محمد السيد عيد
محمد السيد عيد


يوميات الاخبار

ألقاب حكام مصر عبر التاريخ

محمد السيد عيد

الأحد، 30 أبريل 2023 - 07:39 م

 

وعلى الفور وافق نوبار على لقب «خديو» قائلا لنفسه: لقب يحمله شاه إيران لا يمكن أن يحسبه إسماعيل غير جدير به

فى الخامس من مايو 1953، أى منذ سبعين عامًا بالتمام والكمال، وافقت لجنة إعداد الدستور التى شكلتها ثورة يوليو 1952، على أن تكون مصر جمهورية. كانت مصر آنذاك ملكية دستورية، يتربع على عرشها ملك تحت الوصاية، هو أحمد فؤاد الثاني، لكن لجنة الدستور كان لديها الجرأة لكى تطرح فكرتها الثورية، وتعلنها على الملأ. ولم تلبث مصر أن ألغت النظام الملكى فى يونيو 1953، وأعلنت النظام الجمهورى، وصار الحاكم يحمل لقب رئيس جمهورية، وفى هذه المناسبة أستعرض مع القارئ الكريم مسيرة ألقاب حكام مصر فى العصر الحديث.


 الوالى/ العزيز
بعد الاحتلال التركى لمصر صار حاكمها يحمل لقب «والي»، وظل هذا اللقب مستمرًا حتى العصر الحديث. لكن الملاحظ أن «محمد علي» كان يلقب فى الكتابات المعاصرة له بلقب «العزيز»، وهو لقب قرآني، ذكر القرآن أن الرجل الذى اشترى يوسف عليه السلام كان يلقب به، وأن يوسف عليه السلام صار عزيز مصر بعد خروجه من السجن. لكن هذا اللقب لم يكن رسميًا. وظل حاكم مصر يحمل لقب «الوالي» حتى الثامن من يونيو 1867.
 الخديوى
وقف نوبار أمام إسماعيل باشا حاكم مصر متعبًا، فقد عاد لتوه من رحلة طويلة من باريس إلى مصر. سأله: خيرًا يا ولى النعم؟
كان إسماعيل معتل المزاج. قال له: أين كنت يا نوبار؟ لقد كنت فى أشد الحاجة إليك.


-طوع أمرك يا مولاي.
-لقد أرسلت إلى السلطان بعض الطلبات بواسطة حسن راسم باشا، مندوبى فى القسطنطينية (استانبول)، غير أن السلطان غضب وأعاد حسن باشا إلى الصدر الأعظم (رئيس الوزراء) الذى قال له بدوره: إنه يتمنى أن تعاد صياغة هذه الطلبات مرة أخرى.
- وما هذه الطلبات يا سيدى؟
سحب الخطاب من على مكتبه وقدمه لنوبار. قرأه. وجد فيه مطالب غريبة. كان إسماعيل باشا يطلب من السلطان فى خطابه ألا يتم تحديد عدد القوات التى يمكن لمصر أن تحتفظ بها، وأن يكون لها أسطول حربي، ويكون لحاكمها حق الإدارة الكاملة، و... و، وكان من بين المطالب أن يحمل والى مصر لقب «العزيز».
صمت نوبار لحظة ثم قال: سيدى إن ما تطلبونه لا يؤخذ بالسؤال، وإنما يعطى بحد السيف. إن ما تطلبونه هو الاستقلال.
نظر إسماعيل باشا إلى نوبار بدهشة، وبعد أخذ ورد سأله: ماذا يجب أن نفعل؟
-أن تسمحوا لى بالذهاب إلى القسطنطينية.


وطلب إسماعيل باشا سكرتيره، وحين جاء أمره بأن يكتب تليغرافًا حالا إلى القسطنطينية يخبرهم فيه بقدوم نوبار فى مهمة خاصة. وصل نوبار إلى استانبول على عجل. ومن حسن الحظ أنه سجل تفاصيل مهمته كاملة فى مذكراته. كان نوبار يعلم أن لسفراء الدول الأوروبية نفوذًا كبيرًا، وكلمة واحدة من أى منهم يمكن أن توقف الفرمان؛ لذا بدأ بزيارة سفراء فرنسا وإنجلترا وروسيا، وغيرهم، ثم قابل الصدر الأعظم، ووزير الخارجية التركي، وغيرهما، وبعد مفاوضات طويلة قال له وزير الخارجية عند مناقشة موضوع اللقب: إنك تنسى أن السلطان اسمه عبد العزيز، وأنه إذا تم منح الوالى لقب «عزيز» فسوف يكون الأمر وكأن السلطان قد أصبح خادمه المتواضع، وهذا أمر لا يمكن حدوثه أبدًا.
لم يكن هذا الأمر فى حسابات أحد، لكن ها هو صار حقيقة، وبدأ البحث عن لقب آخر، وفى النهاية عرض الصدر الأعظم على نوبار عدة ألقاب ليختار منها. وهذه الألقاب هي: عساف (لقب حاكم جزر السالمون). ثم خديو (أحد ألقاب شاه إيران) ثم ألقاب ملك وأمير وغيرها. وعلى الفور وافق نوبار على لقب «خديو» قائلا لنفسه: لقب يحمله شاه إيران لا يمكن أن يحسبه إسماعيل غير جدير به.


هكذا صار إسماعيل باشا يحمل لقب «خديو» بدلا من لقب الوالي. وكان هذا بتاريخ 8 يونيو 1867.
يقول إلياس الأيوبى فى كتابه عن الخديو إسماعيل إن معنى كلمة خديو هو «الإله» أو «الرب». كما يقول إن إسماعيل كان «ينفق المال عن سعة، ويكثر من الجود والهدايا النفيسة السنية إلى السلطان ووزرائه والمقربين لديه» من أجل تحقيق هدفه.
 السلطان
ظل حاكم مصر يحمل لقب الخديوى من سنة 1867 حتى 1914. وحمل لقب الخديو ثلاثة حكام، هم: إسماعيل، وتوفيق، وعباس حلمى الثاني.
وها هى حكاية اللقب الجديد من أولها. فى بداية صيف 1914 قرر الخديوى عباس حلمى الثانى الذهاب إلى تركيا لقضاء الصيف. بعد وصوله قرر أن يذهب لزيارة الصدر الأعظم. على باب القصر انطلقت عدة رصاصات من شاب مصرى لتصيب الخديوى فى وجهه، وتؤثر تأثيرًا كبيرًا على لسانه. وقد قتل المعتدى فورًا، ولم تتوصل سلطات التحقيق لمن يقف وراءه ولا سبب الفعل.
حين تحسنت صحة الخديوى أراد العودة للبلاد، لكن سفير بريطانيا قال له إن حر القاهرة لا يناسب صحته، وطلب منه أن يبقى فى استانبول. وأثناء وجود الخديوى فى استانبول نشبت الحرب العالمية الأولي. وانضمت تركيا للفريق المعادى لبريطانيا، وحينئذ تغير كل شيء.
ها نحن فى ديسمبر 1914، فى وزارة الخارجية الإنجليزية بلندن. وها هو وزير الخارجية يخاطب سكرتيره:
-أكتب هذا الخطاب الذى سأمليه عليك فورًا يا حضرة السكرتير.
-تفضل يا سيدى
-فى منتصف السطر: إعلان بوضع بلاد مصر تحت رعاية بريطانيا العظمي.
-عفوًا سيدى الوزير. هذا غير قانوني. مصر من الناحية القانونية غير خاضعة لبريطانيا.
-عن أى قانون تتحدث؟ حين يتعلق الأمر بالحرب فلا تحدثنى عن القانون. ثم ماذا سيفعل المصريون؟ إن القوة المسلحة الوحيدة هناك فى أيدينا، ولو اقتضى الأمر فسنفرض عليهم الطاعة بقوة السلاح. أكتب ما أمليه عليك ولا تناقش مرة أخرى.
-أمرك.. تفضل. أكمل
-«يعلن ناظر الخارجية لدى جلالة ملك بريطانيا العظمى أنه بالنظر إلى حالة الحرب التى سببها عمل تركيا، فقد وُضعت بلاد مصر تحت حماية جلالته، وأصبحت من الآن فصاعدًا من البلاد المشمولة بالحماية البريطانية، وبذلك قد زالت سيادة تركيا على مصر، وستتخذ حكومة جلالته كل التدابير اللازمة للدفاع عن مصر وحماية أهلها ومصالحها».
فى التوقيت نفسه كان سير ميلن شيتهام، القائم بأعمال المندوب السامى البريطاني، يقابل الأمير حسين كامل، عم الخديوى. قال له: سمو الأمير، إن حكومة صاحب الجلالة ملك بريطانيا تعرض عليك عرش مصر بدلا من الخديوى عباس حلمي، لأنها تعرف أن الخديوى ينحاز إلى جانب تركيا، وقد قررت عزله.
-لكن....
-دون لكن.. هذا العرض يحوى أيضًا أن يكون لقبك هو «السلطان»، مثل سلطان تركيا نفسه.
-وإذا رفضت؟
-فى هذه الحالة سنأتى بأمير من الهند ليتولى حكم مصر، ولذا فأنا أنصحك بقبول العرض، لحماية عرش أجدادك.
وأمام التهديد بتعيين حاكم من خارج مصر وافق حسين كامل على العرض البريطاني. وفى 19 ديسمبر تم إعلان عزل عباس حلمى وتعيين حسين كامل سلطانًا على مصر.
من سلطان إلى ملك
لم يطل العمر بالسلطان حسين كامل، فقد توفى فى 9 أكتوبر 1917. وارتقى العرش بعده أخوه الأمير أحمد فؤاد، وهو أصغر أبناء الخديوى إسماعيل، وعم الخديوى عباس حلمي. وفى عهد فؤاد نشبت ثورة 19، وحوادث الثورة أشهر من أن نقوم بإعادة عرضها. المهم أنه فى 28 فبراير 1922 أصدرت بريطانيا تصريحها المشهور بالاستقلال، وفى مارس تغير لقب أحمد فؤاد من سلطان إلى «ملك»
رئيس الجمهورية
حمل لقب الملك اثنان، هما أحمد فؤاد وولده فاروق. ثم قامت ثورة يوليو 1952.
بعد الثورة ظهر تيار فكرى يرى أن مصر بعد طرد الملك يجب أن تتحول من دولة ملكية إلى جمهورية. يقول محمد نجيب فى كتابه «كنت رئيسًا لمصر» إنه أثناء مناقشات لجنة إعداد الدستور كان هناك تياران: الأول يرى الأخذ بالنظام الجمهورى، والثانى يرى الاحتفاظ بالنظام الملكي. ويذكر أنه: «فى 24 مارس 1953، كان على لجنة «الخطوط الرئيسية» المنبثقة عن لجنة الخمسين، أن تناقش هذه النقطة بالذات. النقطة الخاصة بنظام الحكم.. هل يكون ملكيًا أم جمهوريًا؟ هل تكون جمهورية برلمانية؟ أم رئاسية؟..... وانتهت اللجنة إلى أن يكون نظام الحكم جمهوريًا، وأن تكون الجمهورية برلمانية. ونقلت اللجنة الفرعية قرارها إلى «على ماهر» المسئول عن اللجنة الأم، فأمر بإبلاغ الخبر إلى الصحف فورًا»
وفى الخامس من مايو 1953 وافق أعضاء لجنة الدستور الخمسون على اتخاذ النظام الجمهورى أساسًا لوضع مشروع الدستور الجديد. وفى 18 يونيو قامت مصر بإلغاء الملكية، وأصبحت جمهورية. ثم صار نجيب بعد ذلك أول رئيس للجمهورية.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة