الفنان الراحل محمد رضا
الفنان الراحل محمد رضا


سر «كرش» المعلم رضا !

أخبار النجوم

الأحد، 11 يونيو 2023 - 01:29 م

مايسة أحمد

تعتبر شخصية المعلم “كرشة” نقطة تحول في أداء الفنان الراحل محمد رضا، تلك الشخصية التي قدمها في فيلم “زقاق المدق” للأديب نجيب محفوظ، والتي كانت إنطلاقه إشتهر بعدها بتجسيد شخصية “المَعلّم” ابن البلد الشهم الطيب الرجل الشعبي خفيف الظل صاحب مدرسة كوميديا مستقلة، خلق العديد من الإفيهات الباقية رغم مرور عشرات السنين على رحيله، فهو تجسيد لرحلة ومسيرة من مهندس بترول إلى أشهر معلم بالسينما المصرية الذي قال عنه الكاتب الصحفي محمود السعدني في مقاله الأخير، وقدم من خلاله رؤيته الإستشرافية عن دور ابن البلد في السينما المصرية، وذكر أنه كان يتمنى أن يصبح ممثلًا مثل شكري سرحان فكان يحلم أن يكون (دنجوان السينما المصرية) لما امتلكه في ذلك الوقت من مواصفات الفتى الأول، حيث دخل الفن في البداية من باب “الأفندية”، وظهر في أفلام بدور وكيل النيابة، ومرة واحدة بدور ولد حبوب، إلا أنه تألق في دور المَعلّم “كرشة” كأنه “كرشة” الحقيقي، وكأن نجيب محفوظ في “زقاق المدق” لم يكن يقصد أحدًا حين كتب الدور سواه، ثم بدأ رضا رحلته العجيبة والولد الشقي و”رضا بوند”، وعلى المسرح استطاع أن يؤكد موهبته في النصابين والحرافيش والمفتش العام، وفي السينما استطاع أن يقوم بدور البطولة في “رضا بوند” وهذا الشيء الذي لم يحدث لأحد من قبل، وأعتقد أنه لن يحدث لأحد مثله بعد ذلك، وإذا كان رضا هو أول ممثل من نوعه يقوم بدور البطل، فهو أيضًا الأخير، وأيضًا سيكون الأخير في هذا اللون، فلن يظهر بعد رضا ممثل آخر في دور ابن البلد، وظل رضا متألقًا في هذا الدور حتى وفاته، لكن بموته ماتت هذه الشخصية، حتى الذين ظهروا بعده ماتوا لحظة الميلاد ليس بسبب موهبة رضا فقط، بل لأن هذه الشخصية الآن في سبيلها إلى الإنقراض، وبعد ربع قرن على وجه التحديد سيختفي أولاد البلد من حواري القاهرة والإسكندرية، ومعهم أيضًا سيختفي الترزي العربي والمكوجي الرجل.

الكاتب الصحفي أكرم السعدني الذي أكمل المشوار مع “المعلم رضا” وتمتع بعلاقة وطيدة معه وأولاده وفي مقدمتهم أحمد الابن الأكبر.. والذي قال عنه: “والدي أخذ محمد رضا أوائل الستينيات إلى حارة الفلاحين بشارع الفاتح المتفرع من شارع البحر الأعظم، والتي كانت مقر وسكن كبار المَعلّمين في مصر، مثل الحاج سرور أبو هاشم، الحاج سيد مخمير، الحاج إبراهيم نافع، هذا الرباعي أستقبلوا رضا وقالوا له: (أنت أعظم فنان مثلنا بشكل دمه خفيف، وأنت حبيب الناس وأن خفة دمك هي المفتاح اللي دخلنا به قلوب الناس، لكن يا مَعلّم في علامات مميزة عند المَعلّم لابد أن يظهر بها، مثلا الكرش، لأنه إنسان شبعان في كل حاجة)، فرد عليهم رضا أنه يضع (مخدة)، فقالوا له: (لابد أن يكون كرش طبيعي وياكل فتة وكوارع)”. 

وكون المَعلّمين فرقة على حسابهم، كانت الأولى من نوعها في الوطن العربي، وكانوا رؤساء مجلس إدارتها أطلقوا عليها اسم فرقة “ابن البلد المسرحية”، وكل واحد منهم دفع 100 جنيه لتأسيسها، وقامو بتأجير مسرح “متروبول” و”الجمهورية الخيام”، وحاول رضا ضم عادل إمام إلى الفرقة، لكن الأخير انسحب قبل أن تخرج الأعمال إلى النور، والتي كانت من تأليف الكاتب محمود السعدني، وقام ببطولتها رضا، وكانت 3 أعمال “النصابين، البولوبيف، بين النهدين”.

لكن رضا وإمام إلتقيا فيما بعد في 4 أفلام، هي “حلوة وشقية” عام 1968، ثم في 1974 قدما “البحث عن فضيحة”، وبعد عام اشتركا معا في فيلمان هما “غاوي مشاكل” و”ملك التاكسي”، وفي عام 1985 ظهرا في “زوج تحت الطلب”.

علبة شنبات

وصلت شهرة محمد رضا في أدائه لشخصية “المعلم” إلى درجة أن معظم المخرجين أتفقوا فيما بينهم على تنسيق مواعيد تصويره لكي لا يستعينون بممثل آخر في شخصية “المعلم”، ومن جانبه عمل رضا على نسج شخصياته من خلال معاملاته وصداقته لعدد كبير من المعلمين الذين كان يقابلهم على المقاهي، فكان يدقق في كل التفاصيل، ويفصل بنفسه الملابس و”الجلاليب البلدي” بكل مُتعلِقاتها عند ترزي خاص به، ولا يعتمد على الإنتاج، كما كان حريصاً على تفصيل “السديري” وإرتداء الملابس الداخلية التي يرتديها “المعلمين”، وكان لديه صندوق “شنبات” متنوعة من أشكال الشنبات ليختار الشنب المناسب لكل شخصية.

ورغم ذلك كان رضا يتمنى الخروج من عباءة المعلم ويثبت أن لديه القدرة على التنوع وإتقان أدوار أخرى وقدم في أوائل الستينات أدوارًا مختلفة في مجموعة أعمال بمسرح التليفزيون، ومنها “مطرب العواطف، نمرة 2 يكسب، المفتش العام” وغيرها، وحققت هذه المسرحيات نجاحات كبيرة، وفي مسيرته الفنية قدم دوراً وحيدًا يجسد فيه شخصية شريرة ويعتدى فيه على آثار الحكيم، لكنه لم يحب هذا الدور فلم يكرر هذه التجربة مرة أخرى، لأن الناس اعتادت أن تراه في شخصية “المعلم الجدع”.

الباشمهندس رضا

رضا بكل موهبته الفنية التي أبدع بها في الكثير من الأعمال كانت دراسته في الأساس هي الهندسة، فقد حصل على دبلوم الهندسة التطبيقية العليا عام 1938، وعمل مهندس بترول في مدينة السويس، قبل أن يعمل بالفن، لكنه استقال بعد ذلك، وبعد نصيحة من الفنان توفيق الدقن صديقه الذي كان يبحث معه عن فرصة للتمثيل إلتحقا بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وتخرجا فيه عام 1953، وتتلمذ على يدي يوسف وهبي وزكي طليمات.. رضا كان لديه شغف بالتمثيل منذ سن صغيرة، فقد كون فريق للتمثيل بالمدرسة الإبتدائية، وتقدم لمسابقة نظمتها مجلة “دنيا الفن” لاختيار الوجوه الفنية الجديدة أواخر الثلاثينات، وحصل على المركز الثاني من لجنة التحكيم التي كان أحد أعضائها المخرج الكبير صلاح أبو يوسف.

بدأ رضا حياته الفنية نهاية الأربعينيات، وأثناء دراسته في معهد الفنون المسرحية قام بأدوار صغيرة أغلبها لمفتش المباحث، وبعد فترة فكر في أن يعود للهندسة، وبالفعل بدأ يأخذ الإجراءات في سبيل ذلك، لكن كان من الصعب عودته، وتم رفض إلتماسه، فذهب إلى يوسف وهبي وحكى له ما حدث، ليساعده على الاستمرار في العمل الفني.

الوجه الخفي

من المعروف أن رضا كان يحب نادي “الزمالك” ومتعصب جدا لفريقه الكروي، وفي حالة خسارة الفريق كان يجلس في المنزل فترة ويرفض الخروج، ومن المواقف التي أثرت في نفسيته بشكل كبير، عندما فقد ابنته الوحيدة، التي قضى عليها مرض السرطان، وأضطر يوم وفاتها إلى الذهاب للمسرح، بعد أن رفض أن يتم تأجيل عرض مسرحيته في ذلك الوقت “طب بعدين” مع المخرج السيد راضي.

وبعد مسيرة حافلة وفي اليوم الـ21 من شهر رمضان عام 1995، وبعد انتهاء تصوير إحدى حلقات مسلسل “ساكن قصادي” الذي كان يشارك فيه مع سناء جميل وعمر الحريري وخيرية أحمد، عاد رضا إلى المنزل، وكان ابنه حسين يزوره، وأصر رضا أن يبقى معه ليفطر معه ومع والدته وعبير ابنة ابنته الراحلة، وبعد الإفطار اتصل به صحفي من الإذاعة لإجراء حوار، وأثناء المكالمة نادته حفيدته، فلم يرد، وسقطت السماعة من يده، فصرخت وأسرع ابنه حسين ليجد أن والده فارق الحياة ولفظ أنفاسه الأخيرة.

اقرأ أيضًا : الفن الإسلامي القديم بوابة نجيب محفوظ للعالمية

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة