كرم جبر
كرم جبر


إنها مصر

كرم جبر يكتب: صحافة زمان

كرم جبر

الجمعة، 21 أبريل 2023 - 06:46 م

فى أكتوبر 1925 ذهبت فاطمة اليوسف بنفسها إلى وزارة الداخلية، لتطلب الترخيص لها بإصدار مجلة، وقابلت «محمد مسعود بك» مدير المطبوعات فى ذلك الوقت، وأمام إصرارها حصلت على الترخيص.

قررت أن تسمى المجلة باسمها «روزاليوسف»، وهو الاسم الذى أحبته الجماهير ويوفر عليها أى جهد فى الدعاية والإعلان، بعد أن قررت أن تعتزل التمثيل وتتفرغ للعمل الصحفي، وهى من مواليد مدينة طرابلس فى لبنان سنة 1897، جاءت إلى مصر وحيدة وعاشت ظروفًا صعبة، ولكنها كانت قوية الإرادة والعزيمة.

وقفت روزاليوسف على خشبة المسرح فى فترة الحرب العالمية الأولى، وسنة 1918 عندما ولد «إحسان» كانت هى الممثلة الأولى والنجمة المتألقة التى تستحوذ على قلوب الجماهير، تألقت كثيراً فى دور «غادة الكاميليا»، وسنة 1925 اختلفت مع يوسف وهبى صاحب فرقة رمسيس التى كانت هى بطلتها، فقررت أن تعتزل التمثيل.

الذى لا يعرفه كثيرون أنها لم تكن تحسن الكتابة، كانت توقع باسمها فقط، أما مذكراتها المعروفة فقد أملتها على أحمد بهاء الدين، وكانت تعتبره مع فتحى غانم مثل ابنها إحسان.

محمد عبد القدوس زوجها ووالد إحسان، كان عاشقاً للفن وترك الهندسة وعمل مع نجيب الريحانى وسليمان نجيب وعزيز عيد، ولعب دوراً فى فيلم «الوردة البيضاء» لمحمد عبد الوهاب، وينحدر من أسرة مصرية عريقة، جده هو سليمان زيدان من عرب الصالحية، واشترك فى الثورة العرابية وسجن وهرب وغير اسمه إلى رضوان.

هكذا تكتمل فى شخصية إحسان عبدالقدوس عناصر كثيرة: لبنان وعرب الصالحية والثورة العرابية والأزهر والفن والتمثيل والحقوق التى تخرج فيها سنة 1943، وأحاطت فاطمة اليوسف نفسها بكل ألوان التفوق والإبداع، وكانت صديقة لأعظم الرجال فى عصرها مثل عباس محمود العقاد ومحمد التابعى ومحمود عزمي.
كامل الشناوي كان يقول عنها إنها رجل، وكانت ترد عليه «لا يا كامل لست رجلاً ولا أحب أن أكون، أنا فخورة بأنى سيدة، وعيب صحافتنا كثرة رجالها وقلة سيداتها.. ويوم أرضى عنك.. سأقول إنك سيدة»، وفى هذه الظروف تعلم إحسان كيف يكتب وكيف يمسك بالقلم، وكان أساتذته بعد والدته: محمود عزمى ومحمد التابعى وعباس محمود العقاد.

كتب رجاء النقاش عن إحسان: من محمد التابعى تعلم إحسان أسلوب الكتابة، والتابعى هو عميد الأسلوب الصحفى المعاصر بلا منافس، إنه ساحر الكلمة ومعلم الأجيال، وتعلم من محمود عزمى نظرته التقدمية لمشاكل الحياة والمجتمع والإنسان، حيث كان عزمى من أعظم دعاة التجديد والتقدم، ووصل به الأمر إلى حد الدعوة إلى لبس «القبعة» بدلاً من «العمامة»، ومن العقاد تعلم إحسان جرأة الكاتب وفروسية صاحب القلم، والاشتباك العنيف مع الأفكار الخاطئة، التى ينبغى هدمها وإفساح الطريق أمام عالم جديد.

كان إحسان عبد القدوس من القيادات الصحفية القادرة على اكتشاف المواهب الجديدة وإفساح الطريق لها.. وخير دليل على ذلك اكتشاف الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين، وكان يعمل فى إحدى الإدارات القانونية، وذات يوم ترك مقالاً فى استعلامات «روزاليوسف» وانصرف، ولم يكن يعرف إحسان أو أى صحفى آخر فى المجلة، وفوجئ بالمقال فى الأسبوع التالى على الغلاف، وصار بعد ذلك واحدًا من أعظم الكتاب فى مصر.

دروس فى النقد السياسي الذى يحقق الهدف، دون أن يجرح أو يدمي، ومن يقرأ مقالات إحسان وهو يشرّح الواقع السياسي المصري، يتأكد أنه لا يزال يعيش بيننا حتى اليوم.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة