الدكتور صلاح البسيوني
الدكتور صلاح البسيوني


«ثمن الأمومة» قصة قصيرة للكاتب الدكتور صلاح البسيوني

صفوت ناصف

الخميس، 08 يونيو 2023 - 11:09 ص

 عانقت زوجها .. واعتصرت ابنتها .. ثم احتضنت رضيعها .. أمسكت حقيبتها وغادرت المكان .

حمل حقيبته الصغيرة على كتفه .. ألقى السلام على أهل بيته .. تبادل التحية مع زواره من الأصدقاء والجيران .. طمأنهم أنه لن ينسى الدعاء لهم .. فى بيت الله الحرام وعند وقوفه بعرفات .. ومع كل صلاة في مسجد رسول الله وحبيبه عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة .. وانطلق خارج المكان .

 

تجمع المسافرون فى محطة الاتوبيس الدولى بميدان الشهيد عبد المنعم رياض .. بقاهرة المعز لدين الله الفاطمى .. ليحملهم في رحلتهم إلى حيث الميناء الواقع على خليج العقبة .. دخل الركاب ميناء نويبع البحرى بعد الانتهاء من إجراءات السفر المعتادة وانطلق كل منهم إلى داخل " العبارة " فى طابور طويل بلا نهاية .. وكأنهم طابور من الرحالة والمستكشفين القدامى كل منهم يحمل في حقائبه ملابسه وطعامه .. ذكرياته وأحلامه .. تاركا قلبه خارج المكان .

انطلقت " العبارة " تشق مياه الخليج .. وانطلقت الأبصار تحتوى الوطن في داخلها.. والأفئدة عائدة إلى حيث الأهل والأحباب .. والتقطت عيناه قطرات من الدموع تسقط لتختلط بمياه الخليج وتذوب فيها .. نظر إلى صاحبتها .. فادارت وجهها تخفي ضعفها .. أطال النظر إلى حيث نبع الدموع وتوقفت نظرات .. أعادت وجهها إلى ناحيته .. لاحظت تسمر نظراته .. توقع أن تغادر المكان .. تحركت .. خفق قلبه .. اقتربت إلى جواره .. ازدادت ضربات قلبه.. وقفت بجانبه وكأنها تحتمي به من ضعفها .. احترم صمت دموعها .. كما احترم ضعفها الصامت .. صمت وعيناه تحمل ألف سؤال .

أطالت النظر إلى زبد البحر الناتج عن سرعة "العبارة" وكأنه أحلامها التى تجرى خلفها من مكان إلى مكان .. شعرت بدفء الأمان إلى جواره .. استقر قلبها بين الضلوع .. وهدأت ضرباته من سرعتها .. توقف نزيف العيون .. ومسحت بيدها على وجهها .. فبدت له ابتسامة ضعيفة خافتة.. وانطلقت تفسر له ما حدث .

أخبرته عن صغيرها الذى أكمل الثلاثة أشهر .. وتركته خلفها مع طفلتها وزوجها .. مدرس التربية الرياضية بالمرحلة الابتدائية في قريتها .. مسافرة وراء لقمة العيش .. وحدها .. حيث لا فرصة عمل هناك لمدرس " الألعاب" .

روت له كيف تركت رضيعها..وهو لا يزال فى حاجة إلى ثديها وحنانها ودفء حضنها .. حتى تستطيع أن تسدد الديون التى تلاحقها وزوجها .. وحتى تستطيع أن تجد ما يدر اللبن فى ثديها  لصغيرها .

قالت له كيف تركتهم خلفها .. من أجلهم .. وكيف دفعت الثمن راضية .. كيف تخلت عن الأمومة .. لكى تستحق الأمومة .. حكت .. وحكت .. وانهمرت شلالات دموعها من جديد .. وانطلقت مغادرة المكان .

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 

مشاركة