسب. التدريب حيتم فى السر. حتى الخبرا السوفييت اللى معانا فى قيادة الجيش مش لازم يعرفوا حاجة عن المهمة دى. ده أمر من القيادة. لأن الروس شايفين إننا مش بنعرف نخطط للعمليات أو نقوم بتنفيذها. عشان كده احنا عايزين نوريهم إننا نقدر نخطط وننفذ بنجاح من غير وصاية حد.
- مفهوم يا افندم.
- وده تصوير الموقع بالتفصيل. عايز التدريب يكون على موقع مشابه تمامًا. وانا اديت أمر للمهندسين العسكريين يبنوا لك موقع مشابه فى عتاقة.
- أول ما يجهز الموقع حيكون رجالتى جاهزين.


فوزى يتكلم
تحدث الفريق أول محمد فوزى فى كتابه «حرب السنوات الثلاث»، وهو الوزير الذى تمت هذه المعركة فى عهده، فقال:
«ظهرت أهمية لسان بورتوفيق بعد عملية إصابة معمل تكرير الوقود ومخازنه فى الزيتية جنوب السويس، حيث يُمكن موقع اللسان من استخدام نيرانه المباشرة ضد منطقة البترول وميناء الأدبية، كما يضع هذا الميناء الهام ومنشآته تحت تهديد مستمر نتيجة تعرضه المباشر لنيران العدو، علاوة على عدم إمكانية استخدام ميناء السويس نفسه بحرية تحت تهديد نيران العدو المباشرة. فأصدرت توجيهاتى إلى قيادة الجيش الثالث الميدانى باحتلال هذا اللسان وتدمير قوات العدو به، وتعزيز هذا العمل لحرمان العدو من استخدامه» لعل كلام القائد العام للقوات المسلحة يبين لنا أهمية هذه العملية.
العملية مهددة بالانكشاف
بدأ التدريب فى جبل عتاقة على المهمة. لكن المقدم صالح فضل طلب مقابلة قائد الجيش. فى المقابلة قال له: لا بد من نقل مكان التدريب يا افندم.
- والسبب؟
- احنا هنا على مرمى حجر من عيون إسرائيل. وسيادتك قلت إن العملية دى لازم تتم بعيد عن عيون الخبراء السوفييت، وأظن أن عيونهم بدأت تنتبه لنا، عشان كده باقترح نقل التدريب لمكان بعيد.
- موافق. استعد للنقل.
تم نقل معسكر التدريب فعلا من عتاقة إلى حلوان. الكتائب الثلاث كانت تتنافس بقوة فى الأداء. عبروا على النموذج المبنى للموقع أكثر من خمسين مرة، حفظوا المهمة عن ظهر قلب. وبعد التدريب الشاق اختار المقدم صالح الرجال الذين سيقومون بالمهمة.
اجتماع مهم
أدى الرائد أحمد شوقي، قائد الكتيبة 43 صاعقة، التحية للمقدم صالح فضل.
- تمام يا افندم. حضرتك طلبتني.
- طلبتك عشان أبلغك أنه تم اختيار كتيبتك للقيام بالمهمة.
- ألف شكر يا افندم. إن شاء الله نكون عند حسن ظنك وحسن ظن القيادة.
- فيه شوية حاجات لازم تعرفها. حتنضم لك سرية قاذفات لهب من الحرب الكيماوية، وبعض المهندسين العسكريين علشان يكونوا مسئولين عن محركات القوارب، وحنزودك كمان بطوربيد بنجالور، وده طوربيد خاص بفتح الثغرات فى حقول الألغام والأسلاك الشائكة.
- تمام يا افندم.
خلال هذا كانت قيادة الجيش قد قامت بدراسة المد والجزر، وسرعة التيار فى القناة، وتابعت أحدث الصور للموقع، وحددت الموعد المناسب للعملية بأنه يوم 10 يوليو 1969.
كل شىء يتم بسرية
قبل العملية بثلاثة أيام انتقلت المجموعة لميناء الأتكة على شاطئ القناة. انتقلت فى الليل تحت ستار الظلام. سكنوا فى بدرومات الفيلات المهجورة هناك. راحوا يراقبون الشاطئ الشرقى للقناة الذى يحتله العدو.. للتمويه على عملية العبور التى تقرر أن تتم الساعة الخامسة عصرًا، راحت المدفعية قبل الموعد بأسبوع تضرب الموقع يوميًا من الساعة الرابعة للساعة الخامسة. ولما عرف العدو أننا نضربه بالمدفعية فى هذا الموعد كان يلجأ للمخابئ فى هذا التوقيت حتى لا يتعرض للخطر.. أثناء عملية نفخ القوارب انتبه مندوب البوليس الدولي. فكر الرجال بسرعة. الرائد أحمد شوقى اقترح على مندوب الاتصال المصرى المسئول عن الاتصال بالبوليس الدولى أن يستضيف المندوب على زجاجة ويسكى ليشغله عنهم، وقد كان. وحين رأى المواطنون رجال الصاعقة ينفخون القوارب تجمعوا حولهم وهم يهتفون: الله أكبر.
طلب منهم الرجال أن ينصرفوا حتى لا ينتبه العدو ويوجه إليهم قذائف المدفعية. فانصرفوا فى صمت.
العبور
فى التوقيت المحدد تمامًا، فى وضح النهار، بدأ العبور. كانت المدفعية المصرية كعادتها كل يوم، فى هذا الموعد، تعزف لحنها الهادر، وتجبر العدو على الاختباء فى الملاجئ.
أثناء العبور ظهرت دبابة على إحدى المصاطب. شاهدت الرجال يعبرون. وجهت مدفعها نحوهم، بالتحديد نحو القارب الذى يحمل طوربيد البنجالور. أطلقت عليه طلقة ثم توارت عن العيون. من عناية الله أن الطلقة أصابت القارب فى المنتصف ولم تصب الطوربيد، ولو أصابته لانفجر ودمر كل ما حوله ومن حوله. أصيب ثلاثة رجال. لكن العملية لم تتوقف.. وصلت القوارب للشاطئ الآخر. استخدم الرجال طوربيد البنجالور فى فتح الثغرات. بدأ المهندسون العسكريون فى التعامل مع الألغام. صاح جندى من المهندسين العسكريين: يا رجاله، كل الألغام دى هيكلية. توكلوا على الله.
عبر الجنود الساتر الترابي. بمجرد صعود الساتر رأى الضابط معتز الشرقاوى الدبابة التى أطلقت قذيفتها عليهم منذ قليل. تناول آر بى جيه من أقرب جندى ليضرب الدبابة. رأى الدبابة توجه رشاشاتها نحوه. كانت اللحظات حرجة. من منهما يسبق الآخر. نجح معتز الشرقاوى فى أن يسبق رشاش الدبابة. فانفجرت مكانها. واصل الرجال التقدم. وصلت دبابة أخرى. وجهت رشاشها للرجال. أسرع جندى بالتعامل معها، لكنها قبل أن تصاب أصابت عدة رجال. قفز من الدبابة جندى وحيد بقى على قيد الحياة. خرج رافعًا يديه واستسلم للأسر. كان الموقع عبارة عن عربة قطار، دفنها الجنود الإسرائيليون، وغطوها بالرمال، وموهوها. فقام الرجال بتفجيرها. ويقدر عدد الإسرائيليين الذى كانوا داخلها بين خمسة وعشرين إلى ثلاثين رجلا.. تقدمت بعض الدبابات. تعامل معها الرجال. بلغ عدد الدبابات المدمرة خمس دبابات، وأضاف الرجال كل من فيها إلى قائمة القتلي. صعد المساعد حسنى سلامة إلى النقطة التى يرتفع عليها العلم الإسرائيلي، فنزع العلم، وزرع العلم المصرى. وبعد التأكد من تدمير قوة الموقع كاملة، وتدمير كل ما فيه، بدأت رحلة العودة. فى مقر القيادة بالقاهرة استقبلهم رئيس أركان القوات المسلحة، اللواء أحمد إسماعيل (المشير أحمد إسماعيل بعد ذلك) فى مكتبه. سلمهم أنواط الشجاعة. لكن الفرحة الكبرى كانت حين دعاهم الرئيس عبد الناصر إلى منزله واستقبلهم بنفسه، وحياهم على ما قدموا للوطن.

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة