الملكة كليوباترا
الملكة كليوباترا


اصطياد لصوص الحضارات.. «المتحدة» تتصدى لتزييف التاريخ الفرعوني

ياسمين سامي

الإثنين، 01 مايو 2023 - 08:33 م

«ملعونون هم الذين يقلقون راحة الملك»، عبارات تهديد ووعيد حملتها نصوص الأهرامات والمقابر المصرية القديمة لحمايتها من اللصوص والمعتدين، وجاءت التحذيرات لكل من يحاول التعدى على كنوزنا القديمة، حتى بدت كأنها لعنة تصيب كل من تسول له نفسه سرقة هذا الإرث.

ويبدو أن هذه العبارات يمكن أن تنطبق على بعض الحركات الفكرية التى تحاول نسب الحضارة المصرية وبعض الحضارات القديمة إليها وظهر هذا جليًا مع حركة «الأفرو سنتريزم».

وفى محاولات التصدى لهؤلاء اللصوص أعلنت شركة المتحدة أنها سترد على هذه الحملات الممنهجة بإنتاج فيلم وثائقى ضخم للتوثيق العلمى للتاريخ المصرى الفرعوني.. وأعلنت قناة «الوثائقية» بقطاع الإنتاج الوثائقى فى شركة المتحدة للخدمات الإعلامية، بدء أعمال التحضير لإنتاج فيلم وثائقى عن الملكة كليوباترا السابعة ، ابنة بطليموس الثانى عشر، وهى المعروفة باسم «كليوباترا»، آخر ملوك الأسرة البطلمية، تلك الأسرة التى حكمت مصر فى أعقاب وفاة الإسكندر الأكبر.

اقرأ ايضاً | 19 لجنة تبحث 113 قضية.. وضياء رشوان: لا خطوط حمراء في المناقشات

وذكرت القناة أنه انطلاقًا من المعهود دومًا فى جميع أعمال قطاع الإنتاج الوثائقى وقناة الوثائقية، فإن هناك جلسات عمل منعقدة حاليًا مع عدد المتخصصين فى التاريخ، والآثار، والأنثروبولوجى؛ من أجل إخضاع البحوث المتعلقة بموضوع الفيلم وصورته لأقصى درجات البحث والتدقيق .

وظهر التعدى الفكرى جليًا حينما أعلنت منصة «نتفليكس» الأمريكية عن إنتاج مسلسل وصفته ب «الوثائقى الدرامى» بعنوان «الملكة كليوباترا» لكن حمل الإعلان الدعائى صورة بطلة المسلسل « أديل جيمس» ذات البشرة السمراء والملامح الأفريقية مما أثار الغضب لترد بهجومها على المنتقدين من خلال تغريدة صادمة عبر حسابها الرسمى على منصة التغريدات المصغرة «تويتر» وقالت: «لعلمكم، لن أتسامح مع هذا السلوك على حسابى الخاص، سيتم حظركم دون تردد» وأضافت جيمس: «إذا لم يعجبك اختيار الممثلين، فلا تشاهد المسلسل، أو شاهده وتعرف على رأى الخبراء الذى يختلف عن رأيك. على أى حال، أنا سعيدة وسأظل كذلك».

وتتنافى صورة بطلة العمل مع الحقيقة حيث كانت الملكة كليوباترا من أصول يونانية ذات بشرة بيضاء ولم تكن ذات أنف أفطس، وهذا ما يؤكده د. زاهى حواس، عالم الآثار والمصريات، بأن كليوباترا كانت كغيرها من الأميرات والملكات المقدونيات والدليل على ذلك التماثيل الخاصة بها وكذلك العملة ولا يوجد  دليل على أنها كانت ذات بشرة سمراء.

وأوضح حواس أن الحضارة المصرية القديمة لم تكن حضارة سوداء وهذا مدون على جدران المعابد والمقابر فالفرعون له جداريات أثناء ضربه للأعداء وأمامه أشخاص من جنوب مصر وليبيا وآسيا وكل منهم ملامحه واضحة، حتى على الرغم من أن مملكة كوش حكمت مصر فى الأسرة ال 25 إلا أن هذا كان فى العصر المتأخر وليس لهم أى صلة بالحضارة الفرعونية.

 طرح هذا المسلسل بإنتاج منصة أمريكية لدعم أفكار «الأفرو سنتريزم» فتح الباب أمام تساؤلات عديدة عن ماهية هذه الحركة الفكرية وأهدافها وبداية ظهورها وأشهر المؤمنين بها وكل ما يتعلق بمعتقدات هذه الحركة.

الأفرو أمريكان

«الأفرو سنتريزم» الذى يروج له العمل الفنى هو أيديولوجية ومنظمة عالمية تتمركز خاصة فى الولايات المتحدة الأمريكية عند الأفرو-أمريكان، وأصبح لها انتشار واسع الآن بين الجاليات الأفريقية جنوب الصحراء فى أوروبا وحتى بين الأفارقة جنوب الصحراء وعند الأقليات فى شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وهى حركة عالمية عنصرية تتمحور حول التعصب العرقى للجنس الزنجى وخاصة للونه الأسود، ومن أهم أهدافها: القضاء على الجنس الأبيض فى أفريقيا الشمالية والجنوبية خصوصًا «الأمازيغ والناطقين بالعربية والأفريكناس أى الأوروبيون فى أفريقيا الجنوبية» والترويج لكون الحضارة المصرية القديمة والحضارة المغربية والقرطاجية حضارات زنجية.

ويزعم الأفرو سنتريك أن المصرى الحالى ليس له علاقة بالمصرى القديم، وأن المصرى القديم مات أو هجر الجنوب وإن كل من هم فى شمال مصر هم جنسيات كثيرة بعيدون عن العرق المصرى، حتى إنهم زعموا أن إحدى ملكات مصر «تيى» زوجة أمنحتب الثالث فى الأسرة ال١٨ أنها مصرية قديمة ذات ملامح أفريقية ولون أسود مؤكدين أن المصرى القديم كان أسود أفريقيا.

يؤكد كل هذا د.عبد الرحيم ريحان، عضو المجلس الأعلى للثقافة بلجنة التاريخ والآثار ورئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، ويضيف: أنه ضمن مزاعمهم الكاذبة أن علماء المصريات الحاليين يقومون بتلوين المقابر باللون الأبيض لتزوير التاريخ، وأن كسر أنوف التماثيل لإخفاء ملامح الأنف الأفريقى، وهذا مغاير تماما للحقيقة لأن المصريين القدماء كان لديهم عادة كسر أنوف التماثيل لاعتقادهم بأن التماثيل تتنفس وحتى تُحجب عنها الحياة يكسر الأنف فى حالة كان التمثال لصاحب شخصية مكروهة أو بسبب بعض الحركات الدينية فى مصر القديمة.

أسباب الكسور

.د ريحان يرى أن الأسباب الدينية قد اتضحت فى تماثيل أخناتون «أمنحتب الرابع» حتى السنة الخامسة من حكمه، قبل أن يقرر التخلى عن آلهة أجداده والإيمان بإله واحد، وكان ذلك صعبًا على أتباع الإله آمون، إذ دمر إخناتون معابد آمون وقطع الموارد عن الكهنة ولم تكن الجهود التى بذلها لتعزيز التوحيد مقبولة على نطاق واسع، ولذلك بعد وفاته تم تدمير تماثيله واستُبعد اسمه من قوائم الملوك.

كما يوجد بعض الأسباب الشخصية  مثل كره صاحب التمثال أو المنحوتة، فكان قدماء المصريين يؤمنون بمعتقدات كثيرة، فربما تعرضت تلك القطع للتدمير حتى لا يستطيع صاحب التمثال أن يرتقى إلى العالم الآخر الذى آمنوا به ووفقًا للمعتقد المصرى القديم فلن يستطيع الجزء التالف من التمثال القيام بعمله.

وهذا ينعكس على الشخص، ولذلك يقوم المخرّب بكسر الأنف، حيث تتوقف روح التمثال عن التنفس، إمعانًا فى الانتقام وأن كسر الأنف يمنع صاحب التمثال من العودة إلى الحياة مرة أخرى لأنه بكسر الأنف يصعب عليه التنفس ثانيًا.

وهناك أسباب أخرى ومتعددة لكسر أنوف التماثيل على وجه الخصوص حيث تلاحظ أثناء عرض متحف «كومر» الأمريكى فبراير 2020 فى فلوريدا لأكثر من ١٢٠٠ قطعة أثرية تخص مصر القديمة تحت عنوان «القوة الضاربة: أيقونات فى مصر القديمة»، وهو عرض متحفى نظمه متحف بروكلين بالتعاون مع مؤسسة «بوليتزر» للفنون لرواد المعرض أن السمة الغالبة على القطع المصرية الأنوف المكسورة، الأمر الذى جعل الكثير من خبراء الآثار العالميين يتساءلون عن السر.

ومثال ذلك حتشبسوت، التى حكمت من ١٤٧٨ إلى ١٤٥٨ قبل الميلاد، وإخناتون، الذى حكم من ١٣٥٣ إلى ١٣٣٦ قبل الميلاد، وبخصوص حتشبسوت فقد صعدت إلى العرش بعد وفاة تحتمس الثانى وحكمت بالاشتراك مع تحتمس الثالث، ابن تحتمس الثانى من امرأة مختلفة وبعد وفاة الملكة بذل تحتمس الثالث وابنه أمنحتب الثانى جهودًا كبيرة لإزالة اسم حتشبسوت من السجلات الرسمية وهدم تماثيلها والدليل أن أغلبها محطم أو مشوّه.

وردًا على المزاعم

ذكر آدم ليفين، مدير متحف كومر، أن هناك ملوكًا مصريين قدماء كانوا يفضلون محو آثار من سبقهم من ملوك، وقد يكون ذلك سعيًا لتدمير شخصيات غير محبوبة، وأن تدمير الأنف أسهم فى إعادة كتابة الملوك التاريخ لصالحهم، فعلى مر القرون، غالبًا ما حدث هذا المحو وفقًا لنوع الجنس مثلًا، فقد تم محو إرث اثنتين من الملكات المصريات القويات، وهما: حتشبسوت، ونفرتيتى التى ساعدت زوجها إخناتون فى ثورته الدينية.

وأوضح «إدوارد بليبيرج» أمين متحف بروكلين أن هذا الشكل من التشويه قد يكون من أعمال اللصوص الخطرين الذين يحاولون منع الأرواح الشريرة «لعنة الفراعنة» من السعى ورائهم للانتقام.

ونشر باحثون من معهد ماكس بلانك الألمانى دراسة عام 2022 حول القدماء المصريين وأكدوا عبر فحص الحمض النووى ل 90 مومياء تنتمى لعصر الدولة الحديثة، أن العوامل الوراثية المصرية لم تخضع  لأى تحولات كبيرة خلال الفترة الزمنية التى فحصتها الدراسة والتى تبلغ 1300 عام، أى أن سكان مصر الحاليين لم يتأثروا بالغزو الأجنبى وحافظوا على نقاء العرق وذلك بعد مقارنة جينات المومياوات بجينات 100 مصرى  و125 إثيوبيًا، وأوضحت دراسة معهد ماكس بلانك أن جينات المصريين حاليا بها مكون للعرض الأسود بنسبة أكبر من الجينات الفرعونية.

دور الإعلام

أكدت د. سارة فوزى، مدرسة بقسم الإذاعة والتليفزيون كلية الإعلام جامعة القاهرة، أنه لابد من قيام المنصات الفنية والإعلامية بإنتاج أفلام تسجيلية ووثائقية قوية ومترجمة بكل اللغات لعرضها  بالإضافة إلى التعاون مع منصات عالمية شهيرة للتصدى حتى لو بشكل مجانى مؤقتا حتى يتعرف العالم على التاريخ الصحيح.

وأضافت فوزى: أن السفارات المصرية يمكنها أيضًا القيام بدور مهم فى الخارج من خلال تنظيم ندوات ومؤتمرات وفعاليات لتحاضر فيها عن التاريخ الفرعونى بالإضافة إلى دعوة منتجى المحتوى العالميين والمرشدين السياحيين وبعض الشخصيات البارزة للقدوم إلى مصر والتصوير فى المناطق الأثرية لنشر صورة صحيحة فى العالم بجانب الجهود الخاصة للجاليات المصرية بالخارج.

وأشارت إلى أن أهم الجهود تعود بالطبع إلى إنتاج أفلام وثائقية عن التاريخ والحضارة الفرعونية وتوطيد العلاقات بالإعلام والمنصات العالمية لتوصيل الصورة المطلوبة والسليمة عن المصريين القدماء للتصدى لمحاولات تزييف التاريخ .

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة