إبراهيم المنيسى
إبراهيم المنيسى


أما قبل

إنذار حقيقى

الأخبار

الأربعاء، 26 أبريل 2023 - 06:33 م

 ما من مدرب كرة، خاصة العاملين بقطاعات الناشئين، تتحدث إليه عن أحوال ومستويات الناشئين، إلا ويبادرك بالقول القاطع: «المواهب قلت أوى فى مصر.. فين وفين.. لما تلاقى ناشئ فلتة أو موهبة حقيقية»..

كلام متكرر. يتلقاه. الجميع دون توقف عنده ولا معرفة أسبابه أو تبعاته وتأثيره على مستقبل اللعبة الشعبية الأولى فى مصر التى كان المدربون الأجانب كثيرا ما يصفونها باللاتينية من فرط خصوبة ملاعبها فى إنتاج الموهوبين البارزين بل وشديدى الموهبة. كورفر الهولندى الخبير الدولى فى تدريبات الناشئين خلال فترة عمله بالأهلى نهاية التسعينيات قال لى: مصر تشبه البرازيل بالظبط.. الموهبة عندكم عالية جدا ومتوفرة لكن تنقصها الاكتشاف المبكر والرعاية. إذاً. ماذا حدث حتى نتراجع كثيرا وتتردى نتائج منتخبات مصر للناشئين عربيا وأفريقيا وليس فقط دوليا.. ليه؟

من غير ليه.. نستطيع القول.. بل والجزم..  ربما كانت هدية السماء لتبديل حالهم وتحويل حياتهم.. أذكر أننى قرأت مرة للنجم البرازيلى الكبير روبرتو كارلوس   عندما كان فى ريال مدريد يقول عن علاقته بالكرة وامتنانه بفضلها: «كنت فى طفولتى أحمل على كتفى صندوق المياه الغازية.. وألف فى مدرجات الملاعب لأبيع للجماهير.. وأعود لأسرتى فى المساء سعيدا بأننى جمعت خمسة دولارات.. كانت تكفينا لأيام.. ولما كبرت ولعبت واحترفت واشتهرت.. الآن أعمل إعلانا لنفس شركة المياه الغازية..  ربما لمدة دقيقتين فقط لأحصل على خمسة ملايين دولار.. إنها كرة القدم.. وفضلها علينا».

مفارقة النجم البرازيلى تجدها متكررة كثيرا، وهى تكشف عن ارتباط البسطاء بشغف الكرة وتنمية موهبتهم فى الشارع والحارة الضيقة ولدينا فى النجم العالمى محمد صلاح نموذجا فى الجلد والجد والاجتهاد والتعب.. والطموح والإصرار على النجاح.. لكن لماذا ندرت المواهب؟.

مواطن منوفى حدثنى هاتفيا شاكيا فى رمضان: «ولادى الاتنين ١٢ و١٤ سنة غاويين الكورة اوى والناس كلها بتقول انهم حريفة جدا. بس مش لاقى مكان يلعبوا فيه.. وانا ظروفى على قدى.. فى مركز الشباب بيأجروا لهم الملعب بالساعة وما عنديش أدفع لكل واحد فيهم تلاتين جنيه فى اليوم علشان يلعب ساعتين.. أو يخش الفريق بألفين تلاتة.. أعمل إيه».

نصحت الرجل البسيط بأن يتقدم بابنيه لاختبارات الناشئين بالأندية فى إجازة الصيف.. لكنه باغتنى بتفاصيل ما يفعله سماسرة الأكاديميات الذين يطوفون البلاد خطفا للأشبال على وعد بتقديمهم للأندية بشرط الحصول على مبلغ وقدره وإيهام كل أب بأن ابنه موهوب زى صلاح والننى وأنه هيفتح لهم طاقة القدر.. بس ادفع خمسة آلاف جنيه وأنا أسلكه  للنادى الفلانى..

القضية كبيرة.. واستئجار البعض فرقا بالأندية الصغيرة ومراكز الشباب وضم الأشبال لها بمقابل مادى سنوى كبير. بهدف تسويق الناشئ وضمه للنادى الكبير. وتضييق.. بل وخنق الفرص أمام الأولاد الصغار للممارسة واللعب بعد أن ضاقت الشوارع واختفت الساحات الشعبية وتاهت الحوارى.. وماتت المواهب.. ومازلنا نسأل عن سبب ندرة المواهب  وتدنى نتائج منتخبات الناشئين لدينا..!!

حرروا الملاعب المفتوحة ومراكز الشباب من هؤلاء التجار،  لتعود أماكن اللعب مجانا أمام الأولاد الذين يكفيهم فقط اشتراك أسرهم فى هذه المراكز والتى يجب أن تبقى الممارسة فيها حقا مكفولا للناس.
رجعوا الكورة لأصحابها.. 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة