السيد النجار
السيد النجار


يوميات الأخبار

السيد النجار يكتب: حديث الذكريات الحزينة

الأخبار

الخميس، 25 مايو 2023 - 07:52 م

هل كانت الصورة مضيئة من جانب الرافضين.. لو كان الأمر هكذا ما كنا حتى اليوم نعيش مأساة شعب تشرد وضاع وطنه.. ومنطقة طحنتها الحروب

«العروس جميلة جدا.. ومستوفية لجميع الشروط.. ولكنها متزوجة».. كان هذا نص البرقية التى بعث بها اثنان من الحاخامات، أرسلها هيرتزل «الأب الروحى لإسرائيل» إلى فلسطين لاستكشاف الوضع على الطبيعة. عقب المؤتمر الأول للحركة الصهيونية عام ١٨٩٧.. المؤتمر تبنى إنشاء كيان لليهود فى فلسطين.. كانت تحركات هيرتزل كلها فى الخفاء، وتقاريرها سرية، وبرقياتها بالشفرة.. ويتحدث مع كل من يلتقى بهم فى أوروبا لتنفيذ الفكرة كل بلغته حتى لو تضادت، كل حسب مصالح بلده أو هواه الشخصى وقناعاته.. برقية الحاخامات كانت تعنى أن فلسطين مناسبة للغاية ولكنها أرض يسكنها أصحابها الفلسطينيون.. مزق هيرتزل البرقية غضبا من مضمونها، الذى ينسف فكرته، وكان شعارها.. فلسطين أرض بلا شعب.. واليهود شعب بلا أرض!

التقى هيرتزل مع السلطان عبدالحميد، عرض عليه تسديد ديون إمبراطوريته «٤ ملايين جنيه استرلينى». ومبلغ سنوى، مقابل التنازل عن فلسطين لليهود، والتى كانت حينها ولاية عثمانية.. رفض السلطان الاقتراح وقال غاضبا: من يفرط فى فلسطين والقدس والأقصى ولو بكنوز الدنيا.. خائن لدينه ووطنه. ويبيع شرفه وعرضه.

وفى حركة مراوغة ماكرة.. رأى هيرتزل الالتفاف على فلسطين باستئجار سيناء بعقد امتياز ٩٩ عاما، شريطة أن يتم التجديد، كانت نيته من سيناء الانطلاق إلى فلسطين حينما تحين الفرصة. أرسل لجنة كبيرة من كل التخصصات، أقسمت على السرية.. جابت اللجنة سيناء طولا وعرضا، شرقا وغربا، على مدار ثلاثة أشهر وضعت دراسة شاملة وكأنها خريطة مجسمة لإقامة دولة.. أين ستكون مبانى المدن.. أين الموانئ.. أين المزارع.. أين المصانع.. تحمس هيرتزل وجاء إلى مصر.. تمكن من الحصول على موافقة بطرس غالى «الجد» رئيس وزراء مصر، ولكن من المفارقات الطيبة أن رفض وكيل وزارة الري، بريطاني الجنسية، وبالطبع كانت كلمته هى الأعلى تلغى أى قرار لأى مسئول مصرى. قال: لا يوجد لدينا فائض من مياه النيل التى يحتاجها اليهود فى سيناء. كل قطرة مياه نحتاجها نحن فى زراعة القطن. لم يكن المسئول المصري أقل حبا لوطنه من المسئول الإنجليزي. ولكن الأول كان أكثر تفريطا فى أرضه طمعا فى مصالح شخصية للبقاء فى الحكم، والثانى كان أكثر حرصا على مصانع النسيج فى بلاده ومصالح وطنه.

كل ما سبق من الذى قاله وسجله بنفسه؟.. لا تتعجب.. إنه هيرتزل.. كل هذا وأكثر يتحدث عنه هيرتزل تفصيلا فى مذكراته. لمن يريد أن يعرف كيف نسجت خيوط المؤامرة.

عام ١٩١٩.. وقبل مؤتمر «السلام!!».. لتوزيع تركة الإمبراطورية العثمانية فى المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى.. بعث الرئيس الأمريكى لجنة لدراسة الوضع فى فلسطين.. وضعت اللجنة تقريرا مفاده.. إذا أردنا تطبيق مبدأ العدالة الأمريكية. فإن أمانى الشعب الفلسطينى هى التى يجب أن تقرر مستقبل فلسطين. وكان مصير التقرير صندوق قمامة مكتب رئيس أمريكا.. فالنية مبيتة، وما يحاك لفلسطين فى الخفاء، لا علاقة له بضمير أو عدل وأخلاق أو قوانين ومواثيق.

هل كانت الصورة مضيئة هكذا من جانب بعض الرافضين لفكرة توطين اليهود فى فلسطين.. لو كان الأمر هكذا، ما كنا حتى اليوم نعيش مأساة شعب تشرد وضاع وطنه، ومنطقة طحنتها حروب أودت بحياة آلاف الشهداء من أبنائها.. وأدت إلى فقر ومرض وتخلف للشعوب العربية.. كان أمام كل شخص أخلص للضمير والحق.. عشرات ومئات الأشخاص.. لا يرون إلا ما يجب أن يكون. فلسطين تمحى من خريطة الجغرافيا والتاريخ، لتحل مكانها إسرائيل.. أيا كانت الأسباب. مصالح بلاد أو أشخاص. أو تطرف لدين وطائفة. كان أمام كل واحد قال: لا.. للفكرة.. ألف واحد قال: نعم.. وعمل وتآمر وأنفق الأموال.. حصرهم يجب ألا يمحى من القائمة السوداء للتاريخ، منهم: رئيس وزراء بريطانيا.. قال عام ١٩٠٧علينا وضع جسم غريب على مقربة من قناة السويس، يكون عدوا للمنطقة وحليفا لنا.. وزير المستعمرات البريطانية قال عام ١٩١٥، لابد من زرع أربعة ملايين يهودى أوروبى بين المحمديين «يقصد الفلسطينيين المسلمين».. ولذا يجب وضعها تحت الانتداب البريطانى تمهيدا لإنشاء هذا الكيان.. وبالطبع مئات الآلاف من اليهود الذين هاجروا إلى فلسطين خلال هذه السنوات كان يحمل «جواز سفر فلسطيني− تحت الانتداب».. ومن مفارقات الجهل والغدر.. أن نسمع الآن أبواقا. تقول لم يكن هناك فلسطين.. ولا القدس.. ولا الأقصى، يا الله.. هذه الوجوه المقيتة تزايد على الصهاينة والعالم كله على مدار التاريخ وحتى اليوم.. وتطوع روتشيلد أول ملياردير فى التاريخ لبناء كل المستعمرات التى يقيم فيها اليهود المهاجرون. وروتشيلد اليهودى الصهيونى هذا هو الذى اشترى أسهم مصر فى قناة السويس من الخديوى إسماعيل.

ليست هذه محاضرة فى التاريخ.. ولكنه حديث الذكريات الحزينة التى تفرض نفسها مع ذكرى مرور ٧٥ عاما على نكبة حرب فلسطين عام ٤٨ وإنشاء إسرائيل. والتى مرت الأسبوع الماضى.. وكأن التاريخ لم يكن مع مضى السنين أو اختفاء شخوصه وأحداثه. كانت حرب ٤٨ نكبة كبرى، ولكن سبقتها نكبات على مدار ٥٠ عاما السابقة لها، نكبات سياسية واتفاقيات. دول عربية لا تمتلك إرادتها حينها.. وتهاون أو تفريط وأحيانا مصالح ضيقة.. كما لحقتها نكبات.. عدوان ٥٦، وهزيمة ٦٧ وصولا لاتفاق أوسلو عام ١٩٩٣، ثلاثون عاما من الحروب والمفاوضات.. وصفها دبلوماسى أوروبى ساخرا: العرب اخترعوا دبلوماسية جديدة، يتفقون ثم يتفاوضون؟!

هذا حديث ذكريات.. حتى لا يغيب عن العقل والوجدان العربى كل جرائم إسرائيل وكل جرائم أمريكا والغرب ضدنا.. مرت الذكرى فى صمت، بينما احتفل الصهاينة بها صخبا وضجيجا فى إعلامهم ومسيراتهم.. وقتلا وتدميرا لسكان غزة.
هل انتهى حديث النكبات.. أم تلوح فى أفق المستقبل نكبات أكثر وأكبر..؟!

◄ العفيفي فى عين الشمس
يتميز الكاتب الصحفى الدكتور مجدى العفيفى فى مقالاته وكتبه بمفردات كلمات خاصة به.. يتمتع بأسلوب ممتع موحى.. وفى القضايا الشائكة يميل إلى التلميح الأقوى من التصريح، ولكنه فى كتابه الجديد يلقى بالحقائق بكل قوة وجرأة.. ووضوح وصراحة.. وكأنه يحدث نفسه.. لم يعد الأمر يحتمل الصمت.. الكتاب السادس عشر للدكتور مجدى العفيفى عنوانه «فى عين الشمس− صفحات فى السياسة والثقافة».. الكتاب عبر بتلقائية سلسة عن شمول المؤلف وتنوع اهتماماته وتجاربه وقراءاته.. وفى خضم القضايا الساخنة، لا تفلت منك خفة ظل للكاتب بين لغة راقية مبدعة.. ومواقف مؤلمة وطرائف باسمة.

لماذا فى عين الشمس.. هل لأن الدكتور مجدى العفيفى لم يجد ضوءًا أقوى منه نورا للناس.. فلا أقوى من أشعة الشمس فى الآفاق والعقول والنفوس.. أم هل هناك رمز ما فى عقل الكاتب.. ولن يصعب على القارئ إدراكه؟.. مع دعوته للتفكير فيما لا نفكر فيه.. فى حياتنا السياسية والثقافية فى المنطقة والعالم.. ولكن ما يتناوله الكاتب يتعدى بكثير عنوان الكتاب.. المحدود والمحدد.

الكتاب أصدرته دار المعارف فى ٣٢٠ صفحة.. يتناول ٥٠ قضية وفكرة.. فى نزهة من المتعة الذهنية والفكرية.. الكتاب ومضات بقدر قوة أشعة الشمس، تكشف المجهول.. وتعرى المستور.. ليحيا فى النفوس ويحفز العقول لفعل شيء فى كل القضايا التى يثيرها.. كتاب جدير بالاهتمام ويجب قراءته.

◄ كيف تنسى..؟
أهل نيويورك أخترعوا طريقة جديدة لما يريدون نسيانه.. يضعون فى نهاية كل سنة مفرمة كبيرة فى ساحة «تايمز سكوير» يلقون فيها فى بهجة كل ما لا يريدون أن يكون له مكان فى حياتهم بعد الآن.. ولكن هل ينسون.. لا أعتقد.. الأديبة الجزائرية أحلام مستغانمى تقول فى روايتها ذاكرة النسيان.. نحن لا ننسى شيئا مما نود نسيانه.. نحن ننسى كل ما عداه.. هى صح.. كلما سمعت أو قرأت جديدا عن الذكاء الاصطناعي.. تساءلت.. هل مع تطوره المخيف يمكن أن يجد لنا حلا.. طبعا لا.. لأنه شخص آخر.. «روبوت» مستقل عنك.. لكن ما العلاقة بين الربط بينه وكيف تنسى.. لا أدرى.. قد يكون هاجس بداخلى يسعى لحل! فمن منا لا يريد أن يمحو الذكريات الأليمة.. كل منا عاش أيام سعادة.. محبة.. صفو وهناء.. ولكن نوائب الدهر ديدنه.. فجأة كل لحظة سعيدة أصبحت واقعا جديدا أليما، ويتمنى الإنسان أن ينساها بسعادتها التى أصبحت تؤرقه وتؤلمه.. تعكر صفوه كلما جالت بخاطره.. قد ترد عفو الخاطر.. أو استمع إلى أغنية أو شاهد فيلما أو زار مكانا.. أو تواتر حديث بين الأهل والأصدقاء.. يعنى ذكريات تحاصره رغما عنه.. لا يستطيع أن ينسى أحداثا أو أشخاصا عايشوه هذه اللحظات.. يقفز من أعماق نفسه كلما تصور أنه بدأ يتلاشى أو ينساه مع مرور الزمن.. كيف تنسى؟ سؤال صعب.. ومحير.

◄ همس النفس
- الحب لا يحتفظ بكشف حسابات ولا سجل ملاحظات وأخطاء. الحب لا يعرف ترمومتر الواتس والتليفون و»المسجات».. الحب يسكننا.. وإن تباعدت المسافات.. وعز اللقاء.. وسكتت الكلمات.. الحب يعفو.. ويسامح.. ويلتمس الأعذار.
- يا راوية الحى.. اسقينى.. واروى عنى كم أهوى عيونًا أخشى عليها من عينى.. كم كان لعذاب حب عذوبة.. كان خصامه شوقا.. وغيابه لهفة وعتابه حنينًا.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة