حازم نصر
حازم نصر


يوميات الأخبار

عودة الروح لأصحاب الأكباد العليلة

حازم نصر

الثلاثاء، 23 مايو 2023 - 06:47 م

سيذكر التاريخ للرئيس السيسى بأنه أول من واجه أخطر مشكلة صحية ظلت تهدد أكباد المصريين مواجهة حاسمة.. ثم توجها بقرار تحمل تكاليف عمليات زراعة الكبد.

26 مايو 2004 يوم لا ينسى فى تاريخ جامعة المنصورة، حيث انطلق برنامج زراعة الكبد بين الأحياء بإجراء أول عملية للمريض فتحى الغريب ابن قرية تلبانة، ومازال يتمتع بصحة جيدة بعد مرور تسعة عشر عاما..

ثم تتابع النجاح ليتم مؤخرا إجراء الحالة 1000 بنسب نجاح عالمية، ليكون بذلك أهم برنامج بمركز حكومى فى الشرق الأوسط فى زراعة الكبد بين الأحياء..

ومن بين أهم البرامج بالعالم لتصبح بذلك جامعة المنصورة أول جامعة مصرية تمتلك  برامج لزراعة الأعضاء تفخر بها مصر.

فأولها  الذى بدأه عالم مصر الكبير الدكتور محمد غنيم رائد زراعة الكلى بالشرق الأوسط ومؤسس مركز أمراض الكلى والمسالك البولية، وهو المركز الذى أصبح يتصدر مراكز العالم فى هذا المجال، بفضل جهود الدكتور غنيم وأجيال ممن تتلمذوا على يديه، وتخرجوا من مدرسته الرائدة.

نعود لقصة زراعة الكبد والذى وضع لبنتها الراحل الدكتور فاروق عزت العميد الأسبق لطب المنصورة، ونائب رئيس جامعتها، وأحد رواد جراحة الجهاز الهضمى والكبد فى مصر.

الرجل أسس فى سبعينيات القرن الماضى وحدة جراحة الجهاز الهضمي، وشهدت إجراء أكبر عدد لجراحات الكبد ودوالى المرئ الناجمة عن البلهارسيا.. ومع تفشى الفيروسات الكبدية وتليف وأورام  الكبد أصر على تأسيس مركز لجراحة  الجهاز الهضمي.. ونجح فى مهمته.. رغم كل العقبات فى ذلك الحين.. وما حكاه لى الرجل عن رحلة المعاناة منذ تردده على صديقه الراحل الدكتور فؤاد محيى الدين رئيس وزراء مصر لمحاولة تدبير جانب من التمويل اللازم لإنشاء المركز يحتاج لحديث آخر.

لم ينم جفن لفاروق عزت رغم نجاحه فى إنشاء المركز، وهو يرى أعداد مرضى أورام الكبد وتليفه تتزايد، وهناك حالات كثيرة لا تصلح معها الجراحات التقليدية .. ولا علاج لها إلا بزراعة الكبد .. لكن كيف يتأتى له ذلك، ولا يوجد قانون فى مصر يبيح نقل الأعضاء من الموتى للأحياء.. فليس أمامه إلا زراعة الكبد بين الأحياء بنقل فص من متبرع للمريض الذى أوشك على الهلاك.. وهى جراحة معقدة للغاية وتحتاج لتجهيزات وتكلفة عالية.

 لا أنسى حماسه فى هذا اللقاء الذى جمعنى به مع رئيس الجامعة فى ذلك الوقت العالم الكبير الدكتور أحمد أمين حمزة، وعميد الطب الراحل الدكتور على حجازي،  أثناء الإعداد للبرنامج، حيث شجعه كلاهما على المضى قدما فى برنامجه لتصبح سنة حميدة لكل رؤساء الجامعة وعمداء الطب المتتابعين فى دعم زراعة الأعضاء.

اختار عزت 4 من كبار الأساتذة من تلاميذه، لمعاونته فى مهمته، وهم الدكاترة نبيه أنور وأحمد سلطان وعمر فتحى ومحمد عبد الوهاب.. وقرر إيفاد 5 من أكفأ الأطباء الشبان لفرنسا فى مهمة تدريبية.. وهم محمد الشوبرى وطارق صلاح ومحمد السعدنى وعمرو ياسين ووليد الصراف.

 وتابع المرحوم الدكتور يحيى عبيد رئيس الجامعة توفير احتياجات البرنامج، وأجريت أول عملية فى عهد رئاسة الدكتور أحمد جمال الدين للجامعة.. وواصل الدكتور مجدى أبو ريان رئيس الجامعة دعم البرنامج.

إبريل 2008 رحل الدكتور فاروق عزت عن عالمنا عام 2007  بعد رحلة كفاح  استمرت لنصف قرن من الزمان، عمل خلالها فى صمت بعيدا عن الأضواء.. ومازال ما قام به ماثلا للعيان.. حيث امتدت بصماته لخارج منظومة الطب.. لتشمل الكثير من جنبات الجامعة.. وبعد أن تم إجراء 33 عملية زراعة كبد توقف المشروع لمدة ستة أشهر بوفاته.

 استدعى الدكتور أحمد بيومى شهاب الدين الذى تم تعيينه رئيسا للجامعة، والدكتور عمرو سرحان عميد كلية الطب آنذاك، الدكتور محمد عبد الوهاب، وقررا تكليفه بالإشراف على مشروع  زراعة الكبد، وإعادة الروح إليه مرة ثانية. فواصل العمل ليل نهار حتى أصبح واحدا من أنجح برامج زراعة الأعضاء فى العالم، بعد أن ضم له نخبة من أساتذة المركز المتميزين بجانب من سبقهم من زملائهم، حيث تضاعف عدد عمليات الزراعة، وأصبحت تتم فى يومين أسبوعيا بدلا من يوم واحد.

وتابع رؤساء الجامعة الدكاترة السيد عبد الخالق ومحمد قناوى وأشرف عبد الباسط وشريف خاطر دعم البرنامج.

الدكتور عبدالوهاب كيف تم التغلب على الكثير من العقبات التى كانت كفيلة بوأد البرنامج على مدار الـ 15عاما الماضية، خاصة فترة الانفلات الأمنى التى أعقبت أحداث 25 يناير، وصعوبة الحصول على الأكسجين نتيجة قطع الطرق.. وكذا فترة كورونا، حيث تمت مواصلة البرنامج وفق شروط صارمة.

تجربة مصرية فريدة

الدكتور محمد عبد الوهاب يؤكد على أن التاريخ سوف يذكر للرئيس عبد الفتاح السيسي، أنه أول من واجه أخطر مشكلة صحية فى مصر مواجهة جذرية وحاسمة بعيدا عن المسكنات، وهى مشكلة فيروس»س» بعد أن نهشت أكباد ملايين المصريين من خلال مبادرة 100مليون صحة..

ونجحت  مصر نجاحا باهرا فى مواجهة المشكلة، وما تحقق فى هذا المجال إنجاز غير مسبوق على المستوى الصحي، فالرئيس لم يكتف بإطلاق مبادرته، بل وفر لها كل عوامل النجاح وتابعها متابعة دقيقة، وتم علاج كل المصابين حتى الذين لم يكونوا على علم بإصابتهم.

وبعدها أعطى الرئيس توجيهاته بتوفير تمويل يقدر بنصف مليار جنيه لاستكمال وتجهيز مركز زراعة الكبد الجارى إنشاؤه حاليا، كأول مركز من نوعه بالشرق الأوسط، والثالث على مستوى العالم، ليتسنى مضاعفة أعداد العمليات للقضاء على قوائم  انتظار المرضى المصريين والعرب.. كما أصدر الرئيس قراره بإدراج زراعة الكبد ضمن قوائم الانتظار لتجرى العملية بالمركز بالمجان.. ويتحمل صندوق «تحيا مصر» 310 آلاف جنيه لكل مريض، ويتم متابعته مدى الحياة داخل المركز بعد إجراء الجراحة.

ويطالب الدكتور عبد الوهاب مرضى التليف الكبدى بضرورة الفحص والمتابعة كل فترة تتراوح بين 4 إلى 6 شهور، لمعرفة هل هناك إصابة بسرطان الكبد من عدمه، لأن تلك المتابعة تضمن الاكتشاف المبكر للإصابة فى حال حدوثها ـ لا قدر الله ـ لتكون هناك فرصة لعلاج المريض.

كما يؤكد على أهمية ممارسة الرياضة بشكل دورى ويومى وتقليل الوزن الزائد لمن يعانون منه وتناول طعام صحى ومتوازن والابتعاد عن القلق والتوتر والإقلاع عن التدخين والمشروبات الكحولية للحفاظ على الكبد.

20 مايو 2023 حرص الدكتور محمد أيمن عاشور وزير التعليم العالى على الحضور لجامعة المنصورة للمشاركة فى الاحتفال بإجراء الحالة 1000 لزراعة الكبد.. الدكتور شريف خاطر رئيس الجامعة والدكتور أشرف شومة عميد كلية الطب والدكتور الشعراوى كمال المدير التنفيذى للمستشفيات والدكتور حلمى عزت مدير مركز الجهاز الهضمي، وقيادات الجامعة والمراكز الطبية، وفريق زراعة الكبد، شاهدوا سيمفونية العطاء التى أعادت الروح للأكباد العليلة من خلال عرض وافٍ للدكتور عبد الوهاب.

 80 مريضا عربيا

من بين الحالات التى تمت زراعة الكبد لها بنجاح داخل المركز 80 مريضا عربيا وإفريقيا  من اليمن وليبيا وسوريا والسودان والأردن وفلسطين والسنغال ومازال هناك مرضى من الدول العربية فى قائمة الانتظار، حيث تتم معاملتهم معاملة المصريين، حرصا من جانب مصر على استمرار دورها مع أشقائها وعلى قوتها الناعمة.

مشاهد إنسانية

 المشاهد الإنسانية ومسارعة الأبناء للتبرع لآبائهم وأمهاتهم والزوجات لأزواجهن تفوق الحصر.. وتؤكد أن جسد المجتمع المصرى مازال بخير.. فليس هناك تضحية أكبر من التبرع طوعا واختيارا  بأغلى ما فى الجسد وهو ما لا تجده إلا فى مصر.. حيث تبرعت 90 زوجة لزوجها و6 أزواج لزوجاتهن، والباقى للأبناء ولأبناء العمومة والأخوال، حيث إن ضوابط الزرع صارمة، ولا تسمح بالتبرع من خارج دائرة الأقارب لإغلاق كل الأبواب أمام أى محاولة لتجارة الأعضاء.

الدور الرائد لأخبار اليوم

وكعادتها ستظل مؤسسة «أخبار اليوم» رائدة فى دعم كل النماذج المضيئة فى ربوع الوطن.. ولعل دعمها لمراكز جامعة المنصورة الطبية وبرامج زراعة الأعضاء بها بدءا بمركز الكلى منذ حرص العملاقان مصطفى وعلى أمين على تقديم هذا الدعم منذ قرابة الخمسين عاما.. وواصلت المؤسسة دعمها لاحقا لباقى المراكز خاصة مركز الجهاز الهضمى ومستشفى الاطفال والمستشفى الجامعى الأم.. وتحتفظ الجامعة فى ذاكرتها بهذا الدور «لأخبار اليوم» وتحرص على تأصيله باعتباره نموذجا للتعاون بين مؤسسات تدرك أهمية هذا التعاون طالما كان فى خدمة أبناء الوطن.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة