الملكة نازلى صبرى
الملكة نازلى صبرى


كنوز| مأساة «نازلي» سلطانة مصر وملكتها التي غضب عليها فاروق

عاطف النمر

السبت، 03 يونيو 2023 - 08:53 ص

فى 29 مايو 1978 صدرت الصحف المصرية والعربية بخبر لا يتجاوز بضعة أسطر، يحمل نبأ وفاة الملكة نازلى صبرى والدة الملك فاروق الأول فى منفاها الاختيارى بالولايات المتحدة الأمريكية عن عمر يناهز 84 عاما، وأول أمس يكون قد مضى على رحيلها 45 عاماً، رحلت «نازلى» بعيداً عن مصر التى جلست على عرشها كأول سلطانةٍ عندما كان زوجها الملك فؤاد سلطاناً على مصر، وكانت أول ملكةٍ عندما أصبح فؤاد ملكاً بموجب الاستقلال الذى منحته بريطانيا لمصر، وتعتبر صاحبة أكبر مأساة فى تاريخ ملكات مصر، لم يجبرها ابنها الملك فاروق الأول على مغادرة المملكة المصرية عندما كانت تحمل لقب الملكة الأم، لكنها غادرت المملكة بمحض إرادتها، ولها فى منفاها الاختيارى مآسٍ درامية انتهت باعتناقها المسيحية وتغيير اسمها إلى «مارى إليزابيث».


فى بداية الأمر استأذنت الملكة «نازلى» عام 1947 من ابنها الملك فاروق للسفر إلى سويسرا وفرنسا برفقة طبيبها الخاص وبناتها فتحية وفائقة للعلاج من فشل كلوى مزمن، ويبدو أنها قررت قبل السفر عدم العودة للمملكة، بدليل أنها أخذت معها كل مجوهراتها ونقودها وعقود ملكية العقارات والأراضى التى ورثتها عن جدها شريف باشا وزير خارجية محمد على باشا، وما ورثته عن أبيها عبد الرحيم صبرى باشا الذى كان وزيراً للزراعة ومحافظاً للقاهرة، وأفصحت فى أحاديث صحفية بالخارج أنها لم تكن على وفاق مع العائلة الملكية منذ أن دخلتها بالزواج من السلطان أحمد فؤاد الذى أصبح ملكاً وأنجبت منه فاروق والأميرات «فتحية وفوزية وفايزة»، وقالت إن الأمير أحمد فؤاد عندما كان سلطاناً على مصر لم يكن هو فتى أحلامها لأنه كان يكبرها بـ 26 عاماً، ولم يكن بمستواها الثقافى، فهى خريجة كوليدج نوتردام الفرنسية بالإسكندرية، وقد تزوجته لأنه فشلت فى زيجتها الأولى من ابن عمها خالد صبرى الذى انفصلت عنه بعد 11 شهراً فقط ولم تنجب منه، وتعرفت بعدها عن طريق «أم المصريين» على شقيق سعد باشا زغلول وتواعدا على الزواج لكنه تم نفيه مع عمه خلال ثورة 1919، وقتها كان الأمير أحمد فؤاد خارجاً من زواج فاشل مع الأميرة الثرية «شويكار» حفيدة إبراهيم باشا، وتعرف على «نازلى» لأول مرة بدار الأوبرا، فقرر الزواج منها لتنجب له ابناً يرث العرش من بعده، وتزوجا فى عام 1919 وعاشت نازلى فى قصر العباسية حتى ولادة ولى العهد فاروق فى 11 فبراير 1920، وحملت لقب «سلطانة مصر» عندما تولى أحمد فؤاد السلطنة خلفاً للسلطان حسين كامل، وحملت لقب «ملكة» عندما أصبح ملكاً عام 1922، وكانت تعتبر نفسها أرقى من الملك فؤاد وأكثر علماً ومعرفة منه لأنها تتقن عدة لغات، وهو لا يعرف شيئاً عن الثقافة والفنون، وقالت فى أحاديثها إن حياة القصور والألقاب الملكية التى نالتها لم تسعدها، كانت تشعر أنها سجينة فى قصر القبة، لا شىء يجمعها مع الملك إلا رغبته بأن يكون له ولد من صلبه. 


كانت تشكو من معاملته لها بقسوة جعلته يضربها ويتعمد إهانتها - نفس شكوى زوجته الأولى «شويكار» - قالت «نازلى» : إنه يجيد التعامل مع الغانيات فقط، حرم عليها المهام الملكية عندما أرادت أن تكون على غرار ملكات أوروبا، قالت إنه كان يغار من إعجاب الأجانب بفصاحتها عندما اهتمت الصحف الباريسية بصورها وأخبارها أكثر منه عندما سافرا إلى فرنسا عام 1927. كانت واضحة وصريحة عندما قالت للصحف الأجنبية إنها لم تذرف دمعة واحدة عند وفاة الملك فؤاد عام 1936، أصبحت وهى فى الثانية والأربعين من عمرها «الملكة الأم»، وقالت إن علاقتها بابنها الملك فاروق لم تكن أفضل من علاقتها بأبيه، كان فاروق مشمئزاً من علاقتها برئيس ديوانه أحمد حسنين باشا الذى طلق زوجته وأم أولاده لطفية هانم وتزوج سراً من «نازلى» زواجاً شرعياً غير معلن، وضاق فاروق بما تكتبه الصحف، والغريب أن أحمد حسنين باشا تمت تصفيته فى حادثٍ غريبٍ عند مدخل كوبرى قصر النيل، وقيل إن الملك فاروق مزق وثيقة زواجه من «نازلى» بعد الحادث حتى لا يعلم أحد بهذه الزيجة، كان فاروق يعتبر أمه أحد أسباب نقمة الناس على حكمه، ولم تتحمل «نازلى» البقاء فى مصر بعد وفاة حسنين باشا فقررت - كما قلنا - السفر للعلاج بدون عودة، وأقامت فى فيلا فخمة بمنطقة «بيفرلى هيلز» التى يعيش بها نجوم هوليوود، وارتكبت غلطة عمرها عندما وافقت على زواج أصغر بناتها الأميرة فتحية من الدبلوماسى رياض غالى المختلف معها فى الديانة، وجعلها تتحول للمسيحية وتحولت معها الأم «نازلى» التى سلمت لرياض كل أمورها وأباحت له التصرف فى أموالها وكل حياتها، ولم تكن تدرى أن نهايتها ونهاية ابنتها ستكون على يديه مع أول خلافٍ دب بينه وبين زوجته الأميرة عندما اتهمته بأنه السبب فى ضياع أموال والدتها الملكة فى البنوك مما جعلها تشهر إفلاسها وتبيع فيلتها فى بيفرلى هيلز ومنزلها الصيفى فى هاواى، وتبيع مجوهراتها الثمينة فى مزاد دار «سوثبيز»، لقد حل الفقر والعوز بعد الثراء والحياة الرغدة، وحملت الملكة صهرها رياض غالى المسئولية فيما أصبحت عليه !
وصلت الخلافات إلى المحاكم عندما طلبت الأميرة فتحية الطلاق، قبل أن يقوم رياض غالى بقتلها بست رصاصاتٍ فى الرأس، لقيت الأميرة مصرعها وجن جنون الملكة لتكتب لها الأقدار ذروة مشوار المأساة، ولهذا الموضوع تفاصيل مزعجة جلبت للملكة الوحدة والكآبة القاتلة التى زادها الفقر والإفلاس والحزن على ابنتها المغدورة، فباعت فيلتها فى بيفرلى هيلز ومنزلها الصيفى فى هاواى، وانتقلت من حياة القصور والفلل إلى أستديو متواضع فى حيّ الفقراء بمنطقة «ويست وود»، وأصبحت الملكة تعتمد على كوبونات الطعام المرسلة من الحكومة الأمريكية، لم تعد تسمع لقب «يا صاحبة الجلالة» إلا من بعض المصريين الذين يعطفون عليها، كانت ترفل فى الحرير وتأتيها الثياب من أشهر بيوت الموضة بباريس، ثم أصبحت وحيدة، تنتظر الموت الذى أتاها فى 29 مايو 1978 ودُفنت بعيداً عن وطنها بمدافن «كولفر سيتى»، بكاليفورنيا !


«نازلى» السلطانة ثم الملكة هى من صنعت مأساتها بإرادتها واختياراتها التى لم يفرضها عليها أحد، لكنها فى النهاية مأساة إنسانية تجلب التعاطف أو تجلب العكس فكل منا يراها بمنظور وإحساس مختلف ! 

اقرا ايضا | الذكرى 85 للزفاف الملكي «على بيضة نعام»

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة