خالد النبوي من مسلسل رسالة الإمام
خالد النبوي من مسلسل رسالة الإمام


أسئلة «رسالة الإمام» بين الماضي والحاضر

أخبار اليوم

الجمعة، 21 أبريل 2023 - 10:33 م

يفتح مسلسل «رسالة الإمام» الباب لأسئلة كثيرة، معظمها مرتبط بواقعنا الحالي، ففى حلقاته الأخيرة دخل فى المنطقة الشائكة من حياة «الشافعي»، المالكية فى مصر أغلقوا باب الاجتهاد بعد الإمام مالك، وقوبل الشافعى بتعنتهم، وأغلقوا قلوبهم قبل عقولهم، يذكروننا بما نراه منذ سنوات، من قوم ختم الله على قلوبهم، فتنازلوا عن هويتهم، ودمروا أوطانهم.

 مسلسل منسوج برهافة، طرح أزمتنا كمسلمين، بين وسطيين يؤمنون بثوابت الشرع مع فتح باب الاجتهاد، ومتشددين يريدون عودة المجتمع ليس حتى لعصر الإسلام الأول، ولكن لما قبل الجاهلية، وأول سؤال يقفز فى ذهنى مع كل مشاهدة لحلقة جديدة، إلى متى سنظل هكذا، رافضين للتفكير، متجمدين تحت سطوة آراء بشر مثلنا، الفارق بيننا وبينهم أنهم فقط سبقونا بسنوات، فأصبح اجتهادهم مقدسا، ورأيهم شريعة.

 يملك رسالة الإمام» قدرة عجيبة على جذبك كمشاهد، يتسرب إلى قلبك، لتقع فى غرام تلك القصيدة الموزونة جيدا، موسيقاها الداخلية تنبع من أعين هؤلاء الممثلين الذين نشاهد ألقهم جميعا، يتحدثون حوارا غير مصطنع، تملك كل شخصية حوارها الداخلى الذى يظهر فى تعبيراتهم بلا زيادة ولا نقصان.

ويمسك كل ممثل بتلابيب شخصيته، فلا يفلتها مطلقا، وتنطق كل شخصية بما يمثلها، فتحريك الممثلين ومنهم الكثير من الوجوه الجديدة التى تقف لأول مرة أمام كاميرا  المخرج الليث حجو به الكثير من التفاصيل لتحكى.

اقرأ ايضا | بطولة تامر حسني.. طرح البوستر الرسمي لفيلم «تاج»

والذى أعتبره واحدا من مكاسب الصناعة فى مصر، هو مخرج يملك قدرة كبيرة على توجيه الممثلين، لا يمسك الخيوط فيحرك عرائس ماريونيت كما يفعل البعض، ولكنه يضع كل ممثل أمام شخصيته، كما فى المرآة.

ويكشف أسرار كل شخصية لمؤديها، فتخرج لنا دررا مثل «السري» حمزة العيلي، و«هند» سلمى أبوضيف، و«حُسن» أروى جودة، و«المطلب» وليد فواز، وأسماء كثيرة اكتشفتها من خلال متابعتى للمسلسل كل يوم خلال رمضان.

المسلسل أعاد لنا مهندس ديكور حاول أن ينسحب من الساحة هو عادل المغربي، فقدم لنا واحدا من أفضل إنجازاته، وترك لنا فى مدينة الإنتاج الإعلامى ديكور مدينة الفسطاط، أجمل ما شاهدته منذ سنوات، واكتشفنا من خلاله مدير التصوير تيمور تيمور، الذى أعتبره أهم اكتشافات «رسالة الإمام».

ومصممة الملابس الدكتور سامية عبدالعزيز، التى صنعت لكل شخصية ما يناسبها، وذلك من العناصر الأكثر إبهارا فى المسلسل، وآخرين كل فى مكانه، تحت إدارة مخرج مثقف، يملك وعيا ورؤية ووجهة نظر، واستطاع أن يقدم لنا ما كتبه محمد هشام عبية وفريقه فى أجمل صورة.

المسلسل لم يقدم فقط «الإمام الشافعي»، ولكنه قدم مصر حين أتى إليها الشافعي، أحوالها وشعبها وروحها، التى احتضنت الإمام فلانت أفكاره وتبدلت رؤيته وانفتح أمامه قلب هذا الشعب الطيب، فذاب الشافعى فيها، رغم قصر المدة التى عاشها داخلها، ولكن كل منجزه الفكرى صاغه فيها وتأثرا بها.

الأسئلة التى يطرحها المسلسل لا تعبر فقط عن أزمة يعيشها المجتمع الإسلامى منذ الفتنة الكبرى وحتى الآن، ولكنها أيضا كاشفة لما مررنا به منذ السبعينيات حتى الآن، ذكاء فريق الكتابة الذى يشرف عليه محمد هشام عبية، أنه لم يفتح أى مجال خلافى داخل حلقات المسلسل.

وإنما لمح لمحنة «خلق القرآن» والتى كانت نذرها بدأت فى حياة الشافعي، ولمح لتطرف المالكية الذين فهموا المذهب بشكل خاطئ، وتناحروا مع الشافعى حتى داخل المسجد، وتعنتهم ضد أى فكرة تخالف ما استقر عليه رأى صاحب الموطأ، رغم أنه بشر يصيب ويخطئ حسب قول مالك نفسه، فالمسلسل طرح الفكرتين وأدلتهما، وترك الأمر بين يديك، لتفكر وتختار وتقرر أيهما أصح.

رسالة الإمام عمل سيعيش طويلا، ليس بسبب مخرجه المبدع ومدير تصويره الفذ ومهندس ديكوره الرائع، وباقى فريق عمله الأفضل فى المنطقة العربية، ولكن بالأساس بسبب أفكاره التى يحملها، وجرأته التى ستفتح الباب لتقديم إشكاليات دينية بطريقة عقلانية، وفتح الباب أمام جراح أغلقت على صديدها، فتقيحت وصارت قنابل غير موقوتة، تنفجر عند كل اقتراب منها.


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة