‎ أحمد فؤاد الدين: لا أكتب إلا عن نفسى
‎ أحمد فؤاد الدين: لا أكتب إلا عن نفسى


‎ أحمد فؤاد الدين: لا أكتب إلا عن نفسي

أخبار الأدب

الثلاثاء، 13 يونيو 2023 - 02:15 م

حوار: أسامة فاروق

مؤخرا أصدر أحمد فؤاد الدين مجموعته القصصية الأولى «مساحة للمناورة» التى وظف فيها خبراته كلها.. دراسته للهندسة وحبه للصحافة وقراءاته المتنوعة ، 16 قصة تبدأ بطفل مسلوب الإرادة، تُشّكَل حياته من قبل آخرين، وتنتهى بآخر يحاول لم شتات أسرته للاحتماء من مجهول قادم، وبينهما يحاول بطل الحكايات إعادة تشكيل ذاته لتتوافق مع العالم والعكس أيضا، ينجح أحيانا ويخفق كثيرا ويصاب بالهوس فى أحيان أخرى لكنه لا يتوقف أبدا عن المحاولة.


هنا نتحدث معه عن المجموعة بالتفصيل..
متى بدأت رحلة الكتابة ومتى انتهت المجموعة ورأيت أنها جاهزة للنشر؟ 
الكتابة بدأت بمجرد الانضمام لجريدة «الدستور» كان عمرى وقتها 19 عاما، تأثرت جدا برواية «مقتل الرجل الكبير» إبراهيم عيسى وقررت أن أكتب رواية مثلها، كنت أرى أن مساحة الأدب السياسى قليلة جدا، لدينا أدب سجون وأدب سياسى لكنه رمزى بالأساس بعكس رواية عيسى - طبعا اختلفت الرؤية لدى الآن - حاولت أن أكتب رواية سياسية بالطريقة نفسها وكتبت حوالى 20 صفحة على ورق دشت اعتبرتها بمثابة الفصل الأول من الرواية.

 

ولكنها بشكل ما وقعت فى يد والدى وقرأها فمزقها وألقى بها من النافذة ، توقفت بعدها عن المحاولة تماما وركزت فى الكتابة للصحافة فقط، واستمر هذا الوضع من 2005 وحتى 2017 تكّون حاجز نفسى بينى وبين الكتابة الأدبية نتيجة هذه الحادثة الصغيرة، كنت أعتبر هذه الأوراق فكرتى الوحيدة وتصورت إنه لن يكون لدى أى أفكار أخرى غيرها ، الآن انظر إليها باعتبارها حادثة بسيطة وغالبا أنا نفسى ربما كنت سألقى بما كتبت من النافذة لكنها كانت مؤثرة وقتها لأنها فُرضت علّى وكنت مجبرا.

اقرأ ايضا

«سينما باب الحديد» .. مشروع متكامل لتطوير متحف هيئة السكة الحديد


مع ولادة ابنى يحى فى 2017 شعرت أن أشياء بداخلى تغيرت وأننى يجب أن أكون شخصا مختلفا، وجدت أن رغبتى فى الكتابة أكبر من الحواجز التى بُنيت من قبل، وبدأت أكتب كل يوم، كتبت جزءاً من رواية والكثير من القصص بأفكار مختلفة، وترجمت كتاباً أيضا سيصدر قريبا اسمه «علم نفس النبوة» يحاول تحليل الأنبياء من خلال علم النفس.  


ومع عزلة الكورونا تصورت أن الوقت المناسب قد جاء لقراءة كل ما أجلته، كل الكتب الكبيرة والصعبة، لكنى لم أقرأ كتابا ولم أكتب حرفا لمدة عام وبضعة أشهر! تأثير تلك الفترة كان أسوأ بكثير مما تخيلت، ساءت حالتى النفسية كثيرا، ووجدت أننى لا أستطيع العيش فى هذه الظروف، عزلت نفسى تماما عن كل الأخبار لأنى لم أعد أستطيع تحمل المزيد من التوتر، بعد هذه الفترة رجعت للكتابة وفوجئت بأننى لا أكتب إلا عنها.. عن الكورونا وتلك الفترة الصعبة! أصبح لدى بعدها ما يشبه المجموعتين، واحدة تضم ما كتبته قبل الكورونا وأخرى بعدها، ثم شعرت أن هناك رابطاً ما يربطهما، فقررت أن تكون مجموعة واحدة لكن بقسمين.


هذا يفسر الانطباع الذى تولده القراءة.. فالقصص الأولى من المجموعة زمنها مفتوح، غير محدد، لكن بداية من المنتصف تقريبا بالتحديد من عند قصة «ليلة الحرية» تظهر كورونا ونستطيع الإمساك بالزمن بل نصبح أمام مجموعة أخرى تجمعها ثيمة الزواج والخيانة، تتفرع وتتسع اقتربا وابتعادا من هذه النقطة ، وإن كان يجمع القصص بالكامل فكرة العزلة والوحدة والخوف بطبيعة الحال.


وعندما أرسلت الكتاب للمحروسة، كان أول سؤال من محرر الدار أحمد وائل هو: لماذا هذا الفصل بين القصص؟ وكان رأيه أن هناك رابطاً واضحاً بين جميع القصص هو العزلة والوحدة لذا فلا داعى لهذا الفصل.

ومع ترتيب القصص شعرت أنها بمثابة دورة حياة، وأنا كقارئ أحب أن يكون للمجموعة تيمة تجمعها. بشكل عام المجموعات القصصية ليست كثيرة وليست مشهورة، ولدى قناعة أن هناك أدباً تجارياً وروايات تجارية لكن القصص لا يمكن أن تكون تجارية، القصص إما جيدة أو سيئة.

 

القصة تحتاج قارئا ذكياً، لذلك جمهورها قليل، كاتب القصة يعطى قارئه تفاصيل محدودة عن العالم ويفترض فيه الفطنة الكافية لإكماله، بل يطلب منه أن يبذل مجهودا لأنه لا يعطى الصورة كاملة.


تفترض فى القارئ الفطنة والذكاء لكن ماذا لو توقف عند الحكاية الظاهرية ، هل يرضيك ذلك؟ فقصص المجموعة ليست بالبساطة الظاهرة، هناك حمولات فلسفية وأفكار أعمق وراء كل حكاية، وبعض القصص لا تبوح بأسرارها من القراءة الأولى وتحتاج لإعادة قراءة. هناك من الكتاب من يزعجه عدم التقاط القارئ للمعانى التى يطرحها فى نصه، عدم إدراك المغزى أو الهدف المخفى غير المعلن..


مستحيل أن أكتب قصة لها بعد واحد، لكن لو توقف القارئ عند البعد الأول فقد تحقق هدفاً مهماً وهو التسلية، وهو الهدف الأول من الأدب. لو القصص ليست مسلية فالكاتب لا يجيد الكتابة ببساطة، وهى وجهة نظرى ولا أتحدث هنا عن غيري.


أتصور أيضا أن القارئ لو قرأ قصة لها أوجه مختلفة ولم يحصّل منها سوى مستوى واحد فإنها ستظل فى وعيه، ومع الوقت فى لحظة ما مع تطور وعيه سيكتشف الأبعاد الأخرى، وهو ما حدث معى بشكل شخصى مع نجيب محفوظ بالتحديد، فعندما أعود لقراءته أنتبه لأشياء لم تلفت انتباهى مع القراءة الأولى، لذلك بالنسبة لى لو توقف القارئ عند المستوى الأول فقد قدمت له الحد الأدنى.. المتعة.


بالمناسبة متى تفكر فى القارئ؟ 
طوال الوقت، يجلس أمامى لأكتب له، أريده أن يستوعب كل الأفكار، وأن يكون كل شيء واضح بالنسبة له، وأتخيل ما يمكن أن يثيره وما يمكن أن يضايقه، وكل عملية تحرير يكون هدفها تبسيط الأمور عليه .

وفى النهاية القارئ الذى أتخيله هو تجميع لأصدقائى أو قرائى الأوائل. المهم هنا أن هذا القارئ المفترض لا يفرض على شىء، لا يضُعف ما أكتبه.


هل كان الفاصل الزمنى بين قصص المجموعة هو المبرر لظهور الأب المهيمن فى البداية ثم اختفائه بعد ذلك أم أن هناك أسباباً أخرى؟ 
هو جزء من السبب بالتأكيد. فالقصص كلها منطلقة من قلق ما، مشاعر ما، فى لحظة معينة. من السهل أن نفكر فى همومنا الداخلية عندما تكون همومنا الخارجية أقل، يكون هناك وقت للغوص فى النفس لفهم المشاكل ويكون من السهل استدعاء مشاكل الماضى أيضا، يحدث هذا عندما يكون المحيط الخارجى أكثر هدوءا، إنما فى وقت الكورونا حدث طغيان للمشاعر الخارجية جعلت فرصة الاستماع لما يحدث داخلى أقل.

وبالتالى مشاكل الأب لن تظهر لأن هناك مشاكل أكبر تحدث فى المحيط الخارجى طغت على التفكير فى المشاعر الداخلية القديمة والمرتبطة بأشياء بعيدة وربما لا تؤثر فى اللحظة الحالية بالشكل الكافي. فى النهاية كل شيء يؤثر لكن بقدر. فى زمن الكورونا كان الكون ينهار وتبدو كنهاية العالم فمن الصعب هنا الغوص فى المشاعر لفهم الماضى، لذا تظل المشاعر الآنية هى الأكثر تأثيرا فى القصص.


قصص المجموعة تتراوح بين الواقعى والفنتازي. فى قصة «حلم اقليدس» تسك مصطلحاً لافتاً وهو «قواعد هندسية للخيال». كيف تختار موضوعاتك وإلى أى حد تلتزم بهذا المصطلح؟ بشكل أوضح: ما حدود الخيال فيما تكتب؟ 
هناك جزء متعلق بمدى معرفتى بما أحكيه، وجزء آخر متعلق بالتقنية التى أريد أن أحكى بها الحكاية. بالنسبة لى الوعى التقنى لا يسبق الكتابة، يحدث أثناء الكتابة وأحيانا بعدها، أنا لا أكتب إلا عن نفسى حتى لو الحكايات تبدو بعيدة جدا عما عشته، أكتب عن المشاعر التى مررت بها أو شاهدتها فى آخرين، وهى أيضا عنى بشكل ما، لأنها تصورى الشخصى عن مشاعر الآخرين، بالتالى كل ما أكتب عنه هو أنا. أما التقنية فقد تأتى بعد انتهاء الكتابة أصلا.


فى قصة «سيموت الآن» تسرد الحدث الواحد بثلاث وجهات نظر. فى مثل هذه النوعية من القصص ما الذى يشغلك.. الموضوع أم التقنية؟ 
التقنية كما قلت لاحقة على الحكاية، ودائما الحكاية هى التى تفرض التقنية، التفكير فى التقنية يفرض إطارا على الحكاية يحجمها ولا يعطيها مساحة للحركة. التقنيات كثيرة جدا والتفكير فيها يعطل، فأيها تختار؟ ولماذا؟ لن تجد الإجابة إلا فى الحكاية نفسها التى تختار تقنيتها.

هذه القصة مثلا كُتبت بطريقة لم أكررها فى أى قصة أخرى بالمجموعة، لدى خوف من النوم أثناء القيادة، فكتبت قصة بسيطة عن هذه الفكرة، كانت سيئة ولم ترضنى فوضعتها جانبا، بعدها بفترة كتبت قصة بفكرة أخرى عن زوجة تكتشف خيانة زوجها يوم وفاته، كانت حزينة لفقد زوجها وغاضبة لاكتشاف خيانته ومضطرة للتفكير فى الوقت الذى تتلقى العزاء فيه، شعرت أيضا أنها ناقصة، ووضعتها فى الملف الذى أجمع فيه القصص التى لم أرض عنها بالكامل بعد، فى لحظة تنوير رأيتهما معا، فدمجتهما وظهر صوت ثالث للعشيقة، تقنية لم أفكر فيها قبل الكتابة، الحكاية هى التى اختارتها. 


تستخدم العامية بشكل موسع فى قصة «أصفر صارخ» وفى كل حوارات المجموعة تقريبا. لماذا كان هذا الاختيار؟
اختيار العامية جاء فى التحرير الأخير للمجموعة ، والاختيار يمكن رده لنجيب محفوظ، كان يقول إنه يقوم بترجمة الحوار وأنه ينتظر من القارئ ترجمة عكسية، وهو شيء مرهق جدا لكنه يتم بموجب اتفاق ضمنى مع القارئ، هو لن يستطيع كتابة الحوار بالعامية والقارئ يعرف تماما ما يقصده رغم كتابته بالفصحى. الآن المسألة أصبحت أسهل وأصبح هناك تقبل لوجود العامية وهناك روايات كُتبت وترجمت للعامية لذلك اخترت أن يكون الحوار بالعامية مباشرة لأن فى الواقع لا تجرى الحوارات بين الناس بالفصحى، ورغم ذلك كنت خائفا من أن يكون مبتزلا أو يضعف من الشكل النهائى للقصص لكن قررت فى النهاية أن أخوض التجربة. 


مساحة المناورة مصطلح هندسى وهناك مصطلحات هندسية أخرى أيضا بالمجموعة إضافة إلى حديث دائم عن المساحات والتشكيلات الهندسية للغرف وتحركات الأبطال داخلها.. هل هو توظيف واعٍ للدراسة أم هو من عمل اللاوعى؟ 
لا، غير مقصود ، إيتالو كالفينو وهو أحد الكتاب المفضلين بالنسبة لى يقول إن الفارق بين الأدباء هو الكتب غير الأدبية التى يقرأونها. أنا فى الأساس محب للعلوم وكانت جزءاً من دراستى فى الكلية التى كنت أحبها ولم يكن لدى مشكلة معها، فهم وإدراك العلوم يخلق منطقية فى التفكير تصلح للتطبيق فى كل شيء بما فيها الأدب، وإدراك الأدب جزء منه يأتى من إدراك العلوم، الوعى يتشكل بأى علوم سواء إنسانية أو طبيعية، كلاهما يقود لنفس النتيجة، هى فى النهاية محاولة لخلق منطق وإطار للعالم.


بالمناسبة يبدو أثر القراءة واضحا فى المجموعة وهى قراءات متنوعة خارج حدود الأدب. ماذا تقرأ؟ ما الذى يعجبك ومتى تقرر توظيفه فى الكتابة؟
أنا أقرأ بطريقة ربما تكون مزعجة للبعض ، أقرأ المشروع الكامل للكاتب لا كتاب واحد له. وأحاول أن أقرأ ما كُتب عنه، وأقرأ كتبه المهمة فى النهاية، فقراءة العمل الأشهر لكاتب ربما تعطل قراءة باقى أعماله، أنا لا أهتم فقط بقراءة الأعمال الجيدة ولا الممتازة أنا مهتم جدا بأن أفهم كيف تتشكل الأعمال فى ذهن الكتاب المتميزين، ووصلت لاستنتاج ربما يكون بدائياً وبسيطاً جدا هو أن أى كاتب مهم ومميز لديه سؤال واحد فقط، يقال إن الرسام يرسم لوحة واحدة طوال حياته، والمنطق نفسه ينطبق على الأدب.


أحاول دائما أن أكسر هذا المشروع بقراءة الكتب العلمية فى كل التخصصات، التكنولوجيا العمارة، الفيزياء، الفلسفة، خصوصا بعد انتشار ما يعرف بالعلوم الشعبية أو محاولة تبسيط العلوم لغير الممتهنين بالعلوم، كتب تتيح لغير المتخصصين القراءة فى هذه المجالات، ونحن نحتاج لترجمة هذا النوع من الكتب لأن المترجم منها قليل للغاية للأسف. أقرأ هذه الكتب بغرض الترفيه لأنها ممتعة بنفس القدر الموجود فى الأدب الجميل، رحلة الوصول لنظرية معينة مثلا تجربة شديدة الجمال. 


قراءة الأدب الروسى بالتحديد تظهر بوضوح أيضا فى المجموعة..
الأدب الروسى ممتع ومذهل.. عالم كامل مكتفٍ بذاته، يمكن أن تبدأ حياتك وتنهيها مع الأدب الروسى فقط، وستكون مستمتعاً جدا ولن يفوتك شيء، لا أعرف العامل الذى أوصل هذا البلد لإخراج هذا الكم من الكُتاب بهذا الشكل وفى هذا الوقت القصير. يمكن ألا أقرأ أى أعمال أخرى سوى «المعلم ومارجريتا» مثلا رغم أنها لم تكتب فى الحقبة الذهبية وأعتقد أنها يمكن أن تُدّرس فى كل جوانب الكتابة.


وهناك شىء مهم أيضا فى الأدب الروسى، فأنا أشعر أنه أدب شرقى بشكل ما، الحكاية أقرب للأدب الشرقى منها للشكل التقنى للأدب الغربى أو الأوروبى، فصحيح أن الرواية ظهرت فى أوروبا لكن الحكاية موجودة فى العالم كله، الفراعنة حكوا الحكايات، الحكاية هى ذاكرة الحضارة كما قال الفيلسوف الألمانى يان آسمان، الأفراد يحتفظون بأفكارهم عن أنفسهم من خلال الحكايات فتظهر الأساطير وهى تصورهم عن حياتهم التى لم تحدث، والرواية شكل تقنى لكتابة الحكاية.


ما تفسيرك لغياب الثورات والأحداث السياسية عن المجموعة رغم قربها وهيمنتها أحيانا؟
بعد مرور كل هذا الوقت لم أدرك بعد كل ما حدث، ولا أعتقد أن أى كتابة عن الثورة ستكون مدركة لما حدث فعلا، وقناعاتى الشخصية أن الكتابة عنها أدبيا يمكن أن تحدث بعد 20 عاما على الأقل، لأن مثل هذه الأحداث تأخذ الكثير من الوقت حتى ندرك أثرها على الأفراد وعلى المجتمع ككل ، والثورة أكبر منى والأحداث التى جرت أكبر من قدرة عقلى على استيعابها. الكورونا كان لها أثر وقتى واضح علىّ وعززت مشاعر كانت موجودة قبلها هى الوحدة والقلق، لكن الثورة أثارت مشاعر مركبة لا أستطيع الكتابة عنها حاليا.


يقول بطل «خط مستقيم متعرج» الحائر بين أخطاء المجتمع وصوابه الشخصى: أشعر بالاغتراب والوحدة. والقصة عن الاغتراب والوحدة بل المجموعة بالكامل. لماذا؟ ما الذى تمثله لك هذه الأفكار؟ 
الإنسان بطبيعته كائن اجتماعى، الحالات الفردية التى يفضل فيها شخص ما البقاء فى عزلة تكون فى الغالب ارتداد على المجتمع، يكون لديه صدمه أو سبب شخصى، لكننا نزدهر بتجاوب الآخرين، نجاحنا مرتبط بتقدير الآخرين، كلما زاد تواجدنا فى المجتمع زاد إحساسنا بقيمتنا. الوحدة مزعجة رغم أنها توفر للإنسان فرصة للتعرف على نفسه بشكل أفضل، فنحن لا نعرف أن نفكر وسط مجموعة، لكن لو اكتفينا بالانعزال فلن نستطيع أيضا استخدام الأفكار فى شىء. 


باختصار أنا أخاف من الوحدة جدا، لكنها مرغوبة رغم كونها ليست شيئا جميلا لأنها تعطينى مساحة للتفكير ولتطوير نفسى ولولاها لما تحركت خطوة للأمام لكن لولا المجتمع أيضا لما تمكنت من استخدام هذا التطور واختباره. لذلك اربكتنى الكورونا لأنها كانت إجباراً على العزلة.


أشرت فى نهاية المجموعة إلى مشاركتك فى ورشة للكتابة مع الكاتب محمد عبد النبي. البعض يعارض فكرة الورش على اعتبار أن الكتابة موهبة لا يمكن تعلمها.. كيف ترى المسألة؟ 
أى حديث عن الأدب ممتع بالنسبة لي. لذا أجد فى الورش الأدبية فرصة لتبادل الخبرات. وأرى أن كل شخص لديه فرصة واحدة على الأقل لرواية حكاية عظيمة. فكل شخص لديه تجربة مختلفة عن الآخر، وعندما يجتمع مع أخرين نرى وجهات نظر مختلفة ومتباينة وربما يقودك تعليق بسيط جدا للرؤية بشكل مغاير تماما. صحيح أن الورشة لا تخلق الكاتب لكن تجعله أكثر إدراكا للحرفة، فالتقنية يمكن تعلمها، ومن الورش يمكن كتابة أدب تجارى على الأقل. بشكل شخصى الكلام عن الأدب يحفزنى، ومستعد أن أحضر ورش الكتابة طوال حياتى، أريد أن أعرف دائما كيف يفكر الناس فى الكتابة والأدب. 


أشرت أيضا لمحررك. من أول من يقرأ مسودات أعمالك؟ وكيف تتقبل التعديلات ووجهات النظر؟  
أضع أمامى فى منزلى قصيدة «الأرض اليباب» لـ ت. س. إليوت. تلك القصيدة التى يعتبرها النقاد الأهم فى القرن العشرين. أحب هذه القصيدة جدا. كنت أقرأ عنها ذات مرة ووجدت تعديلات عزرا باوند على القصيدة وهو صديق إليوت. رأيت ملاحظاته بخط يده، شطب على صفحات بكاملها ووضع ملاحظات قد تبدو قاسية وعنيفة جدا. وظهرت القصيدة بعد ذلك بمعظم هذه الملاحظات وظل الثنائى أصدقاء للنهاية. فإذا كان ت. س. إليوت تقبل التعديل على كتابته فلن أتقبلها أنا؟! 


الكتابة تبدأ عندى من الفكرة، تأتينى فلا أكتبها كملاحظة ولا أدون أى شيء حولها، اختزنها فقط فى ذاكرتى، إذا نسيتها فهى ليست فكرة جيدة، وإذا ظلت موجودة فمن المحتمل أن يخرج منها شيء، تظل تشغلنى إلى أن أصل لمفتاحها، وليس بالضرورة أن تكون القصة مكتملة، ربما يكون فقط مشهداً فى البداية أو النهاية أو مشاعر معينة، وقتها أبدأ الكتابة ولا تستغرق وقتا، لكن التحرير هو الأصل فى الكتابة عندى. 


المجموعة التى تقرأ ما أكتبه قبل النشر مختلفة ومتنوعة، منهم المهتمون بالأدب ومنهم محترفو الأدب ومن لا علاقة له بالأدب، ورأيهم جميعا مهم بالنسبة لى بالقدر نفسه.
- تسأل فى قصة «وصفة لا أتقنها»: أليست الكتابة استعادة للذاكرة؟ وتقول فى القصة التى تليها مباشرة «الخوف من التذكر» متشككا: أكتب لأتذكر أو لأنسى. نريد هنا إجابة قاطعة.. 


الكتابة فيها فعل التذكر وفيها النسيان. عندما تكتب فجزء من العقل يطمئن أن الحدث قد حفظ فى مكان آخر فلا يفكر فيه ووقتها تتاح مساحة للعمل على فكرة جديدة. أما الحدث القديم فكتابته تعنى استدعاؤه أى تذكره. القصص التى كتبتها باستدعاء مشاعر قديمة كنت أكتئب جدا بعد كتابتها، الناس تفترض أن الكتابة تخرج طاقة ومشاعر ليكون الإنسان أفضل بعدها، لذا تستخدم كعلاج نفسى أحيانا، أن تكتب المشاعر فتستطيع أن تتخطاها، لكنها كانت تفعل العكس معى، ترجعنى للنقطة التى لم أكن أفكر فيها. لذا فالكتابة بالنسبة لى تفعل الشيئين فعلا التذكر والنسيان.


ما الجديد لديك؟
انتهيت من رواية صغيرة ستصدر فى نهاية العام. وأعمل على مجموعة تحدث فى مصر الفرعونية، بدون الكلام عن الملوك والقصص المعروفة، أحاول الكتابة عن مشاكل الإنسان العادى فى تلك الفترة وهو مشروع مرهق ويتطلب قراءات عديدة ومختلفة ودقيقة جدا. لدى طموح للانتهاء منها خلال عام وهى مشروعى الوحيد حاليا. 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة