علاء عبد الهادى
علاء عبد الهادى


يوميات الاخبار

فُرص العنانى فى كرسى اليونسكو

علاء عبدالهادي

الأحد، 09 أبريل 2023 - 09:10 م

استرجاع ما حدث مع حسنى، ومع مشيرة خطاب من بعده، ليس من قبيل الاجترار، أو البكاء على اللبن المسكوب أو حتى محاولة لتثبيط الهمم

استوقفتنى كلمات قصيرة كتبها الصديق الدكتور إبراهيم إسماعيل فى صفحته على «الفيسبوك» يبدى فيها تخوفه من دفع الحكومة باسم الدكتور خالد العنانى وزير السياحة والآثار السابق ليكون مرشح مصر لتولى منصب مدير عام منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) فى الدورة القادمة التى تمتد من 2025 الى 2029، تخوف الزميل ليس لسلبيات تتعلق بشخص العنانى، ولكن لأن العنانى -حسب رأيه- يبقى شخصا معروفا على المستوى المحلى، ومن يتصدى لمثل هذه المناصب يجب أن يتمتع بعلاقات ومنجز دولى يشفع له.


معركة فاروق حسنى
بداية فأنا اختلف مع كلام الصديق الذى قضى جزءًا كبيرًا من حياته العملية مستشارًا ثقافيًا، ولكن كلامه هذا ذكرنى بتفاصيل معركة عشت تفاصيلها الدقيقة، كصحفى مسئول عن الشأن الثقافى فى بيتى جريدة الأخبار، عندما رشحت مصر فاروق حسنى لنفس المنصب فى 2009 وكان وقتها لا زال وزيرًا للثقافة، ورغم أن حسنى كان الأوفر حظًا لاقتناص المنصب لأسباب كثيرة تتعلق بثقل اسم مصر ولأن الكتلة العربية لم تمثل من قبل وأخرى تتعلق بشخص وتاريخ فاروق حسنى وعلاقاته الدولية المتشعبة، ولأن حملته الانتخابية التى أدارها الصديق العزيز حسام نصار كانت احترافية، ولم تترك ثغرة إلا وتعاملت معها بطريقة التحرك الاستباقى، ولكن للأسف فشل حسنى فى آخر الأمر بعد خمس جولات، واقتنصت المنصب البلغارية إيرينا بوكوفا التى لم تكن تملك مؤهلات تناظر منافسها المرشح المصرى.


استرجاع ما حدث مع حسنى، ومع مشيرة خطاب من بعده، ليس من قبيل الاجترار، أو البكاء على اللبن المسكوب أو حتى محاولة لتثبيط الهمم، أو الدعوة الى التراجع عن ترشيح العنانى، ولكنه بالأساس لكى نستخلص العبر، وحتى لا نكرر الأخطاء ونفاجأ فى النهاية بأن العنانى -لا قدر الله- لحق بفاروق حسنى، ومشيرة خطاب.
خروج فاروق حسنى كان أمرًا غريبًا، كل المشاهدات كانت تؤكد أنه القادم، وفرصه قوية ولكن لعبة الكبار حالت، فى اللحظات الأخيرة، وبعد جولات خمس، بينه وبين تولى المنصب، وحرمت مصر من هذا المنصب الدولى الرفيع، واستلزم الأمر كتابًا حررته الزميلة فتحية الدخاخنى وصدر منذ سنوات تكشف فيه على لسان فاروق حسنى تفاصيل المؤامرة التى أديرت ضده.
بدايات حملته كانت تؤكد، كما ذكرت، أنه القادم، ولكن اللوبى اليهودى كان له رأى آخر، فقد أداروا حملة ممنهجة ضده بسبب جملة قالها، أخذت عليه، ورموه بمعاداة السامية وقالوا إن «حارق الكتب غير مؤهل لإدارة اليونسكو»! كانت جملة اجتزأوها من سياقها فى خضم معركة خاضها حسنى، كعادته، مع أحد ممثلى التيار المتأسلم فى البرلمان فى ذلك الوقت، ورغم أن أغلب الدول أعلنت صراحة أنها سوف تصوت لصالح فاروق حسنى إلا أن الواقع أظهر تراجعًا شاركت فيه، للأسف، دولة عربية فى الجولة الأخيرة، وتم سحب صوتين من حصة حسنى وذهبا لصالح بوكوفا، كما أتت لعبة تفتيت الأصوات أُكلها سواء داخل البيت العربى أو الأفريقى!
سيناريو مشيرة خطاب
نفس السيناريو تكرر مع السفيرة مشيرة خطاب فى 2017 وفشلت فى اقتناص المنصب بسبب ما وصفته هى نفسها بلعبة «التربيطات وتفتت الأصوات» فعندما تساوت أصواتها مع أصوات المرشحة الفرنسية، فجأة، وبقدرة قادر، ذهب صوت من عندها لصالح منافستها، والبيت العربى لم يكن كالعادة متفقًا على مرشح واحد، ولا حتى القارة الإفريقية التى كان لها 17 صوتًا، كان هناك انقسام فى الحالتين، إضافة إلى ما أسمته خطاب بـ «إغراءات أقوى منا».
ولكن ما تلك الإغراءات التى ألمحت إليها خطاب؟
لم تجب خطاب صراحة، ولكنها قالت «إن إحدى الدول أرسلت لها تأييدًا كتابيًا، ولكن مندوب هذه الدولة فى اليونسكو قال لها: «ليس لدى معلومات».. الذى تعففت عن ذكره مشيرة خطاب صراحة، هو أن التصويت سرى، وأن ممثل كل بلد هو الذى يضع ورقة بلده ويدون فيها بخط يده اسم من يختار، وما يحدث على الأرض أحيانا هو أن هذا الصوت وللأسف الشديد قد يكون له ثمن، ومن لا يأتى بسيف المعز يأتى بذهبه!!.
إذن ما هو الجديد الذى يمكن أن يحدث مع خالد العنانى؟ وهل تغيرت قواعد اللعبة بما يسمح بنجاحه، أم يلحق بفاروق حسنى ومشيرة خطاب؟
قبل أن أجيب، هناك تساؤل أولى لابد أن نجيب عنه: هل فوز اسم ما بقيادة منظمة مثل اليونسكو، يرجع لأهمية وتاريخ وعطاء الاسم المطروح، أم لقوة بلده، أم الاثنين معا؟
بداية مصر من الدول العظمى ثقافيا.. وهذه حقيقة لا ينكرها حتى من قد يناصبوننا العداء، وهى من الدول المؤسسة والفاعلة فى منظمة اليونسكو، والتعاون بين مصر والمنظمة يعد نموذجًا يحتذى به، وظهر فى أوجه عندما أنشأت المنظمة صندوق إنقاذ آثار النوبة بعد تنفيذ مشروع بناء السد العالى، وقادت حملة دولية أثمرت عن فك وإعادة تركيب معابد أبى سمبل مع مجموعة من معابد النوبة، كما أن مصر من الدول الفاعلة والنشطة بل والمؤثرة فى المنظمة سواء فى التراث المادى أو اللامادى، ومتحف الحضارة بالفسطاط ثمرة من ثمار هذا التعاون، منذ أن كان فكرة ، ولا تبخل المنظمة على مصر بخبرائها ومراجعاتها فى كل الملفات.. إذن مصر تملك كل المؤهلات لكى تنال شرف إدارة هذه المنظمة العريقة ممثلة للكتلة العربية والإفريقية لأول مرة.
مؤهلات العنانى
نأتى إلى شخص د. خالد العنانى الذى يحمل سيرة ذاتية أكاديمية عظيمة، لكننى لا أراها الميزة الأولى التى ترجح ملفه على حساب منافسيه، ولكن سيرته العملية هى التى تكسب مسيرته الأكاديمية قيمة وزخمًا، فالرجل مثلا تولى إدارة متحف الحضارة الذى هو كما قلت إحدى ثمار التعاون مع المنظمة العريقة، وهذا أتاح له الاحتكاك عن قرب بالمنظمة وخبرائها، كما أنه تولى إدارة متحف التحرير الذى يعد أيقونة متاحف العالم، وللأمانة كان العنانى منجزًا عندما تولى مسئولية السياحة والآثار، ونجح نجاحًا منقطع النظير فى لفت أنظار العالم إلى حدثين كبيرين هما نقل المومياوات الملكية من متحف التحرير إلى متحف الحضارة، والثانى هو افتتاح طريق الكباش الأثرى فى الأقصر، إضافة إلى علاقاته الدولية التى أهلته لنيل وسامين رفيعين من كل من فرنسا، وهى دولة المقر والفاعلة فى المنظمة، واليابان، ناهيك عن تمكنه من اللغتين: الفرنسية والإنجليزية.


ورغم كل هذه المزايا إلا أنه يحسب على العنانى أن صدره يضيق أحيانا بالنقد وبالرأى الآخر، ولا يجيد التعامل مع الإعلام، لمست ذلك عندما لم يتقبل برحابة صدر ما نشرناه فى «أخبار الأدب» عن بعض قضايا شطب الآثار، وكان الأولى به أن يدرس ما كتبناه بعيدًا عن العصبية، لأن هذه الملفات ذاتها كانت وراء فوز «أخبار الأدب» ممثلة فى الصحفى الشاب شهاب طارق بجائزتين صحفيتين مرموقتين هما: جائزة دبى للصحافة وجائزة هيكل الصحفية.. ولنفس السبب كرم اتحاد الأثريين العرب «أخبار الأدب» فى شخص شهاب.


نصائح للعنانى
أذكر ما أذكره لأننى أتمنى صادقًا أن يفعلها الدكتور العنانى، وتكون «التلاته تابته» ويجلس على منصب مدير اليونسكو، هذا أبسط حقوق مصر، والعنانى كشخص ليس هناك ما يعيبه، بالعكس فهو كشخص يمتلك الأدوات التى تؤهله.
بيان العنانى الذى صدر عنه عقب إعلان مجلس الوزراء على لسان د. مصطفى مدبولى مبشر وينبئ بالخير حيث قال إن «الوجدان الذى يُعلى من قيمة السلام، ويقوم على الوسطية والاعتدال ويمزج بين الهوية العربية والإفريقية وبين التراث الإسلامى والمسيحى واليهودي، فإنه من الطبيعى أن يحدو هذا المزيج الفريد ببلادى (مصر) نحو التطلع إلى الفوز بهذا المنصب الدولى الرفيع اعترافًا بتراثها العريق وتقديرًا لإسهاماتها الحضارية والثقافية والفكرية والتنويرية.
ولكن ...
ولكى يتحقق هذا الحلم الجميل أهمس فى أذنى د. العنانى ببعض الاقتراحات التى أرى أن يأخذ بها، ويدرسها من سيتولون إدارة حملته التى انطلقت فعليًا بدعوته لمرافقة الوفد المصرى المرافق لوزير السياحة والآثار لافتتاح معرض «رمسيس وذهب الفراعنة» فى باريس الأسبوع الماضى، أنصح العنانى بأن تكون أول زيارة له بعد عودته من باريس إلى كل من فاروق حسنى وم. حسام نصار مدير حملته ليستمع من كليهما إلى خلاصة التجربة العملية، والمشاورات التى تتم داخل وخارج الغرف المغلقة، نفس الأمر بلقاء السفيرة المحترمة مشيرة خطاب، بالتأكيد فى التجربتين ما يمكن استخلاصه، وأسباب فشل يمكن تجنبها، وتعزيز مبكر للجوانب الإيجابية.. وبعد تسمية مدير حملة الترشح، لابد من إعداد ملف محدد وواضح بكل الأسئلة التى قد يختلقها اللوبى اليهودى أو من يدورون فى فلكه كالعادة، وإعداد إجابات واضحة ومحددة يلتزم بها المرشح المصرى، حتى لا نقع فى فخ زلات اللسان التى أطاحت إحداها بمرشح قوى مثل فاروق حسنى.. كما أنه لابد من ترتيب البيت العربى، فلا يعقل أن يتنافس أكثر من مرشح عربى فى كل مرة تفكر فيها مصر أن ترشح أحد أبنائها، هذا الأمر يقع على عاتق الخارجية المصرية بقيادة السفير سامح شكرى وهى قادرة على حسمه مبكرًا، وما يقال على البيت العربى، ينسحب على إفريقيا التى يجب أن نبذل معها مزيدًا من الجهد المكثف.. كما أقترح أن يقوم الدكتور زاهى حواس بدور أساسى فى حملة العنانى، فهو بشخصه قادر على حشد الكثير من الأصوات لصالح المرشح المصرى.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة