محمد عدوى
محمد عدوى يكتب .. أوان الاعتذار
الخميس، 20 أبريل 2023 - 11:10 ص
كنا ندرك من اللحظة الأولى أن الحملة على النجمة منى زكي ومسلسل “تحت الوصاية” مدبرة، كنا نعي أن من أطلقها له مآرب أخرى، كنا نرى أثر كرة الثلج وهو يكبر يوما بعد آخر وكنا نعرف ونتفهم صمت منى زكي، قبل أيام من بداية ماراثون الموسم الدرامي شن البعض هجوما ضاريا على منى زكي ومسلسل “تحت الوصاية” لمجرد مشاهدتهم لبوستر دعائي يحمل صورتها!، فاتهموها بتعمد تشويه صورة المرأة المحجبة وأنها تعمل وفقا لأجندة لتشويه الإسلام نفسه!!، الحقيقة أن مطلق الشائعة كان يعي تماما أنه يهذي، وأن ما يروج له لا يمت للحقيقة بصلة، وأن الغرض من هذه الشائعة ليست صورة المحجبات أو حتى الإسلام نفسه أو حتى منى نفسها، هي محاولة قديمة جديدة مستمرة لهدم قوى مصر الناعمة، محاولة لضرب فن مصر ورموزها الفنية عن طريق لا يقاوم ويحمل في طياته الكثير من العاطفة، وهو طريق الدين، كنا ندرك أنها زوبعة في فنجان وأن العمل نفسه عند عرضه سوف يخرس الألسنة ويذيب كرة الثلج التي صعدت بمنى زكي إلى “تريند” الغضب، وكتبنا قبل شهر ونصف عن ذلك.
ثم عرض “تحت الوصاية”، وعادت منى زكي لتتصدر “التريند”، لكن هذه المرة عن جدارة واستحقاق، تصدر بمنطق الرد على كل المشككين والمتربصين، تصدرا يليق بها وبمجهودها وتنوعها واختياراتها، أعرف منى زكي منذ زمن طويل، أعلم قدراتها التي اختبرت في أكثر من مرة، أعرف كيف تفكر في صيانة وتنمية مهاراتها، أعرف أن ذكاء الممثل يكمن في خطواته التي يخطوها في كل مرة، فإذا كانت هذه الخطوات تقليدية معتادة، فقد الكثير من بريقه، وإذا كان في كل مرة يكسب بها أرض جديدة فهي خطوات ناجحة دون شك، منى في كل عمل لا تكسب أرضا جديدة فحسب، ولكنها تحرق كل السبل في طريقها، فلا يصل إليها أحد مجددا، منى نجمة وممثلة من العيار الثقيل الذي لا يقدر بثمن، العيار الذي يصيب هدفه ويصيب الحاقدين في مقتل، منى قررت أن تعمل ولا شيء آخر، تعمل مفهومها وبثقافتها على مشروعها الفني وقناعاتها الفنية، ضاربة عرض الحائط بكل ما يقال وقيل، هي مؤمنة أنها كـ”المايسترو” لا تنظر إلى الجمهور طيلة الوقت وتنظم الأوركسترا وتمتعنا بأعذب الألحان.
في “تحت الوصاية” تغيير جلد معتاد من منى زكي، هناك حالة من التضخم في موهبة فائقة، طاغية في كل ظهور تشعر أنك أمام ممثلة جديدة، لا تستطيع أن تحدد مواطن القوة في أدائها، لا تستطيع أن ترصد الطريقة التي تتعامل فيها مع شخصية “حنان” الأم المغلوبة على أمرها التي قررت ألا تستسلم لوضع جائر بمنح الوصاية على أولادها لجد وعم لا يعنيهم من الأمر شيء، إلا المكسب والميراث المادي، في كل حلقة تنفجر مواهبها، تعمل وفقا لآلة دقيقة الصنع في إيصال إحساس وشكل وسلوك الشخصية التي رسمها بإقتدار الثنائي شيرين وخالد دياب ووجهها المخرج المبدع محمد شاكر خضير، في كل حلقة تجد نفسك مبهورا بهذا العالم الذي توحدنا معه وتعاطفنا معه وصرنا نهتم به.
هذه الحالة تستحق الثناء ومنى زكي تستحق الشكر والإعتذار فهل تفعلون، أظن أنه آن أوان الإعتذار لمنى، آن أوان الإقرار بأنك كنت يدا في مخطط لا يد لك به، وأنك انسقت بصورة أو بأخرى لتهدم كنزا حقيقيا لا تعلم قيمته، أدرك أن البعض إنساق حرص وخوف على صورة من المسلمات الدينية، لكنه في النهاية تورط في إيذاء نجمة تفعل كل ما في وسعها لإسعادهم وطرح مشكلاتهم على الشاشة، وهذا هو دورها الحقيقي ودور كل فنان حقيقي.
يقولون أن الفن مرآة للمجتمع يظهر ولا يخفي، يجمل أحيانا ويرصد ويكشف ويعري في أحيان أخرى، على مدار سنوات طويلة جسد الفن حياة وأزمات ومشكلات النساء قدمهن بصور مختلفة، وفي أعمال كثيرة بين السينما والدراما التليفزيونية، المرأة في الدراما بصورة عامة سواء كانت سينمائية أو تليفزيونية لها خصائص ربما تتشابه مع الحقيقة إلى حد كبير، وكثيرا ما تصدى الفن بنجاح في أزمات حقيقية، وهذا دور الفن الحقيقي، مسلسل “تحت الوصاية” واحد من هذه الأعمال الملهمة التي تطرح قضية اجتماعية في غاية الخطورة، وهنا يجب أن نشيد بالشركة المنتجة “المتحدة” التي تصدت لهذه القضية الحقيقية التي تعبر عن بعد اجتماعي مهم تعاني منه نسبة كبيرة من الأرامل التي يقف القانون ضد حق أصيل لهم، جهد حقيقي ومدروس من كتاب السيناريو شيرين وخالد دياب، هضم كامل لكل تفاصيل الأزمة في قالب درامي بديع ومكثف دون تطويل أو تقصير في أي من عناصر الحبكة، تجسيد وأداء راق ومتقن من نجوم المسلسل، وعلى رأسهم منى زكي، والطفل عمر شريف، المعجون بالموهبة، والنجوم الذين شاركوا بكل حب وإخلاص في العمل وكلهم من المواهب الحقيقية التي تستحق الشكر، وعلى رأسهم المطرب والممثل محمد دياب ومها نصار وخالد كمال وأحمد خالد صالح وعلي صبحي وعلي الطيب ونهى عابدين وثراء جبيل، والكبير المبدع رشدي الشامي ومحمد عبد العظيم وأحمد عبد الحميد، وكل هؤلاء في أيد أمينة واعية، هو المخرج المبدع محمد شاكر خضير، الذي أجاد في اختيار كل عناصر العمل من موسيقى ساحرة لليال وطفة وصورة ثاقبة لبيشوي روزفلت وتصميم ملابس واقعي جدا لريم العدل وديكور مناسب جدا للحالة قدمه محمد عطية.. الحقيقة أن “تحت الوصاية” عمل مهم بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة