د. محمد أبوالفضل بدران
د. محمد أبوالفضل بدران


يوميات الاخبار

يوميات الجن الاصطناعى!

د.محمد أبوالفضل بدران

الأحد، 28 مايو 2023 - 07:21 م

العقل ما لم يُشغَل بفكر سليم فإنه لن يظل خاويًا بل سيُملأ بالجهل المفضى إلى التشدد والتعصب والإرهاب ويغدو مرادفًا لفكر العنف

هل سيكتبُ الذكاءُ الاصطناعى يوما ما هذه اليوميات؟ نعم؛ وسيحرر صحفا بكاملها وسيؤلف كتُبا نيابةً عنا، إن هذا الجن الاصطناعى سيكتب قصصا وروايات وشعرا ومسرحيات، وليس هذا من الخيال أو التوقُّع فى شيء، لأننا نعرف الآن أن 70% من المقالات المنشورة فى بلومبيرج يحررها الذكاء الاصطناعي، وأن فضيحة كبرى فى إحدى جامعات باريس قبل شهرين دقت جرس الخطر، عندما اكتشف البروفيسور المشرف أن ثلاثة من الطلاب تتشابه أبحاثهم بل تكاد تتطابق ليكتشف أن الثلاثة أنابوا الجن الاصطناعى فى كتابة الأبحاث المطلوبة نيابة عنهم، ولا تزال أصداء من هذه الفضيحة تتردد فى الأوساط الجامعية الفرنسية والأوروبية عامة.. لأن معنى هذا أن رسائل الماجستير والدكتوراه وأبحاث الأستاذية ربما يكتبها لهم هذا الذكاء الاصطناعى الذى سيتفوق على الإنسان يوما ما، لأن ذكاءه مجموعُ ذكاء عقول مُدخلات البشر.. ولكن المشكلة الأكبر أنه يتطور بلا مسئولية ويمتلك من القوة ما لا يقدر أحد على إيقافه يوما ما، ولا توجد قوانين وتشريعات تحد من خطورته أو تحاكم من يرتكب من خلاله جرما؛ وهناك مناقشات جادة حول دوره فى توجيه الناخبين الى انتخاب أعضاء معينين وتكريههم فى مرشحين آخرين مناوئين لهم؛ هل بات الذكاء الاصطناعى خارج السيطرة؟ ليس بعد لكنه فى طريقه لذلك لأن صانعيه لا يعنيهم سوى المال.. والمال بلا أخلاق مع قوة بلا مسئولية سيدمر العالم.
(ملحوظة: ما أكتبه هنا ليس إملاءً من الذكاء الاصطناعى وإنما خطَّهُ العبد الفقير الى الله).


ابن خلدون إمام المالكية فى مصر
فى الندوة التى نظمها مركز أبوظبى للغة العربية وشاركتُ فيها مع الأصدقاء دكتور عبد الله الغذامى والدكتور رضوان السيد والدكتور أحمد برقاوى عن ابن خلدون ورؤاه الأدبية والفلسفية وعُقدتْ فى معرض أبوظبى الدولى للكتاب تحدثتُ عن ولى الدين ابن خلدون الذى أسس علم العمران وأرسى مبادئ نشوء الأمم وازدهارها واضمحلالها فى منهج علمى دقيق، وكأنه يقرأ التاريخ بل إنه أرسى مسارا جديدا فى التاريخ إذ رآه مسار وعى البشرية لذاتها، كان ابن خلدون موسوعيا فى علم الاجتماع والاقتصاد والتخطيط العمرانى والفلسفة فى عقلانية يطبق المنهج العلمى وهو مالكيُّ المذهب بل صار إمام المالكية فى مصر، وأفكرُ كيف حوتْ مصر علماء عصرها فجعلته إماما للمالكية دون النظر الى أنه قادم من بلاد المغرب وكيف جعلت التونسى محمد الخضر حسين شيخا للأزهر، كيف كنا فى الماضى نتنقل فى بلداننا العربية دون جواز سفر وتأشيرات دخول، نقيم هنا تارة ونرحل لبلد آخر فهو وطن يسع الجميع؛ رحلات ابن خلدون استهوته منذ الصغر، أحب الرحلات فى شغف، من المغرب للأندلس الى مصر ثم الحجاز ثم الشام والعودة الى مصر مستقرا بها، كيف أثّرت هذه الرحلات فى كتاباته وتأملاته ورؤاه؟ ربما ألهمته نظريةَ بناء الدول والعمران وهو يتأمل نشوء الأمم وتفككها؟ يكتب سيرته الذاتية ويُسجن فى فاس عامين ولا يؤثر على نظرته الإيجابية للحياة وتفاؤله وجمال أسلوبه وبلاغته.


هل يحل لنا ابن خلدون مشكلة يعانيها العقل العربى إزاء التنوير؟ إذ صوّر الغربيون التنويرَ على أنه ضد الدين وهذا ما لم يقبله العرب ولن يقبلوه لكن ابن خلدون لا يرى هذا التعارض فالتنوير ليس ضد الدين، التنوير فى أبسط تعريفاته: إعمال العقل دون توجيه الغيْر، والعقل السليم لا يرفض الأديان السماوية فلا تعارض بين العقل والنقل، ولو أننا أعدنا قراءة ابن خلدون لو وجدنا فى كتابه الأشهر العِبَر، ديوان المبتدأ والخبر ما يجعلنا نعتبر ونفكر فى أحوالنا حتى نتقدم وحتى يتحول التنوير إلى هدف وسلوك ومنهج حياة.
ألم يعنون كتابه الأهم «العِبَر، ديوان المبتدأ والخبر»؟ هل أقام نظريته من خلال البدء والانتهاء؟
نفرتيتى البيضاء والسوداء
هل تقع أرضنا فى قارة افريقيا أو أننا نقع فى قارة أوربا أو كوكب آخر؟ نعم نحن فى أفريقيا، وجزء يقع فى آسيا، لكن العقلية المصرية فى معظمها لا ترى ذلك وكأنها تودّ لو أننا انفصلنا من افريقيا واتجهنا نحو الشمال فى أحضان أوربا، متمنين سرعة ما يقوله الجيولوجيون الذين يؤكدون تحَرّك اليابسة الافريقية نحو الشمال فى رحلة ستستغرق ملايين السنوات لتلتحم بقارة أوربا ويختفى البحر المتوسط، وهم يستعجلون هذا الالتحام، أقول هذا بمناسبة الصراع المحتدم حول فيلم يرى أن كليوباترا كانت افريقية سمراء أو سوداء، وكأن مخرج الفيلم قد ارتكب خطيئة كبرى فكيف يلوّن وجه كليوباترا باللون الأسود؟! لا وألف لا.. إنها بيضاء كالقشطة!، وفى هذا عنصرية بغيضة يجب أن نتخلص منها، وكم كنتُ أعجب عندما أرى صورة السيدة مريم العذراء وقد حوّلها الرسامون والنحّاتون الغربيون والشرقيون إلى سيدة بيضاء الوجه والجسم فى مخالفة واضحة لأصولها وجغرافية الأمكنة وعلم السلالات،  ما الذى ينقص من الملكة كليوباترا لو كانت سوداء؟ هذا التمييز العنصرى يضر مصر وهذا الحوار العدمى يُنقص من قيمة مصر ومكانتها الإنسانية، فالألوان لا تمنح أفضلية لأحد ولا ميزة للون على لون آخر؛ فلْتكن كليوباترا سوداء فهذا يزيدها جمالا؛ لقد حكمت مصر وفترة حكمها سواء أكانت جيدة أم غير جيدة فالحكم للتاريخ فى ضوء ظروف عصرها وتقلباته وإنجازاتها ونهايتها المأساوية؛ أما لونها فحديث ينمُّ عن عنصرية مذمومة وتمييز بغيض يسيء للقارة ولبشر حباهم الله اللون الأسود والقلوب البيضاء فزادهم هذا وذاك جمالا؛ فهل نحن منتبهون؟
النفى إلى الصعيد
من المؤسف أن نسمع فى إحدى الوزارات أن المغضوب عليهم سيُنفَون إلى الصعيد، وهذا إن صح فيجب محاكمة من أصدر هذه القرارات فإلى متى يظل الصعيد فى نظر بعض الناس منفى؟ لقد صوَّرت بعض المسلسلات التليفزيونية والأفلام الصعيدَ منطقةَ طرد لأهله ومنفى عقاب للقادمين من غير أهله وكأنى أستحضر ما قاله الشاعر حفنى ناصف (ت 1919م) أى قبل قرن من الزمان عندما غضب عليه رؤساؤه بالقاهرة فنقلوه إلى قنا فقال قصيدته المشهورة:
أسْكنْتَنى فى بقعةٍ/ فيها غدوتُ أعزَّ شأنا
وأزور آثارَ الملوكِ وكنتُ قبلُ بها مُعَنَّى
قالوا شخصتَ إلى قنا/ يا مرحبا بقنا وإسنا
قالوا سكنتَ السفحَ؟ قلتُ وحبَّذا بالسفْح سُكنَى
قالوا قِنا حرٌّ فقلت: وهل يردُّ الحر قِنَّا
سرُّ الحياة حرارةٌ/ لولاه ما طيرٌ تغنَّى
تتدفق الأنهارُ من حرٍّ وتزجى الريحُ وهْنا
ومن العجيب أن قرارا صدر من إحدى الوزارات منذ عامين تقريبا بنقل إحدى المدرسات من القليوبية إلى قنا عقابا على خطأ ارتكبته. وكم أعجب من المنقولين إلى قنا وهم يجيئون للصعيد باكين لعدم رغبتهم فى القدوم للصعيد لكن عندما تنتهى فترتهم بالصعيد يودعونه باكين أيضا لما لقيه هؤلاء من محبة واحترام. فمتى تقول مسلسلاتنا الحقيقة؟
الكوب يكتسبُ لونَ المشروب
عندما تصب عصير برتقال فى كوب زجاجى يتحول الكوب إلى اللون الأصفر وعندما تصب عصير رُمان به يتلون باللون الأحمر وهكذا دواليك؛ أقول هذا لأن العقل البشرى ما لم يُملأ بما ينفع فإنه سيمتلئ بما يضر، فالعقل ما لم يُشغَل بفكر سليم فإنه لن يظل خاويا بل سيُملأ بالجهل المفضى إلى التشدد والتعصب والإرهاب ويغدو مرادفا لفكر العنف، ولذا حاول روّاد التنوير وعمالقة الفكر كالمنفلوطى والطهطاوى والعقاد وطه حسين وغيرهم زرع الوعى من خلال التنوير الذى ينبغى أن يتحول إلى هدف استراتيجى فى بلداننا العربية حتى نرى عقلا مفكرا مملوءا بالوعى والتأمل والجمال. فهل نبدأ فى تثقيف شبابنا؟
المطارات مَدْمَعَةُ القلوب
لا أحب المطارات والمحطات فهى مبتدأ الألم وبداية الفراق وقصص الشوق ولوعة الأحبة وتعاريج الطرق وضباب الأيدى التى تلوح للسراب، عندما أتأمل هذه العيون المغرورقة بالدموع والمكلومة بالآهات والمثخنة بجراح الفراق أحس أن الفراق قاتل كالأنين، وأن الدموع مجرى القلب ونهر الحزن يروى عطش الوجد وصبّار القبور.
فى النهايات تتجلى البدايات
صرخة طفلة
شعر: محمود أبو الفضل بدران
صرخَتْ طفلتُنا: ولماذا اقتتلَ الرَّجلانْ؟
ولماذا نهجرُ منزلنا ولماذا يرتحلُ الجيرانْ؟
سألتنى وأنا أقبعُ بين الأمتعةِ
أصارعُ آلافَ الأفكار، وأغرق فى بحر الأحزانْ..
انزعجَ الركاب وقالوا: لولا أسكتَّ الطفلةَ
وكفانا ما نلقى من أهوال الحرب وقصف النيرانْ
قالت امرأةٌ تجلس وسط الحافلةِ:
دعوها تصرخ حتى يصحو فينا الإنسانْ
وتموت الفتنةُ فى بلدي، ويعود الأمنُ إليها والإيمانْ..
نامتْ طفلتُنا حتى اجتزنا بوابات المعبر ومضت حافلة الغُربةِ بأمانْ
صرخَتْ طفلتُنا فى نومتها وهى تسائلني:
أبتاه لماذا اقتتلَ الرجلان؟
ومتى سوف نعود إلى السودانْ؟

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة