صورة موضوعية
صورة موضوعية


القناع الخفي لأفلام «السوبر هيرو»

ريزان العرباوي

الخميس، 01 يونيو 2023 - 07:08 م

حظت أفلام الأبطال الخارقين “السوبر هيرو” باهتمام كبير من جانب صناع السينما العالمية, وتمكنت من تكوين قاعدة جماهيرية كبيرة من مختلف الفئات العمرية، لتصبح رهانا مضمونا لشركات الإنتاج الأمريكية مع تعاظم أرباحها وكسر إيراداتها حاجز المليار دولار عالميا, وتمتلك “مارفل, ودى سى” كم كبير من أفلام الأبطال الخارقين.

هذا الاهتمام انتقل لصناع السينما المصرية بعد إعلان أكثر من جهة عن خوض تجارب مماثلة، وتقديم شخصيات جديدة للأبطال الخارقين بخيال وإبداع عربى لكن  بمواصفات عالمية وبأحدث طرق التصوير والجرافيك, وفقا لتصريح كل جهة.

السؤال الذى يفرض نفسه هل بالفعل نمتلك القدرات والعناصر الفنية التى تؤهل للخروج بعمل يضاهى الصناعة العالمية ؟، أم هناك حيلة للتغلب على هذا البند والخروج من فخ المقارنة؟, وما

◄ مدى التأثير النفسى لهذا النمط الفنى على سلوك المتلقى وخاصة الأطفال والمراهقين؟.

جذبت تيمة الأبطال الخارقين صناع الفن وتم تقديمها  فى الدراما المصرية ضمن إطار من الكوميديا والفانتازيا, ومنها مسلسل “بنات سوبر مان” بطولة يسرا اللوزى وريهام حجاج وشيرى عادل, كما قدمت إيمي سمير غانم شخصية السوبر هيرو من خلال مسلسل “سوبر ميرو”, أيضا قدم أحمد فهمى شخصية الرجل الخارق من خلال مسلسل “الرجل العناب”, ليعلن المنتج أحمد السبكى عن عزمه لتقديم نفس الشخصية ولكن ضمن عمل سينمائي من بطولة أحمد فهمى مع الاستعانة بمخرج أجنبى ليتولى العملية الإخراجية.
وأعلنت شركة سينرجى للإنتاج الفنى منذ فترة عن إنتاج أول سلسلة لأفلام السوبر هيرو لتقديم أول بطل عربى خارق فى السينما العربية بمواصفات عالمية تدور أحدثها فى إطار من الكوميديا.
وحاليا يقوم المخرج بيتر ميمى بالتحضير لفيلم عن الأبطال الخارقين من بطولة ياسمين صبرى, كامتداد للسلسلة التى أعلن عنها بعد عرض فيلم “موسى” والذى جسد فيه كريم عبد العزيز دور البطولة.

كما يستعد تامر حسني لعرض فيلم “تاج” خلال موسم عيد الأضحى المبارك المقبل, وتدور أحداثه حول مدرس موسيقى يكتشف بالصدفة امتلاكه قوة خارقة ليصبح بعد ذلك سوبر هيرو, ويشارك فى البطولة دينا الشربيني، ساندي, أحمد بدير, هالة فاخر وبيومي فؤاد والعمل من تأليف تامر حسني وإخراج سارة وفيق.

ولكن بعد إذاعة “تريلر” الفيلم، أثار عدة مخاوف عن مدى تأثير هذه النوعية من الأفلام على الأطفال والمراهقين، خاصة وأن البطل يقوم خلال الإعلان بالقفز من أعلى نقطة فى برج القاهرة. 

◄ اقرأ أيضًا | بسمة بوسيل تكسر قيودها

◄ محاكاة ساخرة
وعن أسباب انجذاب صناع الفن لهذه التيمة الفنية, يقول الناقد عصام زكريا: هذا النمط الفنى حقق نجاحا كبيرا وانتشارا واسعا بفضل أعمال “مارفل” التى كانت سببا فى اكتساح هذه النوعية من الأفلام, وبما أننا نعيش على التقليد والمحاكاة، أرى أن السبب الأساسى هو استغلال هذا النجاح فى محاولة للوصول لجمهورها, فالأسباب هنا إنتاجية بحتة ورهان على المكسب المادى.

أما عن الامكانيات التى تتطلبها صناعة تلك الأفلام وهل نمتلكها أم لا, يقول: هى مسألة غير مربكة للصناع لسبب واضح جدا أن معظم تلك الأفلام عبارة عن محاكاة ساخرة تدور فى إطار من الكوميديا والفانتازيا وليس “سوبر هيرو” بالشكل والتقنيات المعهودة فى السلسلة الأجنبية, فكلها أعمال كوميدية باستثناء فيلم بيتر ميمى فهو يمتلك طموح لمنافسة صناعة هوليوود فى الإبهار والمعارك والتقنيات المتطورة, وهو الوحيد من وجهة نظرى الذى يمتلك هذا الطموح والموهبة والحرفة التى تؤهله للنجاح, والمحاولة بدأها بالفعل مع فيلم “موسى”, وباستثناء هذا العمل أرى أن باقى الأعمال لن تخرج عن انتمائها لنوع من التهكم أو ما يطلق عليه علميا بالمحاكاة الساخرة, بعيدا عن متطلبات عالم مارفل المعهودة من تقنيات عالية ومعارك وإبهار, فالتجارب لن تخرج عن كونها محاكاة ساخرة كما قدم فؤاد المهندس فيلم “فيفا زلاطا” أو شخصية “فرافيرو” التى قدمها من خلال فيلم “العتبة جزاز”, فلن تتطلب منهم إنتاج ضخم أو إمكانيات ومؤثرات خاصة، لأنها هزلية ساخرة, ولديهم إدراك وفهم تام لهذه النقطة، فالإمكانيات المتاحة لن تسمح للوصول لنفس مستوى السينما العالمية ومنافسة أفلام مارفل التى تصل فيها القيمة الإنتاجية للفيلم الواحد 200 مليون دولار تقريبا.

ويتابع: هذا النمط بالتأكيد بعيد كل البعد عن مفردات الواقعية والمنطقية لأنها أعمال خيالية تدور فى إطار من الفانتازيا ولاتحاكى الواقع, وهو عنصر ليس بالضرورة تطبيقة فنيا, لأن مفهوم الفن غير مرتبط بالواقع قدر ارتباطه بالمصداقية، فإذا تم تصديق العمل ووصل لمرحلة الإقناع بفرضية حدوثه فى الواقع حتى وإن كان فانتازيا وخيال فهو العنصر المطلوب وله علاقة بإمكانيات المؤلف والمخرج والممثل بتقديم خيال يصدق, ومصر لها الريادة بإنتاج أكبر عمل خيالى هو “ألف ليلة وليلة” وتجسيد كل السير الشعبية من خلال أعمال فنية, وكلها خيال فى خيال, وهى مسألة مرتبطة أيضا بالتذوق الفنى, ونتمنى أن نرى عمل خيالى مصرى مصنوع بحرفية وإتقان وإبداع والمهم عنصر المصداقية.

ويضيف: لا توجد فكرة مضمونة النجاح داخل أى عمل فنى فأى مشروع هو مغامرة ولكن هناك عناصر ومعطيات للنجاح من حيث آليات التنفيذ ومدى توافق الأفكار المطروحة مع المزاج العام للجمهور، وفى افتراض أن جمهور السينما فى الوقت الحالى يميل لهذه النوعية وبالتالى سيقبل عليها لكن أيضا هو يتوقف على مستوى الأفلام نفسها وما يتضمنه من عناصر قوة أو ضعف وكيفية استقباله من قبل الجمهور، وهو رهان فى كل الأحوال.

ويستطرد: بالنسبة لاختيار ياسمين صبرى أفضل تأجيل الحكم عليها لما بعد عرض العمل، فلا يجب محاسبة الفنان على أعماله السابقة, الفكرة فى كيفية توظيف الفنان بشكل يبرز إمكانياته وقدراته الفنية، فإن اجتهدت وتمكنت من إقناع الجمهور بخوض تجربة الأكشن فما المانع ومن الممكن أن تفوق التوقعات”.

◄ سحر خاص
أكدت الناقدة الفنية ماجدة خير الله على نجاح تلك التيمة الفنية وامتلاكها سحر خاص قادر على جذب المشاهدين وبالتالى صناع الفن, وتقول: “ هى تيمة جاذبة لها جمهور واسع من المشاهدين, ففى العادة ينجذب الجمهور لقصص الأبطال الخارقين من الحواديت الشعبية، ذلك البطل الخارق القادر على مساعدة الضعفاء والقضاء على قوى الشر وعندما تتحول للسينما تصبح أكثر تشويقا.
ولكن للأسف هناك قصور كبير فى النواحى الإنتاجية وتمويل تلك الأفلام للخروج بالشكل المبهر الذى اعتدنا عليه فى السينما الأجنبية, فهذا النمط يتطلب جهود إنتاجية ضخمة وتقنيات عالية الجودة للوصول لدرجة الإبهار المطلوبة، بالإضافة إلى كاتب متمكن من أدواته قادر على سرد قصص مبدعة مشوقة.

وربما تطعيم تلك الأعمال بالكوميديا والمحاكاة الساخرة هى وسيلة للتغلب على ضعف الإمكانيات الإنتاجية المتاحة فى الصناعة المصرية, ولأنها حواديت وشخصيات خيالية غير حقيقة فبالتالى من الطبيعى أن يبتعد العمل عن المنطقية، ولابد أن يكون هناك إدراك ووعى تام للجمهور بذلك وخاصة الأطفال حتى يتسنى سرد العديد من الحكايات عن شخصية واحدة مما يجعلها شخصية محبوبة.

وتضيف: بالنسبة للمخرج بيتر ميمى فهو يغرد منفردا فى هذا المنطقة، وعندما قدم فيلم “موسى” كان أكثر من رائع لما تضمنه من نواحى إنسانية, بالرغم من عدم حصوله على حقه فى دور العرض، وأعتقد ان التجارب القادمة ستكون أكثر إثارة ونجاحا.

وتتابع: العناصر المطلوبة للخروج بعمل ناجح أن يكون العمل يشبهنا, ليس مجرد تقليد للمنتج الأجنبى, لذلك الكوميديا أنسب إطار لهذه النوعية للخروج من فخ المقارنة مع الأعمال الأجنبية, صحيح أنها نجحت فى تكوين قاعدة جماهيرية كبيرة وأعتقد أن الأعمال المصرية قادرة أيضا على ذلك ولكن مع الوقت وليس من المرة الأولى, فإذا تم تقديم السلسلة بشكل جيد من الممكن أن يرتبط بها الجمهور، ويعتمد أيضا على شعبية الفنان نفسه.

◄ سلاح ذو حدين
ما نشاهده على الشاشة لا يمر عبثا ولا تنتهي آثاره بنهاية الفيلم, لذلك كان لابد من تحليل التأثير النفسى لتلك النوعية من الأفلام على المتلقى وخاصة سلوك الأطفال والمراهقين, ويقول الدكتور وليد هندى استشارى الصحة النفسية: “أفلام السوبر هيرو سلاح ذو حدين، فكما لها تأثير سلبى لها أيضا الإيجابى, وبتحليل هذا النمط نجد أن 7 من أفلام الأبطال الخارقين يعدو الأكثر رواجا حول العالم, فإيراد الفيلم الواحد من الأفلام السبعة يحازى المليار دولار, مما يعطى مؤشرا لمدى إقبال الجمهور بكل الفئات العمرية ولا سيما الأطفال والشباب على أفلام السوبر هيرو وهو ما دفع صناع السينما المصرية للإقبال على هذا النمط الفنى, ولا يمكن إنكار مدى التأثير النفسى لتلك الأفلام، فمنذ مرحلة رياض الأطفال دائما ما يحب الطفل الظهور بشكل أكبر من عمره وهو يظهر من خلال ما يرسمه، فدائما ما يرسم الرأس بحجم كبير وأصابع اليد طويلة حتى أنه يرتدى ملابس الكبار، مما يعطيه إحساس بالكفاءة النفسية وارتواء الذات, فالطفل يرغب فى الظهور بحجم أكبر منه، وهو ما تحققه تلك الأفلام التى تشبع لديه الحاجة لتوكيد الذات والكفاءة النفسية، وتعزز لدية الثقة بالنفس بأن يصبح سوبر هيرو, فتنمى لديه ملكات الخيال والرغبة فى الانتصار والاحساس بالقوة مما ينعكس على سلوكه ونمط حياته وتستثير دوافعه الداخلية لمساعدة الغير والدفاع عنهم، وبالتالى من الممكن أن تفرز عن بعض السلوك القيادى لدى الأطفال وقيم الشجاعة والإقدام والشعور بالمسئولية وزيادة الطلاقة اللغوية فى السن المبكر لدى الأطفال عند تقمص تلك الشخصيات, أيضا لها تأثير إيجابى فى عملية التنفيس الانفعالى عن كل ما يعتريهم من ضغوط وصراعات داخلية، لذلك دائما أؤكد على الدور التربوى والإرشادى للأسرة، ومحاولة الاستفادة من تلك الأفلام فى التطوير وتعزيز ملكات الطفل وتعليمه بعض المهارات الاجتماعية، كالتعاون ومفهوم الأخذ والعطاء وإعلاء القيم الإيجابية لتلك الشخصيات، والأهم تعليمه الفرق بين قيم الخير والشر حتى وان تضمنت تلك الأفلام على بعض العيوب، فيجب الإشارة إليها لعدم استخدام الأدوات المؤذية وتجنب أى سلوك عدوانى, فلتلك الأفلام أيضا تأثير سلبى كتعليم سلوك العنف وفقد قيمة الحياة والانتحار بتقليد تلك الشخصيات فى الطيران والقفز من أماكن مرتفعة مما يعرض حياتهم للخطر. ومن خلال تحليل الأفلام الأعلى انتشار فى أفلام السوبر هيرو, فكل فيلم يحتوى على ما لا يقل عن 50 مشهد للعنف, ومع عرض أول فيلم لسوبر مان تم تسجيل حالات قفز من أماكن مرتفعة لاعتقادهم ان لديهم القدرة على الطيران, الغريب فى الأمر عدم اقتصار هذا التأثير على الأطفال فقط بل وجود حالات للراشدين, فيجب الانتباه لأى سلوك عدوانى يكون سبب فى فقدان قيمة الحياة والشعور الزائد بالقوة لدى الطفل او حتى المراهق الذى يسعى لتحقيق بصمة ذاتية لكي يشعر بالأهمية وبالتميز فهى الرغبة السائدة لدى العديد من الشباب دون العشرين.

وعند مشاهدة تلك الأفلام فمن الممكن أن تنعكس بشكل سلبى على سلوكه باعتباره البطل الذى لا يقهر، ومن الممكن أيضا أن تتسبب فى حالة من الانفصام عن الواقع والانشغال العقلى بالبطل والسوبر هيرو، فتسبب نوعا من متلازمة القلق والمعاناة والضغوط النفسية, يبقى فى النهاية ضرورة ملاحظة سلوك الأطفال والمراهقين وتحديد نوعية الأفلام التى يتعرضون لها.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة