النصاب
النصاب


رجل أنيق تخصص فى الاحتيال على السياح عام 1970

جناب السفير.. نصاب!

آخر ساعة

الخميس، 15 يونيو 2023 - 12:31 م

أحمد‭ ‬الجمَّال

قبل‭ ‬نحو‭ ‬53‭ ‬عامًا‭ ‬نشرت‭ ‬اآخرساعةب‭ ‬تقريرًا‭ ‬أعده‭ ‬الكاتب‭ ‬الصحفى‭ ‬الراحل‭ ‬رأفت‭ ‬بطرس،‭ ‬كشف‭ ‬فيه‭ ‬لغز‭ ‬الرجل‭ ‬الأنيق‭ ‬الذى‭ ‬تخصص‭ ‬فى‭ ‬النصب‭ ‬والاحتيال‭ ‬على‭ ‬السائحين‭ ‬الأجانب‭.. ‬وفى‭ ‬السطور‭ ‬التالية‭ ‬نعيد‭ ‬نشر‭ ‬التقرير‭ ‬بتصرف‭ ‬محدود‭:‬

صاحب‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬اسمه‭: ‬جناب‭ ‬السفير‭.. ‬ولكنه‭ ‬نصّاب‭! ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬طبيبًا‭ ‬أو‭ ‬خبيرًا‭ ‬أو‭ ‬محاميًا‭ ‬فى‭ ‬أحيان‭ ‬أخرى‭.. ‬وهكذا‭ ‬يقدِّم‭ ‬نفسه‭ ‬للسيّاح‭ ‬الأجانب،‭ ‬وعن‭ ‬طريق‭ ‬الأناقة‭ ‬والابتسامة‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬يتحوَّل‭ ‬السائحون‭ ‬إلى‭ ‬ضحايا،‭ ‬فليس‭ ‬الطبيب‭ ‬أو‭ ‬السفير‭ ‬المزعوم‭ ‬سوى‭ ‬نصاب‭ ‬تخصَّص‭ ‬فى‭ ‬الإيقاع‭ ‬بالسياح‭.‬

إن‭ ‬رزق‭ ‬الله‭ ‬سليم‭ ‬رزق‭ ‬الله‭ ‬يحمل‭ ‬على‭ ‬كتفيه‭ ‬35‭ ‬سابقة،‭ ‬وكلها‭ ‬قضايا‭ ‬نصب‭ ‬على‭ ‬السائحين،‭ ‬وتحمل‭ ‬له‭ ‬إدارة‭ ‬الأمن‭ ‬العام‭ ‬ملفًا‭ ‬أسود‭ ‬عن‭ ‬نشاطه‭ ‬الخطير‭ ‬عليه‭ ‬كلمة‭ ‬اخطرب‭. ‬ووجود‭ ‬هذا‭ ‬الشخص‭ ‬خارج‭ ‬أسوار‭ ‬السجن‭ ‬معناه‭ ‬مزيدًا‭ ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬النصب‭ ‬على‭ ‬السياح،‭ ‬وإساءة‭ ‬سمعة‭ ‬البلاد‭.‬

إن‭ ‬عملياته‭ ‬البارعة‭ ‬تبدأ‭ ‬بجملته‭ ‬المعروفة‭: ‬بأنا‭ ‬الطبيب‭ ‬البارع‭ ‬الذى‭ ‬مثَّل‭ ‬مصر‭ ‬فى‭ ‬عدة‭ ‬مؤتمرات‭ ‬دولية‭.. ‬وأنا‭ ‬الخبير‭ ‬الاقتصادى‭ ‬الدولى‭ ‬الذى‭ ‬أخطط‭ ‬مستقبل‭ ‬بلادي‭.. ‬وأنا‭ ‬المحامى‭ ‬المشهور‭ ‬الذى‭ ‬شهدت‭ ‬بكفاءته‭ ‬المحاكم‭.. ‬وأنا‭ ‬سفير‭ ‬مصر‭ ‬فى‭ ‬أديس‭ ‬أبابا‭ ‬وأحد‭ ‬رجال‭ ‬السلك‭ ‬الدبلوماسى‭ ‬البارزين‭.. ‬وأنا‭ ‬ـ‭ ‬أخيرًا‭ ‬ـ‭ ‬رزق‭ ‬الله‭ ‬سليم‭ ‬رزق‭ ‬الله‭ ‬وشهرتى‭ ‬المطيعى‭ ‬ملك‭ ‬النصب‭ ‬على‭ ‬السياحب‭.‬

أناقة‭ ‬ودبلوماسية

عندما‭ ‬رأيته‭ ‬اعتقدتُ‭ ‬تمامًا‭ ‬بأنى‭ ‬أخطأت‭ ‬طريقى‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الرجل‭ ‬الأنيق‭ ‬ذو‭ ‬الابتسامة‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬والخطوات‭ ‬الثابتة‭ ‬هو‭ ‬النصاب‭ ‬الخطير‭ ‬الذى‭ ‬أبحث‭ ‬عنه‭.. ‬وبعصبية‭ ‬سألني‭: ‬من‭ ‬أنت؟‭ ‬ولماذا‭ ‬حضرت؟‭ ‬وأجبت‭ ‬بصوت‭ ‬خافت‭: ‬أنا‭ ‬زائر‭ ‬جئت‭ ‬لزيارة‭ ‬أحد‭ ‬الضبّاط‭.‬

وعاد‭ ‬يحوطنى‭ ‬بنظراته‭ ‬الشاذة‭ ‬ويخبرنى‭ ‬بأنه‭ ‬يعلم‭ ‬جيدًا‭ ‬ويفهم‭ ‬الشخص‭ ‬الذى‭ ‬أمامه‭ ‬وكيف‭ ‬يتصرف‭ ‬معه‭. ‬ولم‭ ‬يخلصنى‭ ‬منه‭ ‬إلا‭ ‬حضور‭ ‬رجال‭ ‬المباحث‭ ‬ليبدأوا‭ ‬استجوابه‭ ‬فى‭  ‬اتهام‭ ‬جديد‭.‬

كان‭ ‬أمامهم‭ ‬دوسيه‭ ‬ضخم‭ ‬مكتوب‭ ‬عليه‭ ‬بالحبر‭ ‬الأحمر‭ ‬اخطرب،‭ ‬ومدوّنٌ‭ ‬عليه‭ ‬البيانات‭ ‬الآتية‭: ‬الاسم‭: ‬رزق‭ ‬الله‭ ‬سليم‭ ‬رزق‭ ‬الله‭ ‬وشهرته‭ ‬المطيعي‭.. ‬تاريخ‭ ‬الميلاد‭: ‬15‭ ‬يونيو‭ ‬1925‭ ‬الفيوم‭.. ‬محل‭ ‬الإقامة‭: ‬شارع‭ ‬رمسيس‭ ‬ولوكاندة‭ ‬أسوان‭.. ‬المهنة‭: ‬مزارع‭.. ‬بطاقة‭ ‬رقم‭ ‬7792‭ ‬سجل‭ ‬مدنى‭ ‬الأزبكية‭.. ‬الأسلوب‭ ‬الإجرامي‭: ‬نصب‭.. ‬رقم‭ ‬التسجيل‭: ‬8267‭ ‬لعام‭ ‬1964‭.. ‬الاتهامات‭: ‬35‭ ‬قضية‭ ‬جميعها‭ ‬نصب‭ ‬على‭  ‬السياح‭ ‬الأجانب‭.‬

اتهامات‭ ‬واحدة

اتهامات‭ ‬رزق‭ ‬الله‭ ‬سليم‭ ‬كلها‭ ‬واحدة‭.. ‬اتهامات‭ ‬نصب‭ ‬وضحاياه‭ ‬أيضًا‭ ‬جميعهم‭ ‬من‭ ‬فئة‭ ‬واحدة‭ ‬هى‭ ‬السياح‭ ‬الأجانب‭.. ‬وقصة‭ ‬النصب‭ ‬أيضًا‭ ‬واحدة‭ ‬لا‭ ‬تتغيّر‭. ‬يرتدى‭ ‬رزق‭ ‬الله‭ ‬ملابسه‭ ‬الفاخرة‭.. ‬البدلة‭ ‬الأنيقة‭ ‬ذات‭ ‬اللون‭ ‬الغامق‭ ‬والكارفت‭ ‬الأرجانس‭ ‬الفاخرة‭ ‬والساعة‭ ‬الأوميجا‭ ‬الذهبية‭ ‬والخاتم‭ ‬الماسى‭ ‬الذى‭ ‬يبهر‭ ‬الأنظار‭.‬

يدخل‭ ‬الرجل‭ ‬الشيك‭ ‬اللوكاندة‭ ‬ويتوجه‭ ‬فورًا‭ ‬إلى‭ ‬البار‭ ‬فهو‭ ‬بخبرته‭ ‬يعلم‭ ‬جيدًا‭ ‬أن‭ ‬جالسى‭ ‬البار‭ ‬أكثرهم‭ ‬من‭ ‬طالبى‭ ‬الدردشة‭ ‬مع‭ ‬أى‭ ‬شخص‭.. ‬وفى‭ ‬ثبات‭ ‬يجلس‭ ‬ويطلب‭ ‬كؤوس‭ ‬الويسكي‭.. ‬كأسًا‭ ‬وراء‭ ‬الأخرى‭.‬

وبنظرة‭ ‬فاحصة‭ ‬يكتشف‭ ‬ضحيته‭.. ‬لا‭ ‬بُد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أحد‭ ‬السياح‭ ‬الأجانب‭ ‬الذين‭ ‬يزورون‭ ‬القاهرة،‭ ‬ويبدأ‭ ‬فى‭ ‬جره‭ ‬فى‭ ‬حديث‭ ‬عن‭ ‬الطقس‭ ‬ومعالم‭ ‬القاهرة‭ ‬وآخر‭ ‬أفلام‭ ‬السينما‭.. ‬إلخ‭.‬

وبسرعة‭ ‬يندمج‭ ‬معه‭ ‬السائح،‭ ‬ويجده‭ ‬حلو‭ ‬الحديث‭ ‬متفتح‭ ‬الذهن‭ ‬فيسأله‭: ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أتعرّف‭ ‬عليك،‭ ‬فيقدم‭ ‬رزق‭ ‬الله‭ ‬نفسه‭ ‬فى‭ ‬ثبات‭: ‬أنا‭ ‬الطبيب‭ ‬فلان‭.. ‬أو‭ ‬الخبير‭ ‬فلان‭.. ‬أو‭ ‬سفير‭ ‬مصر‭.. ‬أو‭.. ‬أو‭.. ‬أو‭.. ‬كلها‭ ‬مناصب‭ ‬براقة‭.‬

ومرة‭ ‬أخرى‭ ‬ينخدع‭ ‬السائح‭ ‬فى‭ ‬الشخص‭ ‬الذى‭ ‬أمامه‭ ‬فهو‭ ‬يتكلم‭ ‬اللغات‭ ‬الأجنبية‭  ‬بطلاقة‭ ‬ويرتدى‭ ‬أفخر‭ ‬الملابس‭.. ‬وبعد‭ ‬فترة‭ ‬بسيطة‭ ‬يكون‭ ‬السائح‭ ‬ورزق‭ ‬الله‭ ‬قد‭ ‬أصبحا‭ ‬صديقين‭ ‬ويصر‭ ‬رزق‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬دعوة‭ ‬السائح‭ ‬إلى‭ ‬كأس‭ ‬من‭ ‬الويسكى‭ ‬ليشربا‭ ‬معًا‭ ‬نخب‭ ‬الصداقة‭ ‬الجديدة‭.‬

حديث‭ ‬عن‭ ‬العملة

ويتطرّق‭ ‬الحديث‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬عن‭ ‬الطقس‭ ‬والأفلام‭ ‬ينحرف‭ ‬إلى‭ ‬العملة‭ ‬الصعبة‭ ‬وسعرها‭ ‬وأن‭ ‬فى‭ ‬استطاعته‭ ‬أن‭ ‬يخدم‭ ‬صديقه‭ ‬الجديد‭ ‬ويبيع‭ ‬له‭ ‬عملاته‭ ‬الأجنبية‭ ‬بضعف‭ ‬سعرها‭ ‬الرسمي‭.. ‬وينخدع‭ ‬السائح‭ ‬فى‭ ‬صديقه‭ ‬الشيك‭ ‬ويعطيه‭ ‬ما‭ ‬معه‭.. ‬ويسرع‭ ‬رزق‭ ‬الله‭ ‬حاملًا‭ ‬العملات‭ ‬الأجنبية‭ ‬بحجة‭ ‬بيعها‭ ‬لصديقه‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬بعد‭ ‬دقائق‭.‬

وتمر‭ ‬الدقائق‭ ‬والساعات‭ ‬والسائح‭ ‬جالس‭ ‬ينتظر‭ ‬صديقه‭ ‬ولكن‭ ‬دون‭ ‬جدوى،‭ ‬ويتضح‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬صديقه‭ ‬اللطيف‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬نصّاب‭ ‬خطير‭. ‬ويعود‭ ‬السائح‭ ‬إلى‭ ‬بلده‭ ‬ليحكى‭ ‬هناك‭ ‬كيف‭ ‬أنه‭ ‬تعرّف‭ ‬على‭ ‬طبيب‭ ‬أو‭ ‬خبير‭ ‬أو‭ ‬سفير‭ ‬مصرى‭  ‬على‭ ‬حسب‭ ‬الأحوال‭ ‬ـ‭ ‬وأنه‭ ‬غافله‭ ‬وسرق‭ ‬ما‭ ‬معه‭ ‬من‭ ‬نقود‭.‬

السهرة‭ ‬الحمراء

ويخرج‭ ‬رزق‭ ‬الله‭ ‬سليم‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬ليبدأ‭ ‬جولته‭ ‬فى‭ ‬الشارع‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬ضحية‭ ‬جديدة‭. ‬وأمام‭ ‬محلات‭ ‬بيع‭ ‬العاديات‭ ‬الشرقية‭ ‬يستطيع‭ ‬بسهولة‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬صيده‭ ‬ويبدأ‭ ‬معه‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬المصنوعات‭ ‬الشرقية‭ ‬وأسعارها،‭ ‬وينتهى‭ ‬بهما‭ ‬المقام‭ ‬فى‭ ‬أحد‭ ‬الكازينوهات‭ ‬النيلية‭.. ‬وهناك‭ ‬يعرض‭ ‬رزق‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬السائح‭ ‬أن‭ ‬يدعوه‭ ‬إلى‭ ‬قضاء‭ ‬سهرة‭ ‬شرقية‭ ‬يرى‭ ‬فيها‭ ‬سحر‭ ‬الشرق‭ ‬وطعامه‭ ‬الشهي‭. ‬يوافق‭ ‬الأجنبى‭ ‬على‭ ‬دعوة‭ ‬صديقه‭ ‬الأنيق‭ ‬ذى‭ ‬المنصب‭ ‬الرفيع‭.‬

وفى‭ ‬الموعد‭ ‬المحدّد‭ ‬يتقابل‭ ‬الصديقان‭ ‬ليذهبا‭ ‬إلى‭ ‬إحدى‭ ‬الشقق‭ ‬الموجودة‭ ‬فى‭ ‬الأزقة‭ ‬الضيقة‭.. ‬وداخلها‭ ‬يجد‭ ‬إحدى‭ ‬النسوة‭ ‬الساقطات‭ ‬فى‭ ‬انتظارهما‭.. ‬وطبعا‭ ‬تبدأ‭ ‬السهرة‭ ‬باحتساء‭ ‬أردأ‭ ‬أنواع‭ ‬الخمر،‭ ‬وتنتهى‭ ‬بأن‭ ‬تعرض‭ ‬المرأة‭ ‬جسدها‭ ‬الرخيص‭ ‬على‭ ‬الأجنبى‭ ‬إمعانًا‭ ‬فى‭ ‬كرمه‭.‬

وفى‭ ‬نهاية‭ ‬السهرة‭ ‬يخرج‭ ‬الصديقان‭ ‬من‭ ‬الأزقة‭ ‬الضيقة‭ ‬ويستقلان‭ ‬اتاكسيب‭ ‬وفى‭ ‬الطريق‭ ‬يستأذن‭ ‬رزق‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬صديقه‭ ‬بحجة‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬عام‭ ‬ويترك‭ ‬السائح‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حافظة‭ ‬نقوده‭ ‬قد‭ ‬اختفت‭ ‬لتستقر‭ ‬فى‭ ‬جيب‭ ‬رزق‭ ‬الله‭! ‬ويرجع‭ ‬السائح‭ ‬لبلده‭ ‬وهو‭ ‬يلعن‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬الذى‭ ‬تعرف‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الرجل‭.‬

الزبون‭ ‬الدائم

وفى‭ ‬هذا‭ ‬الأسبوع‭ ‬دخل‭ ‬السائح‭ ‬الكندى‭ ‬الجنسية‭ ‬تايلور،‭ ‬مكتب‭ ‬العميد‭ ‬عباس‭ ‬شاكر‭ ‬مدير‭ ‬الشرطة‭ ‬السياحية‭ ‬ليشكو‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬تصرف‭ ‬اسفير‭ ‬مصر‭ ‬فى‭ ‬أديس‭ ‬أباباب،‭ ‬فقد‭ ‬نصب‭ ‬عليه‭ ‬واستولى‭ ‬على‭ ‬عشرين‭ ‬جنيهًا‭ ‬منه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أعطاه‭ ‬أربع‭ ‬سلاسل‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬ذهبية‭ ‬ثم‭ ‬اتضح‭ ‬أنها‭ ‬مزيفة‭.‬

واهتم‭ ‬العميد‭ ‬عباس‭ ‬شاكر‭ ‬بهذا‭ ‬البلاغ‭ ‬الغريب،‭ ‬فقد‭ ‬تأكد‭ ‬أن‭ ‬السائح‭ ‬قد‭ ‬وقع‭ ‬فى‭ ‬حبائل‭ ‬أحد‭ ‬النصابين‭ ‬البارعين‭. ‬وعلى‭ ‬الفور‭ ‬كلف‭ ‬الرائد‭ ‬غالب‭ ‬إبراهيم‭ ‬والنقيب‭ ‬أحمد‭  ‬أبوطالب‭ ‬ضابطى‭ ‬المباحث‭ ‬لبحث‭ ‬البلاغ‭ ‬وضبط‭ ‬النصاب‭.‬

وأمام‭ ‬رجال‭ ‬المباحث‭ ‬جلس‭ ‬السائح‭ ‬الكندى‭ ‬يحكى‭ ‬قصته‭: ‬كنت‭ ‬أسير‭ ‬فى‭ ‬ميدان‭ ‬التحرير‭ ‬عندما‭ ‬لاحظت‭ ‬رجلًا‭ ‬أنيقًا‭ ‬يمشى‭ ‬بجواري،‭ ‬وعندما‭ ‬وقفت‭ ‬لأعبر‭ ‬الطريق‭ ‬ابتســــــــــــم‭ ‬الرجل‭ ‬الأنيق‭ ‬وقال‭ ‬لي‭: ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬الشمس‭ ‬عندنا‭ ‬جميلة،‭ ‬فرددت‭ ‬عليه‭: ‬بل‭ ‬رائعة،‭ ‬إن‭ ‬بلدكم‭ ‬عظيم‭ ‬وجوه‭ ‬رائع‭.. ‬ورد‭ ‬عليّ‭: ‬نرحب‭ ‬بك‭ ‬فى‭ ‬عروس‭ ‬الشرق‭.‬

وأضاف‭ ‬السائح‭: ‬وتطور‭ ‬الحديث‭ ‬بيننا‭ ‬فدعانى‭ ‬لتناول‭ ‬الشاى‭ ‬فى‭ ‬كازينو‭ ‬قصر‭ ‬النيل،‭ ‬ولما‭ ‬لبيت‭ ‬الدعوة‭ ‬جلسنا‭ ‬نتجاذب‭ ‬الحديث‭ ‬فعرّفنى‭ ‬بنفسه‭ ‬بأنه‭ ‬اسفير‭ ‬مصر‭ ‬فى‭ ‬أديس‭ ‬أباباب،‭ ‬وأنه‭ ‬يقضى‭ ‬إجازته‭ ‬السنوية‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬لمقر‭ ‬عمله‭.. ‬وبدأ‭ ‬يسألنى‭ ‬عن‭ ‬الأماكن‭ ‬التى‭ ‬زرتها‭ ‬فى‭ ‬القاهرة،‭ ‬ولمّا‭ ‬علم‭ ‬أننى‭ ‬لم‭ ‬أزر‭ ‬خان‭ ‬الخليلى‭ ‬بعد،‭ ‬أصر‭ ‬على‭ ‬دعوتى‭ ‬لتناول‭ ‬الغداء‭ ‬هناك‭.. ‬استقللنا‭ ‬تاكسى‭ ‬وذهبنا‭ ‬لخان‭ ‬الخليلي،‭ ‬وبعد‭ ‬جولة‭ ‬سريعة‭ ‬دعانى‭ ‬إلى‭ ‬الغداء،‭ ‬وهناك‭ ‬أخرج‭ ‬لى‭ ‬أربع‭ ‬سلاسل‭ ‬ذهبية‭ ‬وطلب‭ ‬منى‭ ‬أن‭ ‬أقبلها‭ ‬هدية‭ ‬منه،‭ ‬ولما‭ ‬حاولت‭ ‬الاعتذار‭ ‬أصر‭ ‬على‭ ‬إعطائى‭ ‬هديته‭ ‬فإنها‭ ‬واجب‭ ‬عليه‭ ‬بصفته‭ ‬شرقيًا‭ ‬والشرقيون‭ ‬يشتهرون‭ ‬بالكرم‭.‬

وأثناء‭ ‬عودتنا‭ ‬تظاهر‭ ‬بأنه‭ ‬ليس‭ ‬معه‭ ‬نقود‭ ‬وطلب‭ ‬منى‭ ‬أن‭ ‬أقرضه‭ ‬عشرين‭ ‬جنيهًا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يسددها‭ ‬لى‭ ‬باكرًا‭ ‬عندما‭ ‬يتصل‭ ‬بى‭ ‬تليفونيًا‭ ‬ليدعونى‭ ‬إلى‭ ‬سهرة‭ ‬شرقية،‭ ‬وطبعًا‭ ‬انخدعت‭ ‬فى‭ ‬مظهره‭ ‬وأعطيته‭ ‬النقود،‭ ‬ولما‭ ‬رجعت‭ ‬إلى‭ ‬اللوكاندة‭ ‬أخبرت‭ ‬موظفى‭ ‬اللوكاندة‭ ‬بقصة‭ ‬معرفتى‭ ‬ابسفير‭ ‬مصر‭ ‬فى‭ ‬أديس‭ ‬أباباب،‭ ‬وعرضتُ‭ ‬عليهم‭ ‬هداياه‭ ‬فأخبرونى‭ ‬بأنها‭ ‬مزيفة‭!‬

واختتم‭ ‬السائح‭ ‬الأجنبى‭ ‬أقواله‭ ‬بأن‭ ‬السفير‭ ‬اتصل‭ ‬به‭ ‬باكرًا‭ ‬تليفونيًا‭ ‬ليدعوه‭ ‬لسهرة‭ ‬شرقية‭.. ‬وفى‭ ‬الموعد‭ ‬المحدد‭ ‬التقيا‭ ‬فى‭ ‬اجروبيب،‭ ‬وعندما‭ ‬دخل‭ ‬السائح‭ ‬وجده‭ ‬فى‭ ‬انتظاره‭.. ‬وجد‭ ‬رزق‭ ‬الله‭ ‬ومعه‭ ‬إحدى‭ ‬الساقطات،‭ ‬وجلس‭ ‬السائح‭ ‬معهما،‭ ‬وفى‭ ‬ثوانٍ‭ ‬كان‭ ‬الرائد‭ ‬غالب‭ ‬إبراهيم‭ ‬والنقيب‭ ‬أحمد‭ ‬أبو‭ ‬طالب‭ ‬ينقضان‭ ‬عليه‭.‬

وبُهِت‭ ‬السائح‭ ‬وطلب‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬المباحث‭ ‬أن‭ ‬يتأكدا‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬سفير‭ ‬مصر،‭ ‬فمظهره‭ ‬أمام‭ ‬السائح‭ ‬لا‭ ‬يدل‭ ‬إطلاقًا‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬نصاب،‭ ‬ولكن‭ ‬ضابطى‭ ‬المباحث‭ ‬أفهما‭ ‬السائح‭ ‬أنه‭ ‬نصّاب‭ ‬خطير‭ ‬وأنه‭ ‬زبون‭ ‬دائم‭ ‬فى‭ ‬شرطة‭ ‬السياحة‭.‬ورجع‭ ‬الجميع‭ ‬من‭ ‬اجروبيب‭ ‬إلى‭ ‬مكتب‭ ‬شرطة‭ ‬السياحة‭ ‬لتقييد‭ ‬جنحة‭ ‬نصب‭ ‬جديدة‭ ‬ضد‭ ‬الوجيه‭ ‬النصاب‭ ‬رزق‭ ‬الله‭ ‬سليم‭ ‬رزق‭ ‬الله‭!‬

 

اقرأ أيضًا : كنوز| منيرة صبري أول رئيسٍ لحركة المرشدات المصريات



‭(‬اآخرساعةب‭ ‬28‭ ‬يناير‭  ‬1970‭)‬

 


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة