مارا أحمد
مارا أحمد


«باقة زهور» قصة قصيرة للكاتبة مارا أحمد

صفوت ناصف

الأربعاء، 31 مايو 2023 - 05:00 م

نظر إلى نفسه في المرآة؛ يتأمل تلك الخصلات البيضاء التي بدأت تتوغل كما المحتل بين شعره الأسود، حدّث نفسه قائلا:

 

لا بد أن أذهب إلى الحلاق ليعالجها بطريقة لا يبدو منها أنها صبغة.

 

وضع عطره الخاص وتأمل نفسه للمرة الأخيرة بالـ «تي شيرت البينك» والبنطال الكحلي، رضي عن مظهره، أمسك بالبليزر ووضعه على كتفه مرتديا له، ألقى السلام على زوجته وخرج مغلقا الباب خلفه، دخل المصعد وهبط به إلى الجراج، استقل سيارته في طريقه إلى عمله، يقوم بتشغيل الراديو على محطة الأف إم. 

 

فكانت (يا حلو صبح) لمحمد قنديل يليها ثلاث سلامات.

 

متسائلا: ما بك يا قنديل؟! ما حكايتك اليوم؟!

 

أنت تعزف بصوت عالٍ على ألمي.

 

وتسحبت صورتها إلى عينيه، فلم يعِ الطريق أو المسافة، حتى إنها توسدت مرآته، فلم يعد يرى من خلفه؛ يا له من حنين!

 

لقد قسوت عليها، هي التي لم تبخل بكلها علي؛ كانت لي أما وحبيبة وعشيقة وصديقتي الوحيدة، إلى ماذا يحتاج الرجل أكثر من ذلك؟!

 

الفرق شاسع بينها وبين تلك المرأة التي تشاركني الغرفة والفراش ومائدة الطعام، بل وتسبق يدها الطريق إلى جيبي، والتي تتسلق رقبتي بحثا عن منفذ للتحليق إلى السماء حيث الأحلام براح بلا ضريبة أو رسم دخول.

 

وأنا كما عفريت المصباح يحكون ويحكون ظهري ورأسي لكي أحقق لهم تلك الأحلام التي لا تتوقف عن التوالد والتكاثر كما الأرانب.

 

لقد كانت وسادتي التي ألقي عليها رأسي بلا خوف من طلب أو لوم أو قصص عن مغامرات تسوقية لا قبل لمثلي بها.

 

لكنهن النساء كما الزمن؛ لا أمان له ولا لثباته ولا ضمان لما يحمله في جعبته.

 

فجأة طالبتني بحقها في أن تكون زوجتي أمام القانون.

 

صرخت: ما بال القانون بالحب؟ ما بال الناس فيما بيننا من حب؟

 

أعشقك أيتها الحمقاء، فلا نساء في مساحة حياتي إلا أنت؛ أروح عنك محملا بك وبصورتك، برائحتك، هل هناك قانون سيضمن لك كل هذا الحب؟

 

كانت كما الببغاء، رددت جملا مكررة كأغاني العرب عن اللوعة والقلق والأرق والخوف من الغد، أي غد حبيبتي؟

 

أنا لا يمثل الغد لي إلا أنه مواقيت انتظار للقائك، أغادر حضنك لأتنفسه ليلا نسمات ترافقني مؤنسة غربتي عنك.

 

ليتمكن منها الحمق وتعلن عن رحيلها، تركني عاريا في شتاء لا يغادر، وألقت على رأسي لعنة الحنين، وقد اتهمتني بالأنانية بلسان مطمئن.

 

تركتها تجتر سعادتنا وتتنفس ذكرياتنا فتعود، انتظرتها غد وبعد غد وبعد غد، فلم ينته الانتظار ولم تعد هي، ولم ينتهي الغد القاحل منها.

 

وصل إلى مكتبه، وضع حقيبته وألقى بنظارته على المكتب، طلب من الساعي قهوته المعتادة إلى أن جاء موعد الاجتماع، ينهمك في جدول طويل ممتد لساعات، يشعر فجأة بالاختناق وألم أعلى كتفه الأيسر.

 

يلحق به أحد الموظفين، يجاوره في الجلوس، وتسرع أخرى بالاتصال بالإسعاف،

 

يفيق ليجد أولاده وزوجته محيطين به وعيونهم جميعا معلقة به وعدة كلمات تتناوب على سمعه: بابا حبيبي، أخي الغالي. 

 

يعتدل في رقدته ليطمئنهم أنه بخير، ينظر بعيدا إلى المدى باحثا عن عين كانت تتأمله في عشق ذات ليالي كما راهبة في حالة صلاة، يسأل ابنه: متى نحن؟ هل جاء الغد؟ وقد اغرورقت عيناه بالدموع وتسارعت نبضات قلبه حنينا، فإذا بباقة زهور تحملها ممرضة بلا كارت، ولكنه فهم من انتقاء الزهور ما حملته من رسالة.

 

كانت تقول له: لتشف سريعا؛ فأنا في انتظارك. احتضن باقة الزهور وطلب دواءه، فلقد حان موعده وحان موعد خروجه من المشفى ليلتقي بها.

 

وقرار اتخذه بينه وبين نفسه: أنه سيهبها ما أرادت، فلا حياة دون الحب، ولا معنى لسنوات عمره دونها.

اقرأ أيضًا| «قُرص الشمس» قصيدة للشاعر الدكتور محمد عبد الله الشال

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة