مكة المكرمة
مكة المكرمة


أصل الحكاية | مصر معبر حجاج المغرب والأندلس وأفريقيا إلى بيت الله الحرام 

شيرين الكردي

السبت، 24 يونيو 2023 - 12:12 م

يعتبر أول طريق كان يستخدمه حجاج مصر والمغرب العربى هو طريق قوص عيذاب خلال الفترة من عام 450 إلى 665هـ الموافق 1058- 1266م حيث كان يخرج الحجاج من القاهرة قبل شهر رمضان، ثم يسيرون الى قوص لمسافة 640 كم ثم يقطعون 160كم إلى عيذاب أو القصير ويظلون شهرين فى انتظار المراكب التى تحملهم عبر البحر الأحمر إلى ميناء جدة.

وأوضح خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة بلجنة التاريخ والآثارأنه ارتادت شجر الدر درب الحج المصرى القديم عبر سيناء عام (645هـ / 1247م) وهى أول من سار عليه وأصبح الطريق الرئيسى للحجاج وبعدها كسا الظاهر بيبرس الكعبة المشرفة وعمل لها مفتاحًا ثم نظم قافلة الحج برا عبر سيناء عام (666هـ / 1267م) وتحول طريق الحج قوص - عيذاب الى طريق تجارى أيضا حتى عام (760هـ / 1359م).

ولم يكن طريق الحج المصرى القديم عبر سيناء إلى مكة المكرمة مقصورًا على خدمة حجاج مصر فى ذهابهم وعودتهم فقط وإنما كان يخدم حجاج العالم ويعد هذا الطريق شاهدًا على التاريخ حيث كان يستخدمه حجاج المغرب العربى والأندلس وحجاج غرب أفريقيا منذ بداية العصر الإسلامى.

ويضيف الدكتور ريحان أن صحراء الريدانية (العباسية) كانت بداية الطريق نحو بركة الحاج وكان الركب ينزل بها قبل المسير إلى البركة وكان بها سوقًا عظيمة يقضى فيها الحجاج يومين أو ثلاثة قبل بدء الرحلة ويتزود منها الحجاج بكل احتياجاتهم والمسافة بينهما 22كم تقطع بسيرالقوافل فى خمس ساعات، وكان الحجاج يعبرون خمس محطات من بركة الحاج إلى عجرود  تبدأ من بركة الحاج ثم منها إلى البويب، الطليحات ، المنفرج ، مراكع موسى ومنها إلى عجرود وبها بئر مصنع.

ومن عجرود يمر الحجاج على 24 عمودًا حجريًا ارتفاعها 2م وهى عبارة عن أعلام منصوبة للحجاج حتى لا يضلوا الطريق ومن بركة الحاج إلى عجرود 130كم والتى تبعد 20كم شمال غرب مدينة السويس ومن ثم فقد كانت بعض قوافل الحج تذهب إلى القلزم "السويس" قبل الدخول إلى سيناء طلبًا للماء .

ويستكمل الحجاج طريقهم عبر سيناء وأول محطة بها وادى مبعوق حيث ذكر وجود ماء عذب طيب ومن مبعوق إلى نخل بوسط سيناء يستغرق ثلاثة أيام وفى نخل أنشأ السلطان الغورى خان وقد قام بتنفيذ ذلك خاير بك المعمار أحد المقدمين فى عام (915هـ / 1509م) وكان الخان ضيقًا فتمت توسعته فى عام (959هـ / 1551م) وبنخل ثلاث فساقى وبئران إحداهما  بساقية والأخرى بسلم .

وأشار الدكتور ريحان إلى أن نخل كانت تمثل سوقًا عربية مشتركة فى زمن الحج حيث ينصب بها سوق كبير وأفران لعمل الخبز وترد لهذا السوق الجماعات البدوية من سيناء وبذلك يتوفر للحجاج جملة خدمات بنخل من حيث الإقامة فى خان فى ظل حماية الحراس وتوفير الماء العذب الكافى من الآبار وفى الفساقى ، ويقوم بحراسة ركب الحجيج حتى عقبة أيلة وفد من قبيلة العائد من قبائل سيناء .

ومن نخل يسير ركب الحجاج إلى بئر التمد ومنها إلى دبة البغلة التى تحوى علامة مهمة تحدد معالم هذا الطريق وهى نقش السلطان الغورى الذى يحوى نصوصا قرآنية ونقشا خاصا بتعميره لهذا الطريق ومنها إلى سطح العقبة ومنها إلى عقبة أيلة بالأردن .

 وتستغرق الرحلة من بركة الحاج حتى قلعة العقبة تسعة أيام يتجه بعدها الحجاج للأراضى الحجازية بمحاذاة البحر الأحمر للجنوب إلى حقل ، مدين ، ينبع ، بدر ، رابغ ، بطن مر ومنها إلى مكة المكرمة.

وعن أهمية موقع دبة البغلة أو مقعد الباشا يشير الدكتور ريحان إلى أن منطقة جنوب سيناء للآثار الإسلامية والقبطية قامت بترميمها وأحاطتها بسور بشكل إسلامى لدرجة أن الحجاج والمعتمرين المارين بهذا الطريق فى الطريق البرى الحديث إلى ميناء نويبع ومنها إلى العقبة  وهو نفس الطريق البرى القديم يعتقدون أنه ولى من أولياء الله الصالحين وينزلون إليها ليقرأوا اللوحة الخاصة بالآثار ويعرفون حقيقة هذه العلامة الهامة فى طريق الحج القديم المستخدم حتى الآن .

ودبة البغلة  من المناطق التى تتسم بالصعوبة عند اجتياز الحجاج لها وقد قام السلطان قانصوه الغورى بتمهيدها ووضع علامة هامة تحدد معالم الطريق يطلق عليها صخرة الغورى وعليها نقوش صخرية تتضمن الآيات {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا}.

والنص الخاص بتمهيد الطريق (رسم بقطع هذا الجبل المسمى عراقيب البغلة ومهد طريق المسلمين الحجاج لبيت الله تعالى وعمار مكة المكرمة والمدينة الشريفة والمناهل عجرود ونخل وقطع الجبل عقبة ايلا وعمار القلعة والآبار وقلعة الأزلم والموشحة ومغارب ونبط الفساقى وطرق الحاج الشريفة مولانا المقام الشريف والإمام الأعظم سلطان الإسلام والمسلمين الملك الأشرف أبو النصر قنصوه الغورى نصره الله تعالى نصرًا عزيزًا)، وعلى الصخرة رنك للسلطان الغورى نصه (لمولانا السلطان الملك الأشرف أبى النصر قانصوه الغورى عز نصره ) .

وينوه الدكتور ريحان إلى أن طريق الحج البحرى عبر خليج السويس بدأ منذ عام عام 1303هـ  الموافق 1885م ، حين بطل استخدام الطريق البرى عبر وسط سيناء، وكان الطريق البحرى عبر خليج السويس إلى البحر الأحمر حتى ميناء الجار ويستغرق ذلك 20 يومًا ومنه إلى المدينة المنورة.

ومنذ ذلك الوقت اشترك الحاج المسلم مع الحاج المسيحى فى جزء من الطريق حيث كان يأتى الحاج المسيحى من أوروبا عبر الإسكندرية مبحرًا فى نهر النيل ومنه برً إلى ميناء القلزم (السويس) ليركب نفس السفينة مع الحاج المسلم للإبحار إلى ميناء الطور القديم منذ العصر المملوكى ومن ميناء الطور يتجهوا معًا لزيارة الأماكن المقدسة بمنطقة الجبل المقدس حيث دير طور سيناء والذى تحول اسمه إلى دير سانت كاترين فى القرن التاسع الميلادى وفى الأودية حوله مثل وادى حجاج نقش الحجاج المسيحيون أسماءهم وفى محراب الجامع الفاطمى داخل الدير الذى بنى فى عهد الخليفة الآمر بأحكام الله عام 500 هـ 1106م  نقش الحجاج المسلمون أسماءهم، ويستمر الحاج المسيحى فى الوادى المقدس بسيناء أو ينتقل منها إلى القدس ويعود الحاج المسلم إلى ميناء الطور ليستكمل رحلته عبر البحر البحر الأحمر إلى البقاع المقدسة.

ويختتم الدكتور ريحان بأنه رافق خبير اليونسكو الدكتور عبد العزيز الدولاتلى عام 2003 فى رحلة ميدانية متكاملة عبر هذا الطريق وقدّم المادة العلمية والصور لخبير اليونسكو وبناءً عليه أدرج طريق الحج ضمن القائمة التمهيدية لليونسكو ويطالب الدكتور ريحان بإعداد ملف لتسجيل معالم الطريق تراث عالمى استثنائى باليونسكو لأهميته الروحية والحضارية والأثرية والتاريخية كطريق استثنائى متفرّد عبر سيناء.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة