الفنان فاروق حسنى
الفنان فاروق حسنى


حكاية فنان | فاروق حسنى .. الفنان الذي أصبح وزيرًا

د. طارق عبدالعزيز

الثلاثاء، 18 أبريل 2023 - 01:32 م

 د. طارق عبد العزيز يكتب:


عندما نتحدث عن الثقافة فى مصر لا يمكن أن نمر دون أن نذكر اسمه ونقف أمام بصماته وانجازاته التى ستستمر طويلًا معنا ومع الأجيال القادمة.. فهو ليس فنانًا تشكيليًا له أعماله ومدرسته الخاصة فقط، لكنه فنان بدرجة وزير .. فنان جلس على كرسى وزارة الثقافة المصرية فى مرحلة مهمة من تاريخها لأكثر من ثلاثة وعشرين عامًا مليئة بالإنجازات، كان آخرها مشروع المتحف المصرى الكبير الذى أصبح محل اهتمام العديد من دول العالم رغم انه لم يفتتح رسميًا حتى كتابة تلك السطور..


الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق الذى اعتاد على تحمل المسئولية منذ أن كان طالبًا بكلية الفنون الجميلة – جامعة الأسكندرية، فقد كان مسئولًا عن لجنة الرحلات وكان ينظم لزملائه رحلة كل عام لإكتشاف جمال صعيد مصر.. سحر المعابد الأثرية فى الأقصر وأسوان..


محطات هامة
 وعقب تخرجه عام 1964 تم تعيينه موظفًا بوزارة الثقافة- إدارة المراقبة على الخدمات الفنية بمقر الوزارة بالزمالك، وكان يعمل وقتها فى تصميم أغلفة الكتب، وفى محطة تالية وعمره 26 عامًا تم تعيينه مديرًا لقصر ثقافة الأنفوشى، ثم ترشح للسفر إلى باريس ضمن بعض رؤساء قصور الثقافة للتدريب هناك وكان فى هذا الوقت متقنًا للغة الفرنسية، ثم عاد بعد ستة أشهر مديرًا لقصر ثقافة الأنفوشى مرة ثانية، ونجح فى تحويله إلى ملتقى ثقافى وفنى لشباب الحى والأحياء المجاورة، فقد استضاف كبار الشعراء والفنانين والمخرجين أمثال صلاح جاهين، أمل دنقل، سيد مكاوى، صلاح أبو سيف واستقدم أوركسترا القاهرة السيمفونى وعازفى الموسيقى الأوربيين والسيرك العالمى.. ولهذا النجاح تم اختياره مديرًا للمركز الثقافى المصرى فى فرنسا لتسع سنوات، نجح فيها بجدارة، ونجح أيضًا فى استقطاب العديد من المبدعين ليقدمهم للمجتمع الفرنسى، إذ كان مهمومًا بكيفية تقديم مصر إلى العالم من خلال أعظم ماتمتلكه.. تراثها وفنونها وآدابها وإبداعاتها،.. انتقل بعد ذلك إلى روما وعمل رئيسًا للأكاديمية المصرية للفنون "1979-1987" وقبلها كان وكيلًا للأكاديمية لأربع سنوات، وأندمج داخل المجتمع الإيطالى وتعلم اللغة الإيطالية، ونجح فى جذب عيون العالم بكل ماتقدمه الأكاديمية المصرية فى روما من فنون.


عاصفة فاروق حسنى
تلقى حسنى أثناء تواجده فى روما مكالمة أثارت حيرته من د. عاطف صدقى رئيس الوزراء (1968-1996) .. كانت محددة وموجزة: "استقل أول طائرة وعد إلى القاهرة"..، وبالفعل بعد غيابه لمدة 18 عامًا قضاها بين باريس وروما.. عاد وتوجه من المطار إلى منزل عاطف صدقى مباشرة ليعلم بترشحه وزيرًا للثقافة، وكان الأمر مفاجئًا ومزعجًا وصادمًا له .. واعتذر عن المنصب كما ذكر فى كتابه "فاروق حسنى يتذكر..زمن من الثقافة"،  لكن عاطف صدقى  صرخ فى وجهه: "أنت مجنون، مستحيل تعتذر، وقال له منفعلًا: يعنى هو إحنا اللى واقعين من قعر القفة؟ّ عشت أنت سنوات طويلة فى أوربا، ما المانع أن تخدم البلد معنا سنتين أو ثلاثًا؟!.. فوافق حسنى على الفور، إيمانًا منه أنه سوف يخدم وطنه وسيسعى إلى تحقيق رؤيته لمصر كبلد ذى ثقافة وتاريخ عريق..، وعقب الاعلان عن هذا الاختيار أثيرت ضجة كبيرة وصفها الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين بـ"عاصفة فاروق حسنى" لاعتراض بعض المثقفين عليه .. وتساءل بعضهم: من هو فاروق حسنى؟ .. وساهم فى الرفض ثروت أباظة بصفته رئيسًا لاتحاد الكتاب، والكاتب عبد الرحمن الشرقاوى عندما أعلن فى صدر الصفحة الأولى فى جريدة الوفد:"نحن لا نقبل هذا الوزير، ولا نعرف من يكون"..، ومن الطريف أن الشرقاوى أقام لحسنى حفل تكريم عندما عرفه عن قرب!..، وكان وحيد حامد من المعارضين له لصغر سنه ولعدم خبرته بالثقافة، قبل أن يعلن بعد ذلك أنه وجد فيه وزيرًا بعقل فنانًا مثقفًا ..، وهاتفته الكاتبة الصحفية حُسن شاه تقول له:"لا تغضب يا فاروق وأرجو أن تتصل بموسى صبرى ضرورى الآن"، وبالفعل اتصل به ..وقال له موسي: "عرفت عنك الكثير من شخص موثوق به إلى درجة كبيرة جدًا وهو السيد منصور حسن- وزير الثقافة الأسبق- الذى قال لى مبروك عليكم فاروق حسنى، وأشاد كثيرًا باختيارك" .. وأنا أثق فى حكمه.

"فللينى" يقتنى لوحاته 
وقد كتب فى مجلة المصور الكاتب الكبير رجاء النقاش: "اختيار حسنى قائم على أساس تجديد القيادات الثقافية فالرجل له تاريخه الذى أثبت كفاءته فى كل مراحل العمل الثقافى، وهو قبل ذلك أكبر الفنانين التشكيليين فى مصر، وأعماله تلقى الترحيب والتقدير فى الأوساط العالمية، ويكفى أن "فللينى" يقتنى لوحات فاروق بمنزله"..، بالفعل لقد كان حسنى فى معركته الأولى، نهبًا للشائعات غير المدعمة بوثائق أو مستندات أو دلائل، وفريسة لما يدغدغ اهتمامات البعض، أو يمس مخاوفهم ورغباتهم وتطلعاتهم وآمالهم ومراكزهم السياسية والاجتماعية والوظيفية، وكان لابد من إجابة حاسمة تقطع الشك باليقين..  


 ولا يعرف الكثيرون أن حسنى كان سيتولى الوزارة قبل اختياره بعام، فقد حدث خلال اتصاله لتهنئة د. عاطف صدقى بتولى رئاسة الوزراء أن سأله عمن يرشحه لتولى منصب وزير الثقافة خلفًا للدكتور أحمد هيكل، فرشح سعد الدين وهبة، إلا أن صدقى قال له: "الرئيس مش مرتاح له"، وسأله عن أسماء أخرى فقال له: ولماذا لا تترك د. هيكل عامًا آخر، تستطيع أن تعثر خلاله على آخرين؟ حتى فوجىء بترشيحه.. وكشف له صدقى أنه رشحه منذ توليه المسئولية لكن الأجهزة الأمنية لم تكن قد أتممت تحرياتها عنه، فرأى التأجيل، واندهش حسنى لهذا الترشح رغم أنه خامس المرشحين وأصغرهم سنًا.


طفرة تشكيلية
 حدثت طفرة فى قطاع الفنون التشكيلية فى عصر فاروق حسنى، فقد شهد تطويرًا كبيرًا على مستوى النشاط الفنى من المعارض والسمبوزيوم أو البينالى، وعلى مستوى المتاحف الفنية التى أقيمت لتخليد أعمال كبار الفنانين، إذ أنه بجانب المتاحف الأثرية التى لقيت اهتمامًا كبيرًا، حظيت المتاحف الفنية باهتمام مماثل تقديرًا من حسنى كفنان تشكيلى لرواد هذا الفن، فأقام متاحف ناجى، وراتب صديق، وسعيد الصدر، ومتحف سعد الخادم وزوجته عفت ناجى بسراى القبة الذى تولت وزارة الثقافة تطويره، ومتحف فنون الأسكندرية ومركز محمود سعيد، ومركز الجزيرة .. وتم تطوير متاحف عديدة من بينها متحف محمود خليل بالقاهرة.


تعلموا من فاروق حسنى
ورغم مرور سنوات عديدة على ترك حسنى مقعد الوزارة إلا انه مازال مهتمًا ومهمومًا بصناعة أجيال من الشباب المبدع، ولا شك أن "جائزة الفنون" التى أطلقتها مؤسسة فاروق حسنى فى دورتها الأولى فى سبتمبر 2019 حققت نجاحًا كبيرًا يزداد بريقه كل عام حتى أصبح محط أنظار العديد من داخل مصر وامتد إلى الكثير من الدول العربية والأجنبية التى يسعى بعضها للمساهمة والمشاركة فى هذا النجاح ..، فالمسابقة أصبحت تضم فروعًا مثل" التصوير، والنحت، والنقد التشكيلى، والعمارة، والتصوير الفوتغرافى.. وتنظم بشكل احترافى مما ساهم فى الإقبال عليها من الشباب، وينتظرونها بشغف كل عام، وهذا المشهد ربما سيشجع الكثير من المؤسسات أن تسير على هذا الدرب وتحاول أن تشارك بتنظيم مسابقات مماثلة من أجل دعم الشباب، مما سيؤثر إيجابًا على الحركة التشكيلية، ولا انكر أن اسم فاروق حسنى ساهم فى صنع هذا النجاح .. وهذا لم يأتى من فراغ، فقد أطلق منذ أكثر من 30 سنة عندما كان وزيرًا "صالون الشباب" الذى مازال حتى الآن يفرز لنا كل عام مواهب شابة.. وأسماء عرفناها ولمعت فى سماء الحركة التشكيلية وأصبح لها شأن من خلال هذا المحفل.. وأتمنى أن تتعلم المؤسسات الأخرى من مؤسسة فاروق حسنى كيف يكون النجاح وكيف نكون صادقين.. لأن الصدق هو الطريق القصير جدًا لصناعة أى نجاح. 

إقرأ أيضا .. حكاية فنان | أحمد عبد العزيز.. عمق الحضارة المصرية في إبداعاته

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة