د. ممدوح سالم
د. ممدوح سالم


قضية ورأى

الثقافة والإدراك وحولهما نتمتم..

الأخبار

الثلاثاء، 04 أبريل 2023 - 07:01 م

الثقافة هى الحِذق والتمكّنُ.. وفى اللسان: ثقفَ الرُّمحَ، إذا قوّمه وسوَّاه؛ ما يعنى التهذيب والتهيئة للوجهة التى تولى وجهك شطرها.

وهى لديّ فى مفهومها البسيط مجموعة متوازنة موائمة من السلوك الأخلاقى الراقى قولًا وفعلًا للفرد والمجتمع معَا؛ ذلك أن الثقافة نتاج المعرفة التى يكتسبها الفرد فى مجتمعه الإنسانى، ويتعاطاها مع العالم أجمع؛ ما ينعكس إيجابًا بالكلية على المجتمع والعالم فى جميع طوائفه ومختلف اتجاهاته الفكرية والمذهبية..

فتلك الثقافة فى محرابها نسعد حين نجد ذلك القائد الذى يتحلّى بالشفافية والنزاهة فلا يعدِم النصحَ حبًا وعدلًا متى رأته الرعية واجبًا، وكلاهما، القائد والرعية، محترمٌ مأمون الجانب مهيب الجناب..

وعلى أرض تزهر فيها الثقافة وتزدهر نسعد حين نلقى ذلك المسئول المثقف الذى يسارع بالخدمة تجاه وطنه على نحو فريد من الإتقان، ذلك كونه يعلم أنه مُستخلَف فى موقعه لأجل مسمَّى، فتراه يعمل مخلصا من منطلق واجبه دون اعتبار لمصلحة شخصية، أو مكتسبات يجنيها مدة بقائه فى منصبه، يؤمن أن  منصبه (أو الكرسى حسب ما يدور على الألسنة) لو دام لسابقه ما لحقه؛ فإذا به الزاهد الساعى على خدمة الناس وتذليل مطالبهم ما وسعه ذلك، وهنا تثمر أرضها خصبًا وجمالا إنسانيًا بديعا..

وهى ذلك السلوك الراقى الذى من خلاله نسعد بذلك الطبيب الممارس دوره الإنسانى العظيم من منطلق إيمانه برسالته، وهو ذلك الصيدلانى الذى نرقب همته وإخلاصه حين يقدم الدواء مؤمنا بدوره فى تتمة رحلة شفاء لمريض يعانى، وهو ذلك الباحث الذى يتفانى حين يخلو إلى نفسه متفكرًا فى البحث عن ورقة علمية تقى الناس مصارع السوء..

وهى الإدراك الذى يعنى الوقوف على الشيء ومعرفة كنهه وهويته على الوجه الصحيح الموصل إلى المعرفة دون ريب، أو شك؛ الأمر الذى يتيح له درجة عظيمة من علم ومعرفة تؤهله لأن يكون مدركا.

هذا الإدراك حين يصبح تعاطيًا ثقافيًا ومعرفيًا ينعكس على الفرد والمجتمع فى كل شئونه؛ ما يجعلنا نُجلُّ ذلك المعلم المخلص الذى لا يتوانى محاربًا جهالة الفرد والمجتمع، ومقدمًا سبل المعرفة فى أيسر طرائقها إلى تلاميذه، وهى المحراب الذى نصمت فيه خاشعين أمام الجندى الذى يقدم روحه شهيدًا فداء لوطنه وأمته...

وفى الأخير هى ذلك السلوك الذى نترقبُ من نافذته  قراءة الكلمة الحرة أو نتطلع إلى الاستماع إليها وكلنا شغوف بترديدها فى سياقها الجمالى البديع ونحن مؤمنون أن شرف الرجل كلمة.
ولما كانت الثقافة هى تلك الآليات التى تبصرُّ الناس بأمورهم فى مناحى الحياة، اقتضى ذلك القول بأنه لا يمكن أن نتوقع مجتمعًا إنسانيًا مثقفًا ما لم ندرك فى البدء أن الثقافة معيارٌ أمينٌ للأعراف والعادات والتقاليد والقيم والأخلاق التى تحكم سلوك المجتمع.

وهى فى كلٍ أسلوبُ حياة؛ فالكلمة أمانة، والخلُق الحسن أمانة، والنصح أمانة، والفعل أمانة، والعمل كله أمانة، وأنت الإنسان الأمين المأمون فى حالك كله متى كان ضميرك الحيُّ حيًّا وشاهدًا رقيبًا. إذًا، فالثقافة فى معناها الجامع إدراك لما ينبغى أن يكون.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة