د. ممدوح سالم
د. ممدوح سالم


لافتات

وهج الكلمة

الأخبار

الثلاثاء، 06 يونيو 2023 - 06:42 م

سألنى تلميذي، كيف وأين تكتب؟ هل تنتحى جانبا فى بيتك كى تكتب؟ ما صفة المكان الذى تستوحى منه الهدوء والإلهام؟ وثمة أسئلة أخرى مما يسألنيها تلاميذى وبعض الأصدقاء فى سياق ما نعيشه من زخم المتاعب وضوضاء الحياة

فأجبته، أن ليس ثمة أجوبة مثالية عن أسئلتك التى تبدو عويصة؛ لكن كل ما أعرفه هو وهَجٌ يعترى وجدانك جمالا وعطاء وإشراقا فكأنك الشمس التى تملأ الأكوان عند الضحى، فلا يسعُك إلا أن تشرق؛ أو قل: هو بركان ثائر من نار غضب تجاه أزمة تعتريك فلا تملك إلا أن تتفجر بركانا؛ أو هو طوفان من شوق لحبيب يملأ طيفه خاطرك فلا يملك قلبك فى حضرته إلا إذعانا، أو هو فيضٌ من فيضٍ تسكبه لقرائك، تسكنه أسطر أوراقك، فكأنك تبثهم همسات قلبك، وأوجاع فؤادك، وشجون خواطرك، وشوارد ذكرياتك.

لكن المهم قبل أن تشرع فى الكتابة أن تكون فى حاجة حقا إلى الكتابة؛ وذلك لا يكون إلا حين تجدك ملبيًا نداء الإنسان فيك لتكتب؛ ساعتئذ لن تكتب إلا صدقا: خيالا كان أو واقعا.

‏أذكر مرة أن طلب منى أحد أصدقائى فى المدرسة الثانوية أن أكتب له قصيدة فى الحب يهديها فتاته، فاستغربت، وحاولت تلبية طلبه، فامتنع خاطري، واعتذرت لشعورى بزيف إحساسي.

لم يكن لابن الأثير فضاء منفوح بالهدوء لكى يكتب، ولم يشترط الجاحظ على دكاكين الوراقين التى يكتريها ليقرأ فيها أن تكون على شاطئ السخنة أو الساحل ليقرأ أو يكتب.

على الجانب الآخر، محفوظ لم تكن حكاياته إلا صدى لزخم المقاهى وضوضاء حاراتها...

إذًا، لا تسل متى أو أين، أو لمَ تكتب؟! بل سل كيف، وماذا تكتب؟ ولقد سئل مرة الروائى الأمريكى الشهير إرنست هيمنغوى لماذا يكتب؟ قال: ليست المسألة لماذا أكتب، لكن المشكلة ماذا أكتب؟!

وفى الأخير، ‏ ليس مهمًا أن يتهيأ لك المكان سكونا وهدوءًا لتكتب، بل المهم أن يصيبك ذلك الوهج لتكتب، فتجدك تتهيأ لتكتب.. هنا ما عليك إلا أن تستجيب، فإنه من وهج الكلمة يُولد الإبداع.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة