صورة موضوعية
صورة موضوعية


حكايات| المشمش.. موسم حصاد اللؤلؤ الأصفر

آخر ساعة

الأربعاء، 31 مايو 2023 - 10:24 م

كتب: هانئ مباشر

نعيش هذه الأيام فى موسم اللؤلؤ الأصفر، فاكهة المشمش قصيرة العمر التى لايستغرق موسمها سوى شهرين، حيث بدأ فى منتصف أبريل وسينتهى فى منتصف يونيو المقبل، وقد بدأ بالفعل جنى المشمش فى محافظات القليوبية، والبحيرة، والوادي الجديد، في الفرافرة وقرى العمار والخطاطبة وأبو غالب.

وهذا العام جاء محصول هذه الفاكهة معقولا ومقبولا للغاية، وإن لم يكن بنفس كميات العام الماضى والذى شهد وفرة فى الإنتاج، وأرجع خبراء الزراعة والفلاحون السبب إلى التقلبات الجوية التى أضرت به، وهو موسم أفضل مقارنة بمواسم السنوات الماضية التى عانى فيها المحصول كثيرًا.

وكانت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي أصدرت قـبل أيام مجموعة من التوصيات الفنية طلـبت فيها من مزارعي محصول المشمش مراعاتها خلال الأيـــام المقـــبلة للحفاظ على المحصول من الهدر والأمراض، خاصة فى ظل التقلبات الجوية التى تشهدها البلاد حاليًا ما بين الارتفـاع والانخفاض المفاجئ. 

وتمثلت التوصيات في المحافظة على انتظام الرى خلال الموسم، والتخلص من الحشائش الموجودة فى المزرعة، وفحص النموات الحديثة لمقاومة الحشرات الثاقبة الماصة، الاهتمام بنظافة النقاطات والفلاتر ونهايات الخطوط وكذلك الاهتمام ببرنامج رش العناصر الصغرى، مع جمع الثمار المصابة بالذبابة والتخلص منها بالحرق أو الدفن فى التربة حتى لا تتجدد للإصابة، على أن يتم رش مبيد حشرى كل 10 أيام لمكافحة الذبابة ووقف الرش قبل الجمع بمدة كافية، وتسميد الأشجار التى تروى بالتنقيط للفدان الرية الأولى 2 كيلو سلفات نشادر+ 1 كيلو سلفات ماغنسيوم وفى الرية الثانية 3 كيلو سماد مركب 19 -19-19 فى الرية الثالثة 3 كيلو سلفات بوتاسيوم + 2 لتر حامض فوسفوريك والرية الرابعة 2 ك نترات كالسيوم.

ما إن تقترب من حقول المشمش، حتى يستقبلك صوت المزارعين وأسرهم وهم يغنون فى وقت واحد وبشكل مبهج: "فى المشمش.. فى المشمش.. احكيلى حكاية فى المشمش.. ارسملى مراية فى المشمش.. قُص لى فستان فى المشمش.. طرح البستان فى المشمش.. هات لى البوتجاز فى المشمش.. وسرير هزاز فى المشمش.. طب لمبة جاز فى المشمش.. إن شاء الله يا جواز فى المشمش".

قد يبدو الأمر بالنسبة إلى زائر هذه القرى والحقول أنه فرحة من الفلاحين بحصاد محصول قاموا بزراعته وتعبوا فى مراعاته حتى جاء يوم الحصاد، لكن الحقيقة أن هذه الأغنية تلخص الحياة فى هذه القرى التى تشتهر بزراعة المشمش المعروف لديها بـ"الذهب الأصفر" أو "اللؤلؤ الأصفر"، بل يعد من أشهر أنواع المشمش فى العالم، وهو المصدر الوحيد للدخل بالنسبة إلى الأهالى هناك بشكل مباشر أو غير مباشر، وبدون مبالغة فإن دورة الحياة والزواج فى هذه القرى تبدأ مع حصاده، فخلاله يتم تجهيز العرائس للزواج، ويتم تسديد الالتزامات المالية للجميع.. إلخ.

وإذا كنا نرّدد بسخرية عبارة "فى المشمش" للدلالة على صعوبة الشيء المطلوب تنفيذه أو تحقيقه، فإن نفس العبارة لدى الأهالى بمثابة عهد واتفاق رجال! لذا فقد جاءت بهجة الأهالى خلال هذا العام والعام الماضى غير مسبوقة، بعد الخسائر التى طالتهم فى السنوات الماضية، بل إن ما جرى حصده شهد وفرة لم يشهدها منذ حقبة التسعينيات من القرن الماضي.

 الفلاحون: مفتاح للسعادة يأتى بانفراجة مالية للجميع

 

محمد رشاد، أحد المزارعين، قال لـ"آخرساعة": إن إنتاجية محصول المشمش هذا العام تأثرت بدرجات حرارة الطقس والتغيرات المناخية التى حدثت خلال الفترة الماضية،  فشهدت حدوث تقلبات فى الكمية والأسعار.

أما محمد عبدالعليم (مزارع) فقال: "المشمش كله خير، وفكرنا بأيام التسعينيات لأن الإنتاج كويس جدا ومافيش فيه دود، ودا كله خير يعم على البلد ورضا من ربنا.. وخلال السنوات الماضية، تكبدنا خسائر كبيرة من انهيار المحصول بسبب العوامل المناخية وذبابة الفاكهة والصرف المغطى، الذى أصاب الأشجار بالجفاف، وتساقط الأوراق والأزهار"، لافتًا إلى أن محصول المشمش يطلق عليه "مفتاح السعادة" حيث يأتى بانفراجة اقتصادية للجميع، فبسبب أزمات المحصول فى السنوات الأخيرة واجه الجميع أزمات طاحنة.

يداعبنا الأطفال الذين يشاركون الكبار فى حصاد المشمش ويرددون فى صوت واحد وبشكل مبهج: "عمار يا مصر، عمار يا بلد المشمش". ويقول محمد جمال، (مزارع): إن المشمش عندنا ماركة مسجلة والكل يعمل بلا توقف، فموسم هذه الفاكهة قصير للغاية ويجب جنى المحصول وإلا ضاع علينا خاصة أن قرية مثل "العمار الكبرى" تنتج 40% من محصول مصر.

ويضيف: كلمة "فى المشمش" عقد بيننا، لكن خارج نطاقنا من مزارعين لو قال أحد هذه الكلمة يبقى بيكذب، لأن الموسم الكلى للمشمش من 15 إلى 25 يوما فى العام كله وبيختفى من السوق علشان كده بنسميه "العزيز".

ويوضح: "بدأ المحصول العام الماضى فى التعافى من الكبوة التى أصابته خلال السنوات الماضية، من خلال عمل صرف صحى للأرض (زواريق) لسحب المياه الزائدة عن استهلاك الأشجار، ففى السنوات الماضية كنا نقطف الثمار من الشجر وندفنها فى الأرض بسبب الذبابة والحشرة اللى ضربت المحصول، لكن الحمد لله حاليا تعافت الأشجار".

من جانبه، يشير المهندس محمد عبدالله، أحد العاملين بمحصول المشمش، إلى أن العمالة تعمل بالموسم وليس باليومية، ويؤجرون نهاية الموسم ما بين 4 و5 آلاف جنيه للعمّال، حيث يبدأون عملهم فى السادسة صباحا، وحتى الثالثة عصرا لجمع المحصول من على الأشجار.

وهناك فارق كبير بين المشمش فى الماضى وحاليًا، حيث كانت شجرته تسمى "الشجرة المعمرة"، لكن حاليا بعد استنباط أنواع جديدة، أصبح عمر الأشجار لا يتخطى 30 عامًا، مع إنتاج مضاعف.

وفى الوقت الذى ننعم بظلال الأشجار من حرارة الشمس ووسط أصوات الرياح المتلاطمة بالشجر الكثيف، يبدأ الفلاحون فى تسلق "الصيبة" – وهو عبارة عن سلم خشبى يتميز بثلاث قواعد خشبية لجنى الثمار بطريقة آمنة ثم يقومون بوضعها فى "الجلايب" حتى يتم تفريغها فى "مشّنات" تمهيدا لقيام السيدات والفتيات بفرز الثمار ووضعها فى صناديق خاصة، وبعدها مباشرة يتم التوجه إلى السوق الرئيسي فى القرية حيث يتجمع به التجّار لشراء المحصول من المزارعين، من خلال مزاد علني.

 

وتتركز زراعة المشمش فى محافظتى القليوبية والفيوم إلى جانب مناطق محددة فى محافظتى البحيرة والوادى الجديد ومعظم المزروع هو من الأشجار البذرية التى تختلف فيما بينها من حيث طبيعة النمو ومواعيد التزهير والنضج وكمية المحصول وجودة الثمار، وقد تم انتخاب العديد من السلالات الممتازة من هذه الأشجار جار تقييمها تمهيدًا لتسجيلها كأصناف محلية.

وتبلغ المساحة المنزرعة من صنف "المشمش الكانينو" حوالى 30 ألف فدان، نظرًا لدخوله فى مرحلة الإثمار مبكرًا مقارنة بالسلالات المحلية بخلاف مناسبة الظروف المناخية له فى مناطق زراعته بالأراضي الصحراوية حديثة الاستزراع، ويوجد العديد من الأصناف المحلية التى تزرع فى مصر مثل العمار والحموى وكثير من السلالات البذرية، وكذلك الأصناف الأجنبية مثل الإيرلى بروكشن والكانينو، إلا أن هذه الأصناف لم تنتشر زراعتها فى الأراضى الجديدة.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة