النصاب
رجل أنيق تخصص فى الاحتيال على السياح عام 1970
جناب السفير.. نصاب!
الخميس، 15 يونيو 2023 - 12:31 م
أحمد الجمَّال
قبل نحو 53 عامًا نشرت اآخرساعةب تقريرًا أعده الكاتب الصحفى الراحل رأفت بطرس، كشف فيه لغز الرجل الأنيق الذى تخصص فى النصب والاحتيال على السائحين الأجانب.. وفى السطور التالية نعيد نشر التقرير بتصرف محدود:
صاحب هذه الصورة اسمه: جناب السفير.. ولكنه نصّاب! وقد يكون طبيبًا أو خبيرًا أو محاميًا فى أحيان أخرى.. وهكذا يقدِّم نفسه للسيّاح الأجانب، وعن طريق الأناقة والابتسامة الدبلوماسية يتحوَّل السائحون إلى ضحايا، فليس الطبيب أو السفير المزعوم سوى نصاب تخصَّص فى الإيقاع بالسياح.
إن رزق الله سليم رزق الله يحمل على كتفيه 35 سابقة، وكلها قضايا نصب على السائحين، وتحمل له إدارة الأمن العام ملفًا أسود عن نشاطه الخطير عليه كلمة اخطرب. ووجود هذا الشخص خارج أسوار السجن معناه مزيدًا من عمليات النصب على السياح، وإساءة سمعة البلاد.
إن عملياته البارعة تبدأ بجملته المعروفة: بأنا الطبيب البارع الذى مثَّل مصر فى عدة مؤتمرات دولية.. وأنا الخبير الاقتصادى الدولى الذى أخطط مستقبل بلادي.. وأنا المحامى المشهور الذى شهدت بكفاءته المحاكم.. وأنا سفير مصر فى أديس أبابا وأحد رجال السلك الدبلوماسى البارزين.. وأنا ـ أخيرًا ـ رزق الله سليم رزق الله وشهرتى المطيعى ملك النصب على السياحب.
أناقة ودبلوماسية
عندما رأيته اعتقدتُ تمامًا بأنى أخطأت طريقى ولا يمكن أن يكون الرجل الأنيق ذو الابتسامة الدبلوماسية والخطوات الثابتة هو النصاب الخطير الذى أبحث عنه.. وبعصبية سألني: من أنت؟ ولماذا حضرت؟ وأجبت بصوت خافت: أنا زائر جئت لزيارة أحد الضبّاط.
وعاد يحوطنى بنظراته الشاذة ويخبرنى بأنه يعلم جيدًا ويفهم الشخص الذى أمامه وكيف يتصرف معه. ولم يخلصنى منه إلا حضور رجال المباحث ليبدأوا استجوابه فى اتهام جديد.
كان أمامهم دوسيه ضخم مكتوب عليه بالحبر الأحمر اخطرب، ومدوّنٌ عليه البيانات الآتية: الاسم: رزق الله سليم رزق الله وشهرته المطيعي.. تاريخ الميلاد: 15 يونيو 1925 الفيوم.. محل الإقامة: شارع رمسيس ولوكاندة أسوان.. المهنة: مزارع.. بطاقة رقم 7792 سجل مدنى الأزبكية.. الأسلوب الإجرامي: نصب.. رقم التسجيل: 8267 لعام 1964.. الاتهامات: 35 قضية جميعها نصب على السياح الأجانب.
اتهامات واحدة
اتهامات رزق الله سليم كلها واحدة.. اتهامات نصب وضحاياه أيضًا جميعهم من فئة واحدة هى السياح الأجانب.. وقصة النصب أيضًا واحدة لا تتغيّر. يرتدى رزق الله ملابسه الفاخرة.. البدلة الأنيقة ذات اللون الغامق والكارفت الأرجانس الفاخرة والساعة الأوميجا الذهبية والخاتم الماسى الذى يبهر الأنظار.
يدخل الرجل الشيك اللوكاندة ويتوجه فورًا إلى البار فهو بخبرته يعلم جيدًا أن جالسى البار أكثرهم من طالبى الدردشة مع أى شخص.. وفى ثبات يجلس ويطلب كؤوس الويسكي.. كأسًا وراء الأخرى.
وبنظرة فاحصة يكتشف ضحيته.. لا بُد أن يكون أحد السياح الأجانب الذين يزورون القاهرة، ويبدأ فى جره فى حديث عن الطقس ومعالم القاهرة وآخر أفلام السينما.. إلخ.
وبسرعة يندمج معه السائح، ويجده حلو الحديث متفتح الذهن فيسأله: أريد أن أتعرّف عليك، فيقدم رزق الله نفسه فى ثبات: أنا الطبيب فلان.. أو الخبير فلان.. أو سفير مصر.. أو.. أو.. أو.. كلها مناصب براقة.
ومرة أخرى ينخدع السائح فى الشخص الذى أمامه فهو يتكلم اللغات الأجنبية بطلاقة ويرتدى أفخر الملابس.. وبعد فترة بسيطة يكون السائح ورزق الله قد أصبحا صديقين ويصر رزق الله على دعوة السائح إلى كأس من الويسكى ليشربا معًا نخب الصداقة الجديدة.
حديث عن العملة
ويتطرّق الحديث وبعد أن كان عن الطقس والأفلام ينحرف إلى العملة الصعبة وسعرها وأن فى استطاعته أن يخدم صديقه الجديد ويبيع له عملاته الأجنبية بضعف سعرها الرسمي.. وينخدع السائح فى صديقه الشيك ويعطيه ما معه.. ويسرع رزق الله حاملًا العملات الأجنبية بحجة بيعها لصديقه على أن يعود بعد دقائق.
وتمر الدقائق والساعات والسائح جالس ينتظر صديقه ولكن دون جدوى، ويتضح له أن صديقه اللطيف ما هو إلا نصّاب خطير. ويعود السائح إلى بلده ليحكى هناك كيف أنه تعرّف على طبيب أو خبير أو سفير مصرى على حسب الأحوال ـ وأنه غافله وسرق ما معه من نقود.
السهرة الحمراء
ويخرج رزق الله سليم مرة أخرى ليبدأ جولته فى الشارع بحثًا عن ضحية جديدة. وأمام محلات بيع العاديات الشرقية يستطيع بسهولة أن يجد صيده ويبدأ معه الحديث عن المصنوعات الشرقية وأسعارها، وينتهى بهما المقام فى أحد الكازينوهات النيلية.. وهناك يعرض رزق الله على السائح أن يدعوه إلى قضاء سهرة شرقية يرى فيها سحر الشرق وطعامه الشهي. يوافق الأجنبى على دعوة صديقه الأنيق ذى المنصب الرفيع.
وفى الموعد المحدّد يتقابل الصديقان ليذهبا إلى إحدى الشقق الموجودة فى الأزقة الضيقة.. وداخلها يجد إحدى النسوة الساقطات فى انتظارهما.. وطبعا تبدأ السهرة باحتساء أردأ أنواع الخمر، وتنتهى بأن تعرض المرأة جسدها الرخيص على الأجنبى إمعانًا فى كرمه.
وفى نهاية السهرة يخرج الصديقان من الأزقة الضيقة ويستقلان اتاكسيب وفى الطريق يستأذن رزق الله من صديقه بحجة أنه على موعد عام ويترك السائح بعد أن تكون حافظة نقوده قد اختفت لتستقر فى جيب رزق الله! ويرجع السائح لبلده وهو يلعن ذلك اليوم الذى تعرف فيه على ذلك الرجل.
الزبون الدائم
وفى هذا الأسبوع دخل السائح الكندى الجنسية تايلور، مكتب العميد عباس شاكر مدير الشرطة السياحية ليشكو له من تصرف اسفير مصر فى أديس أباباب، فقد نصب عليه واستولى على عشرين جنيهًا منه بعد أن أعطاه أربع سلاسل على أنها ذهبية ثم اتضح أنها مزيفة.
واهتم العميد عباس شاكر بهذا البلاغ الغريب، فقد تأكد أن السائح قد وقع فى حبائل أحد النصابين البارعين. وعلى الفور كلف الرائد غالب إبراهيم والنقيب أحمد أبوطالب ضابطى المباحث لبحث البلاغ وضبط النصاب.
وأمام رجال المباحث جلس السائح الكندى يحكى قصته: كنت أسير فى ميدان التحرير عندما لاحظت رجلًا أنيقًا يمشى بجواري، وعندما وقفت لأعبر الطريق ابتســــــــــــم الرجل الأنيق وقال لي: أظن أن الشمس عندنا جميلة، فرددت عليه: بل رائعة، إن بلدكم عظيم وجوه رائع.. ورد عليّ: نرحب بك فى عروس الشرق.
وأضاف السائح: وتطور الحديث بيننا فدعانى لتناول الشاى فى كازينو قصر النيل، ولما لبيت الدعوة جلسنا نتجاذب الحديث فعرّفنى بنفسه بأنه اسفير مصر فى أديس أباباب، وأنه يقضى إجازته السنوية قبل أن يعود لمقر عمله.. وبدأ يسألنى عن الأماكن التى زرتها فى القاهرة، ولمّا علم أننى لم أزر خان الخليلى بعد، أصر على دعوتى لتناول الغداء هناك.. استقللنا تاكسى وذهبنا لخان الخليلي، وبعد جولة سريعة دعانى إلى الغداء، وهناك أخرج لى أربع سلاسل ذهبية وطلب منى أن أقبلها هدية منه، ولما حاولت الاعتذار أصر على إعطائى هديته فإنها واجب عليه بصفته شرقيًا والشرقيون يشتهرون بالكرم.
وأثناء عودتنا تظاهر بأنه ليس معه نقود وطلب منى أن أقرضه عشرين جنيهًا على أن يسددها لى باكرًا عندما يتصل بى تليفونيًا ليدعونى إلى سهرة شرقية، وطبعًا انخدعت فى مظهره وأعطيته النقود، ولما رجعت إلى اللوكاندة أخبرت موظفى اللوكاندة بقصة معرفتى ابسفير مصر فى أديس أباباب، وعرضتُ عليهم هداياه فأخبرونى بأنها مزيفة!
واختتم السائح الأجنبى أقواله بأن السفير اتصل به باكرًا تليفونيًا ليدعوه لسهرة شرقية.. وفى الموعد المحدد التقيا فى اجروبيب، وعندما دخل السائح وجده فى انتظاره.. وجد رزق الله ومعه إحدى الساقطات، وجلس السائح معهما، وفى ثوانٍ كان الرائد غالب إبراهيم والنقيب أحمد أبو طالب ينقضان عليه.
وبُهِت السائح وطلب من رئيس المباحث أن يتأكدا من أنه ليس سفير مصر، فمظهره أمام السائح لا يدل إطلاقًا على أنه نصاب، ولكن ضابطى المباحث أفهما السائح أنه نصّاب خطير وأنه زبون دائم فى شرطة السياحة.ورجع الجميع من اجروبيب إلى مكتب شرطة السياحة لتقييد جنحة نصب جديدة ضد الوجيه النصاب رزق الله سليم رزق الله!
اقرأ أيضًا : كنوز| منيرة صبري أول رئيسٍ لحركة المرشدات المصريات
(اآخرساعةب 28 يناير 1970)
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة