كرم جبر
كرم جبر


إنهـا مصر

عشنا مرارة التهجير!

كرم جبر

الجمعة، 28 أبريل 2023 - 07:47 م

 

أتذكر المشهد جيداً بعد حرب يونيو 1967 فى مدينتى القوصية، عندما مر أعضاء الاتحاد الاشتراكى العربى على البيوت بعد منتصف الليل، لمطالبة الناس بالذهاب فجراً إلى محطة القطار لاستقبال المهاجرين من مدن القناة.

وجاء القطار يشق الظلام من بعيد، والمحطة مزيّنة بالورود وفرقة شعبية للمزمار والطبل البلدى، ونزل أهالى بورسعيد الذين تركوا مدينتهم وبيوتهم، وعلى ملامحهم التعب والإرهاق والحزن، وبعد استقبال رسمى وشعبى، حملتهم سيارات النقل مع أمتعتهم القليلة إلى أماكن الإقامة فى المدارس التى تم إخلاؤها، وبعض المبانى الحكومية القديمة، وكلها أماكن غير مخصصة للمعيشة والسكن، وحدث نفس الشيء لمن تم تهجيرهم من السويس والإسماعيلية فى بقية مدن الجمهورية.

خُصصت الفصول الكبيرة لأسرتين، تفصل بينهما ملاية سرير، ويقيم فيها نساء وأطفال وشباب وعجائز، ينامون ويأكلون ويشربون، وليس لهم فسحة إلا فناء المدرسة.

جاء عليهم الشتاء، وما أدراك ما برد الصعيد، وإذا أراد أحدهم أن يذهب إلى دورة المياه نهاراً أو فجراً، عليه أن يقطع مشواراً فى الهواء والصقيع والمشى فى الخلاء من الفصول إلى دورات مياه المدرسة.

هذه هى الحرب..

وصناعة المأساة بكامل عناصرها، واجهها أهالى مدن القناة حفاظاً على حياتهم من غارات الطيران الإسرائيلى التى استهدفتهم ومدنهم وشوارعهم وبيوتهم، فلم يكن أمامهم إلا الفرار من غارات الموت إلى الحياة البائسة، وتخيل حال أسرة تعيش فى فصل صغير أو نصف فصل، ومعهم فى نفس المكان أسرة أخرى تعيش نفس الظروف.

وعكست أغانى السمسمية فى ذلك الوقت الأحزان الممزوجة بحلم العودة إلى الديار، "فجر الرجوع أهو لاح، اطلع يا نور الصباح.. عشان خلاص راجعين، راجعين يا بورسعيد" و "يا بيوت السويس يا بيوت مدينتى، أستشهد تحتك وتعيشى إنتى".

وأغان أخرى كثيرة ولدت من رحم المأساة، لترسم الطريق إلى النصر بالعزيمة والإصرار، والثقة فى جيشهم القادر على استعادة الكرامة والكبرياء ورفع الرؤوس التى انتكست.

هذه هى الحروب.. 

عشنا مأساتها واكتوينا بويلاتها وتحملنا فاتورة باهظة استنزفت موارد الدولة، بجانب التضحيات الكبيرة من الشهداء والجرحى، لننعم بالهدوء والأمن والاستقرار، وكانت كلمة السر هى "الله أكبر" فى حرب أكتوبر المجيدة التى أزالت آثار الهزيمة والمهانة والذل، ومهدت الطريق للعودة إلى الديار.
وشتان بين مجىء قطار المهجرين ورحيله.. جاء بالأحزان والدموع ورحل بالفرحة والبهجة، وليس فى الحياة أغلى من أن يعود الإنسان إلى وطنه وبيته والشوارع والمقاهى والمحلات والجيران.

ويمضى القطار بسرعة، وتحاول جماعة الشر أن تكتب على مصر وشعبها نفس المصير إثر استيلائها على الحكم بعد يناير 2011، وتنفيذ سيناريو أشبه بدول الجوار التى هُجرت شعوبها ولا يعلمون متى يعودون.

كنا نقول فى حكم الإخوان "عايزين نرجع لمصر"، "مصر وحشتنا" بعد أن حاولوا تغيير هويتها وثقافتها وحضارتها وتاريخها وناسها والشوارع والبيوت، واستبدالها بدولة منهارة مثلما فعلت الجماعات الإرهابية فى الدول المجاورة.

وكما تم تحرير سيناء من إسرائيل، تطهرت مصر من الإرهاب، واستعادت الأمن والأمان والمحبة والسلام والعلم والنشيد، ورفض شعبها بإصرار أن يركب مرة أخرى قطار الدموع والأحزان، "الديار.. قد تغادرها أجسادنا ولكن أرواحنا تظل تسكنها".. خلوا بالكم من مصر.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة