عمرو الديب
عمرو الديب


صدى الصوت

مقام (ريم)!

عمرو الديب

الإثنين، 26 يونيو 2023 - 12:06 ص

عرفناها رحالة على ضفاف التاريخ، وطوافة شغوفة بين أودية العصور، وكأنها تستقل آلة الزمن.. تلك الفكرة أو قل الأمنية التى داعبت خيال الإنسان طويلا، وظلت حلما عصيا فى ضمير البشرية، ففضول الملايين أرقهم كثيرا، وأغراهم بتلمس الوسيلة التى تعيد إليهم العصور المولية ليتعرفوا عبر العيش فى نسيجها على أدق تفاصيلها، ويلتقون بأبطالها اللامعين وجها لوجه، ولكن مع استحالة إدراك ذلك الحلم، حاول أن يجد التواقون بديلا وفره لهم خيال الإنسان الخصب الملهم،

فراحت الأذهان المتميزة، والأخيلة الفارقة تستدعى العصور الفائتة بكل تفاصيلها حية نابضة تكاد تبعث من جديد، وذلك هو مشروع الأديبة الشهيرة د. ريم بسيونى الإبداعى المتفوق الذى استطاع أن ينتزع لها مكانة مرموقة على خريطة الرواية العربية إلى جوار أسماء بارزة لروائيات موهوبات حقا، بعيدا عن اللاتى اختلسن الأضواء بتهجمهن على بلادهن، ومنذ ظهور رواية «ريم» أولاد الناس ثلاثية المماليك التى لفتت إليها الأنظار بقوة وتوجتها بجائزة نجيب محفوظ، وأنا أهتم بمشروعها الإبداعى الطموح، وقد صارت تطلعنى على خطواتها الجديدة أولا بأول، ومنذ أسبوعين تقريبا بعثت إلى ريم ببشراها.. كتاب جديد لايحملنا على متنه إلى عصور تاريخية بعينها، وإنما يحلق بنا فى أفق أعلى، وأجواء روحانية شفيفة، ومنذ أيام تلقيت من ناشرها دار المعارف نسخة من الكتاب الذى حمل عنوان «البحث عن السعادة.. رحلة فى الفكر الصوفى وأسرار اللغة»،

وهو بحث علمى يتعمق فى مفهوم التصوف ومعناه، ويتتبع تاريخ هذا الفكر الذى إزدهر فى بساتين الدين الحنيف يستلهم مكارم أخلاقه، وينهل من محيط عطائه، ويتماهى مع نبل أهدافه، ورقى مبادئه بعيدا عن الزائفين والمزيفين من تجار الدين، ومجرمى التطرف الشائهين، وتحاول د. ريم بسيونى فى كتابها الأحدث أو قل رحلتها أن تتلمس الدروب المؤدية حقا إلى السعادة، وهى تلك المرتبطة بالرضا، ولاتستطيع «ريم» الفكاك من عشق التاريخ حتى فى بحثها العلمى فى أفكار الصوفية حيث تصاحب ذلك الفكر منذ العهد الأموى، وحتى العصر المملوكى وتركز المبدعة الشهيرة على مقام الرضا، وهو أحد أسمى المقامات عند المتصوفة، ويتطلب الوصول إليه رحلة شاقة عبر جهاد نفسى مضن يظفر بسعادة حقيقية فى نهاية المطاف، ويصل إلى مرفأ الرضا والثناء على الخالق العظيم، ويثير الكتاب العديد من الأسئلة التى يحاول الإجابة عنها من خلال رحلة البحث، ومن هذه الأسئلة: ما سر السعادة؟ وما الخلق العظيم المؤدى إلى التحرر فى الدنيا، والنجاة من مستنقع التكالب على الصغائر، والتلهف على اقتناص الدنايا.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة