منى زكي في تحت الوصاية
منى زكي في تحت الوصاية


الدراما الرمضانية بعيون نقدية.. منى زكي ترفع «الوصاية» عن المسكوت عنه!

أخبار اليوم

الجمعة، 21 أبريل 2023 - 10:01 م

منذ المشاهد الأولى لمسلسل «تحت الوصاية» ونحن أمام عمل فنى مختلف فكرياً وفنياً، عمل يتجاوز الرؤية البصرية، ويتسرب إلى الوجدان بسلاسة وتلقائية وصدق، ليجعلنا شركاء فى قضية أهملت مناقشتها سنوات طويلة، وآن الأوان لإثارتها بقوة، وهو أمر يحسب للشركة المنتجة التى تصدت لإنتاج هذا العمل، ووفرت له كل إمكانات وعوامل النجاح.

نحن إذن أمام حالة فنية فرضت نفسها على أفكارنا ومشاعرنا، خلال النصف الثانى من شهر رمضان، دون ضجيج أو مبالغة أو ثرثرة، وإزاء قضية تحرم كل أم من حقها فى استكمال دورها الذى منحها إياه الله عز وجل، والوقوع تحت سيطرة الوصاية المالية والتعليمية للجد أو العم، الذى يتولى زمام الأمور بعد وفاة الأب.

ويتحكم فى مسار حياة الأطفال، ومعيشتهم وتربيتهم، ويتدخل فى كل صغيرة وكبيرة تخص الأبناء القُصر بعد وفاة الأب، بداية من التعليم والمسكن والملبس، وصولاً إلى الطعام والشراب وممارسة الرياضة والهوايات.

اقرأ ايضاً |بطولة تامر حسني.. طرح البوستر الرسمي لفيلم «تاج»

 يقتحم مسلسل تحت الوصاية عالم الصيادين، ويقترب من مهنة صعبة وقاسية، مليئة بالمصاعب والتحديات، تتزايد فيها معدلات الخطر وترتفع أعداد الضحايا بين أبنائها، لإثارة قضية زوجة تفقد زوجها الذى يعمل بمهنة الصيد، وتقع تحت رحمة وصاية الجد المالية والتعليمية على الأحفاد، وطمع العم فى الاستيلاء على مركب الأب المتوفى.

ويتناول العمل القضية بواقعية وجاذبية، دون مباشرة أو خطابة، من خلال سيناريو متماسك كتبه الثنائى شيرين وخالد دياب بحرفية عالية، يرسم ملامح الشخصيات وتطورها بعمق، وسرد درامى ممتع ومشوق، يصحبنا إلى رحلة عناء ومشقة تعيشها الأرملة وأبناؤها، هربا من معاناة سابقة، يتكشف جانب خفى منها مع بداية كل حلقة.

تألقت فى المسلسل النجمة منى زكى، صاحبة الموهبة الاستثنائية، التى صارت تبهرنا بصدق أدائها العفوي، وذكاء اختياراتها الفنية من عمل لآخر، وتُمتعنا بقدراتها الفائقة على الدخول بين ثنايا الشخصية ونسيج جلدها، والامتزاج بروحها ومشاعرها، وتقمص أدوارها بصدق حتى النخاع، لدرجة أننا ننسى «منى» ولا نتذكر سوى حنان أو هناء أو مريم أو غيرهن من عشرات الشخصيات اللاتى جسدتهن على الشاشة ببراعة مدهشة، تضاهى أداء الممثلات العالميات، اللاتى يضعن الجمال على باب الاستوديو، قبل الذوبان بكل كياناتهن، ومشاعرهن فى الدور المرسوم لهن فى العمل.

إنها حقاً أيقونة الدراما الرمضانية هذا العام، بتمكنها من التعبير ببراعة، تعكس سنوات نضجها وثراء موهبتها، وتنقلها بسلاسة وعذوبة بين مشاعر الخوف والمعاناة، والتحدى والاصرار، لتجسد دور «حنان» الأرملة التى تدافع عن حق أولادها فى ميراث الأب المتوفى، وتتحدى الظروف القاسية، وتخوض مغامرة الصيد بمركب زوجها الراحل، وسط مجتمع لا يعترف بحق النساء فى العمل والمنافسة، مجتمع يتطاحن فيه الرجال بلا رحمة، وتسيطر عليه ثقافة ذكورية، وموروث عقيم يحتفظ بصورة مهينة للمرأة ويهمشها، ويستخف بإمكانياتها ومهاراتها، ويحط من قدرتها، وعبرت الفنانة منى زكى عن ذلك من خلال مشاهد رفض البحارة فى المقهى العمل تحت قيادة امرأة، والسخرية منها بصورة فجة وجارحة، ومواقفهم ونظراتهم وتصرفاتهم، ورهاناتهم خلال رحلة الصيد البحرية على مركبها.

 كما نجح المخرج أحمد شاكر خضير فى توظيف عناصره الفنية فى التعبير عن أفكاره ورؤيته، وقدّم نموذجاً للواقعية السحرية، تبرز الاحاسيس والمشاعر المتدفقة فى المشاهد، واختار أماكن تصوير طازجة وجديدة على الدراما التليفزيونية، ونجح فى انتقاء فريق العمل بدقة وإدارتهم ببراعة، ليصلوا لمستوى أداء يمنح شخصيات المسلسل جاذبية وحضوراً طاغياً على الشاشة، ويبدو هذا فى أداء الطفل الموهوب «عمر شريف»، الذى صنع منه ممثلاً محترفاً، وبطلاً ينبئ بنجم فى المستقبل، كذلك النجوم دياب، أحمد خالد صالح، رشدى الشامي، نهى عابدين، وخالد كمال.

وبرع مدير التصوير بيشوى روزفلت فى مشاهد الليل داخل المركب، وكذلك مهندس الصوت إسلام عبد الله، والمونتير أحمد حافظ، ونجحت موسيقى ليال وطفة المعبرة فى تعميق الإحساس بالأحداث، وكذلك ديكورات محمد عطية، وأزياء ريم العدل.

إن نظرة سريعة لما يحدث فى محاكم الأسرة، تكفى لكى ندرك صدق العمل فى تقديم ما تتكبده الأرملة بين ردهات المحاكم، والصراعات وتصفية الحسابات بين الأم وعائلة الأب، ومعاناة الأطفال بين مرارة اليتم، وجشع وطمع الوصيّ، وتحمل الأم مشقة اللف كعب داير.

للحصول على موافقات المجلس الحسبي، وسط الروتين القاتل فى بلدنا، لتوفير مصروفات أبنائها والإنفاق عليهم، أو إجراء عملية جراحية، أو نقلهم من مدرسة إلى أخرى.

وكأن الزوجة التى عاشت كتفها بكتف زوجها، لتبنى تلك الأسرة «امرأة» فاقدة للأهلية، أو «أم» سفيهة تسئ التصرف فى الأموال، أو اتخاذ قرارات تتعلق بمستقبل أولادها التعليمي، دون أدنى تفكير فى جشع بعض الأجداد، وتطلعهم لميراث الأبن المتوفى، أو مراعاة أطماع «العم» فى مشاركة الأبناء ميراثهم دون استحقاق.

وهناك عشرات القصص المأساوية مع «الوصى»، الذى يسعى لفرض سيطرته على الأم وأبنائها، وبدلاً من أن يكون سنداً، يصبح سيفاً مصلتاً على رقابهم!! وتعيش الزوجة وأبنائها مأساة نفسية ومالية، بين ألم الحرمان من الأب، وإذلال وتقطير الوصى وأطماعه.

كيف تُحرم الأرملة من أبسط الحقوق، وكأنه عقاب إلهى يقع على الزوجات الأرامل، فى الوقت الذى تحظى المرأة بالمساندة والدعم من الدولة؟ وفى ظل إيمان الحكومة بالدور الرائد للمرأة المصرية فى النهوض بالمجتمع، وصارت الآن مسئولة عن أصعب الحقائب الوزارية، لها كوتة فى المجالس النيابية، ومجالس إدارات الشركات.

إن آراء الفقهاء خرجت فى زمن لم يكن للمرأة فيه نصيب من العلم أو الثقافة، ولا تخرج فيه للعمل كتفاً بكتف بجانب الرجال، لتشارك زوجها فى بناء الأسرة، وتخطى الأزمات والمصاعب، زمن كانت المرأة تعيش فيه على الهامش، لذا فإن تلك الآراء يحكمها إطارها التاريخي، ومحددة بطبيعة ظروف الحياة فى زمن ولى مدبراً.

ولقد غيرت الأعمال الفنية عددا من القوانين، وبعد عرض فيلم «جعلونى مجرماً» صدر قانون يعفى المجرم من السابقة الأولى فى الصحيفة الجنائية، حتى يتمكن من بدء حياة جديدة، كما نجح فيلم «أريد حلاً» فى إلغاء حق الزوج فى إرغام الزوجة على العيش فى بيت الطاعة بقوة الشرطة.

وكذلك كان فيلم «كلمة شرف» وراء تعديل قوانين زيارات السجون، لذا أتمنى أن ينجح مسلسل «تحت الوصاية» فى تعديل قانون حق الوصاية، ضمن الجهود التى تقوم بها الدولة لمراجعة القوانين المتعلقة بالمرأة.


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة