صورة موضوعية
صورة موضوعية


بعد إعادة انتخابه لخمس سنوات رئيسًا لتركيا.. هل تتحقق أحلام أردوغان؟

آخر ساعة

الإثنين، 05 يونيو 2023 - 10:16 م

■ كتبت: دينا توفيق

فى منطقة سيكروبا الواقعة على مشارف جبال نور جنوبي تركيا، وقفت امرأة خارج أنقاض منزلها الذى دُمر فى زلزل فبراير الماضى تلوح بعلم بلادها وذلك فى أحد المشاهد بعد إعلان إعادة انتخاب الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان»، رئيس البلاد منذ فترة طويلة، حيث ظهرت مواكب السيارات والاحتفالات وإطلاق مجموعة من الرجال الأعيرة النارية فى الهواء. يوم 28 مايو بعد أن حقق أردوغان نصرًا فى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية فى البلاد، ويجتاز أكبر اختبار فى حياته السياسية؛ ورغم ذلك لا تزال هناك أسئلة بلا إجابة حول الاقتصاد والاستجابة للزلزال والفساد ومحنة المهاجرين السوريين.. وماذا بعد؟

أعيد انتخاب الرئيس التركي أردوغان لخمس سنوات أخرى بنسبة 52٪ مقابل 48٪ من الأصوات المدلى بها فى الجولة الثانية من الانتخابات وهزم خصمه «كمال كليجدار أوغلو». ومع فوز حزب العدالة والتنمية وحلفائه بـ323 مقعدًا من أصل 600 مقعد، تمكن الرئيس أردوغان أيضًا من الوعد بالاستقرار الذى توفره السيطرة على كلٍ من الهيئة التشريعية والحكومة، وفقًا لمجلة «الإيكونوميست» البريطانية. وعلى الرغم من الزلزال المميت وانخفاض العملة المحلية، أظهر انتصار أردوغان مرة أخرى قوته، التى يقول المحللون إنها راسخة ليس فقط فى الطرق التى عزز بها سلطته على مر السنين، ولكن أيضًا يظهر الولاء الدائم لدعمه الأساسى.

وفى أبريل الماضى قبل الانتخابات عرض أردوغان أول طائرة بدون طيار ودبابة وحاملة طائرات هليكوبتر تركية، وكانت رسالة غير خافية، خاصة أن هناك من نظر إليها بأن تركيا تستعرض قوتها واستقلالها، وأردوغان هو الرجل الذى يصنع ذلك. ويبدو أن الناخبين الأتراك يريدون نسخة من قومية أردوغان، وفقًا لموقع «فوكس» الأمريكى.

◄ اقرأ أيضًا | أردوغان يجري محادثات مغلقة مع ستولتنبرج في اسطنبول

كان العديد من المحللين يتوقعون أن يؤدى الاقتصاد إلى خسارة أردوغان، بحسب ما ذكرته «الإيكونوميست». لكن فى أماكن مثل سيكروبا، يقارن ساكنوها وضعهم الاقتصادى اليوم بما كانوا عليه قبل عقدين، وليس الوضع قبل عامين. يقول رئيس المنطقة «سيف الدين بولات»، «قبل عام 2002، لم يكن لدينا شارع واحد مرصوف بالحصى هنا». وأضاف «هناك تضخم، لكننا على الأقل لسنا جائعين كما كنا فى ذلك الوقت، الشوارع مرصوفة وقد تم إصلاح تلك التى دمرها الزلزال.»

كان الاقتصاد قد دمره التضخم الذى تجاوز 86٪ العام الماضى، ويرجع إلى حد كبير إلى السياسة النقدية الكارثية التى حددت معدلات فائدة منخفضة فى ظل الاعتقاد بأن هذا من شأنه أن يؤدى إلى انخفاض الأسعار. ومن بين السلطات التى يحتفظ بها الرئيس التركى، لم يكن هناك ما هو أكثر فائدة لمصالحه السياسية وأكثر ضرراً على صحة اقتصاد بلاده من سيطرته على البنك المركزى. ومن خلال خفض أسعار الفائدة إلى ما دون معدل التضخم، قدم أردوغان للمقترضين أموالاً واستمر فى دعم النمو، الذى وصل إلى 4٪ على أساس سنوى فى الأشهر الثلاثة حتى مارس الماضى. من خلال حرق مليارات الدولارات كل أسبوع للدفاع عن سعر الصرف، ساعد البنك المركزى أردوغان على تجنب أزمة العملة قبل الانتخابات. ولم يعطِ أردوغان أى إشارة خلال حملته الانتخابية إلى أنه يخطط لتعديل سياساته الاقتصادية، على الرغم من ارتفاع معدلات التضخم، التى يقول الاقتصاديون إنها تفاقمت بسبب إصراره على خفض أسعار الفائدة بدلاً من زيادتها لمكافحة التضخم، مثل الاقتصاد التقليدى. 

ويرى مراسل صحيفة «نيويورك تايمز» فى الشرق الاوسط «بن هوبارد»، أن إعادة انتخاب أردوغان خمس سنوات أخرى تمنحه الصالحية لتعميق بصمته المحافظة على المجتمع التركى وتحقيق طموحه فى زيادة القوة الاقتصادية والجيوسياسية للبلاد. تابع الانتخابات عن كثب حلفاء تركيا فى حلف شمال الأطلسى «الناتو»، بما فى ذلك الولايات المتحدة، الذين غالبًا ما كانوا ينظرون إلى أردوغان على أنه شريك محبط بسبب خطابه المناهض للغرب وعلاقاته الوثيقة مع الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين»، التى نمت منذ الحرب بين روسيا وأوكرانيا. يبدو أن الخطط الغربية لم تنجح هذه المرة، ونتائج الجولة الثانية تتعارض إلى حد كبير مع أجندة الغرب.

أرادت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى مرشحًا مؤيدًا للغرب، ومعاديًا لروسيا، لفرض عقوبات على الأخيرة، ومؤيدًا للناتو. لم يعطِ أردوغان أى مؤشر على أنه يخطط لتغيير سياساته فى الخارج، حيث سعى إلى استخدام مكانة تركيا فى مفترق طرق أوروبا وآسيا والشرق الأوسط لتوسيع نفوذها.

سيكون لإعادة انتخابه آثار عميقة على تركيا وبقية العالم، وفقًا لما ذكرته مراسلة الشئون الأمنية والخارجية، بموقع «فوكس» الأمريكى «جين كيربى»، التى أوضحت محاولات أردوغان ممارسة القوة التركية فى المنطقة وخارجها، متبعًا سياسة خارجية غير منحازة وحازمة. حيث يؤمن بعالم متعدد الأقطاب، مع تركيا كقوة من بين دول أخرى. لقد أعاد توجيه أنقرة بعيدًا عن الغرب ولكن لم يتخل عنه تمامًا مستخدماً نفوذه لموازنة علاقات تركيا، ولكن أيضًا لإبعاد المنافسين عن بعضهم البعض بطرق تفيد مصالح تركيا ومصالحه الخاصة.

وأضافت الصحفية والباحثة فى مركز الولايات المتحدة وأوروبا فى معهد بروكينجز «أسلى أيدنتاشباش»، أن أردوغان يريد أن يرى ولادة الامبراطورية التركية، والاعتقاد بأن تركيا مقدر لها أن تكون ليس فقط قوة مهيمنة على المستوى الإقليمى، ولكن أيضًا قوة عالمية فى القرن الحادى والعشرين، ومن الواضح أنه أقنع شعبه أن هذا هو المسار الذى يجب أن تسلكه تركيا.

فيما قال أستاذ العلوم السياسية فى جامعة إلينوى سبرينجفيلد «سيبل أوكتاى»، إنه حتى لو كانت قومية أردوغان تحمى شعبيته، فإن الأزمات التى أوشكت على الإطاحة به فى هذه الانتخابات لم تتبدد، فالاقتصاد التركى فى حالة من الفوضى؛ لا تزال أجزاء من البلاد تتعافى من زلزال مدمر فى وقت سابق من هذا العام. لقد بنى أردوغان الدولة حوله، وقام بتفكيك المؤسسات الديمقراطية.

إن إيمان أردوغان بعالم متعدد الأقطاب يعنى أنه لا يوافق تمامًا على النظام الذى يقوده الغرب؛ فتركيا عضو قديم فى الناتو، ولكن أردوغان حاول صياغة سياسة خارجية أكثر استقلالية، سياسة تُبعد أنقرة عن اعتمادها على واشنطن. من خلال القيام بذلك، استغل أردوغان معاداة الغرب فى المجتمع التركى وشحنها.

لم تتماش تركيا مع حلفاء الناتو لفرض عقوبات على روسيا، وكانت تحصل على النفط الروسى الرخيص. والأهم من ذلك أن تركيا أعاقت عضوية السويد فى الناتو، بسبب ما يزعم أردوغان أنها سياسات ستوكهولم المتساهلة تجاه حزب العمال الكردستانى والجماعات الأخرى التى تعتبرها تركيا منظمات إرهابية. أسقط أردوغان اعتراضاته على انضمام فنلندا إلى التحالف فى وقت سابق من هذا العام، لكنه لم يتزحزح بعد بشأن السويد. لكنه كان موقفاً شعبياً سياسياً، وهو أمر أراد أردوغان حشد المؤيدين حوله خلال الانتخابات. تفكر تركيا فى نفسها كقطب فى حد ذاته، كدولة يجب أن تتفاوض بين مراكز القوى المختلفة فى عالم متعدد الأقطاب. أو كما تقول الباحثة من مشروع واشنطن حول الديمقراطية فى الشرق الأوسط «ميرف تاهير أوغلو» إن «رؤيته للسياسة الخارجية تدور بالكامل حول جعل تركيا عظيمة مرة أخرى»، ولكن هل بإمكان أردوغان تنفيذ هذه الرؤية؟

وستواجه أردوغان تحديات حقيقية بعد هذه الانتخابات؛ الاقتصاد على وشك الانهيار، وهذا يعنى ألمًا حقيقيًا للأتراك العاديين، بمن فيهم أولئك الذين أعادوا انتخابه. قد يمنح الموقف الاقتصادى الضعيف لأردوغان الولايات المتحدة وأوروبا الشريك التجاري الرئيسي نفوذًا أكبر عليه أيضًا.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة