الدكتور محمد يحيى ناصف ، أستاذ علم النفس التربوي
الدكتور محمد يحيى ناصف ، أستاذ علم النفس التربوي


رئيس تعليم الكبار يكشف تأثير الأمية على ظاهرة السلوك الإجرامي

فاتن زكريا

الإثنين، 26 يونيو 2023 - 05:55 م

كشف الدكتور محمد يحيى ناصف، أستاذ علم النفس التربوي ورئيس الجهاز التنفيذي للهيئة العامة لتعليم الكبار، عن تأثير الأمية على السلوك الإجرامي، حيث أكد حرص القيادة السياسية منذ الوهلة الأولى على ضرورة تكاتف وتعاون وتضافر كل أجهزة الدولة لتحسين جودة حياة الإنسان المصري والارتقاء بها، وبخاصة الفئات الأولى بالرعاية والاهتمام.

وأوضح «ناصف» خلال دراسة حديثة أجراها بعنوان «الأمية والسلوكيات الإجرامية»، أن فئة السجناء من أبرز الفئات الأولى بالرعاية والاهتمام، حيث أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي على ضرورة إعادة النظر في الشكل التقليدي القديم للسجون وتحويلها إلى أماكن تُساهم في إعادة التأهيل والاندماج لهذه الفئة في المجتمع مرة ثانية، وتسهيل حياتهم داخل هذه السجون، فلا يمكن أن نعيد عليهم الحساب مرتين، حيث تم تحويل اسم السجناء إلى نزلاء، والسجون إلى مراكز إصلاح وتأهيل بما يتماشى مع المعايير العالمية وحقوق الإنسان، وقد قامت وزارة الداخلية بهدم السجون القديمة وبناء بدلًا منها مراكز للإصلاح والتأهيل وفقًا لأحدث المعايير العالمية والمواصفات الدولية.

وتابع «ناصف»، فإذا كانت الأمية من العوامل المقيدة لسلوكيات صاحبها، والتي قد تجبره على القيام بسلوكيات حرجة قد يكون غير راضٍ عنها؛ نتيجة ضعف مستواه في القراءة والكتابة والحساب، فإن الشخص الأمي النزيل داخل هذه المراكز هو شخص مقيد الحرية بحكم القانون ومعصوب العينين بحكم الأمية، وبالتالي فقد حرصت القيادة السياسية على أن تكون لهذه الفئة اهتمامًا خاصًا فهي من الفئات الأولى بالرعاية لأنها مزدوجة القيود، إيمانًا منها بأن تأمين الوطن بالعلم هو السبيل الأوحد في تأسيس وبناء الجمهورية الجديدة.

وتُعد الأمية أحد العوامل المساهمة في تصاعد ظاهرة السلوك الإجرامي، حيث ألقت الدراسات والبحوث العلمية الضوء على العلاقة بين سلوكيات الأميين الذين يمتلكون مستويات منخفضة من القدرة على الإلمام بالقراءة والكتابة والحساب Low Literacy Levels والمشاركة أو الانخراط في السلوكيات الإجرامية Criminal Involvement، ويمكن أن تتبلور سيكولوجية العلاقة بين الأمية والسلوكيات الإجرامية في النقاط التالية:

1. محدودية الفرص Limited Opportunities
تشير الأدبيات إلى أن الأمية تحد من حصول أصحابها على فرصهم في الوصول التعليم Access To Education والتوظيف Employment، والحصول على الفرص الاجتماعية والاقتصادية Socioeconomic Opportunities، ويُساهم هذا النقص في الفرص في شعور الشخص الأمي بالإحباط Feelings of Frustration والعزلة أو الاغتراب Alienation، والتهميش Marginalization، مما يزيد من احتمالية الانخراط في السلوك الإجرامي Engaging In Criminal Behavior كوسيلة للبقاء Survival أو لكسب المزيد من الموارد Gaining Resources.

2. صعوبات في التواصل
تُعيق الأمية أصحابها عن تحقيق التواصل الفعال مع الآخرين، مما يجعل من الصعب عليهم التعبير عن أنفسهم Express Themselves، أو فهم المعلومات المركبة أو المعقدة Understand Complex Information، أو الانخراط في تقديم حلول بناءة للمشكلات Engage In Constructive Problem-Solving التي يواجهونها، وقد تسبب صعوبات التواصل Communication Difficulties هذه سوء الفهم Misunderstandings، والشعور بالعزلة الاجتماعية Social Isolation، وصعوبة التعامل مع الأنظمة القانونية Difficulty Navigating Legal Systems، مما يزيد من مخاطر تورطهم وانخراطهم في الأنشطة الإجرامية.

3. الفهم المحدود للقوانين والحقوق
فالفهم المحدود للحقوق Rights والقوانين Laws واللوائح والتشريعات، لدى الأشخاص الأميين قد يجعل الأميين عرضة للاستغلال Exploitation والتلاعب Manipulation وربما المشاركة في الأنشطة غير القانونية عن غير عمد أو قصد Involvement in Illegal Activities Unknowingly، حيث يُقدم الشخص الأمي بالتوقيع على سبيل المثال على إيصالات أو شيكات لا يعرف ما الذي تتضمنه هذه الأوراق، ومشكلة الغارمين والغارمات التي تسعي الدولة إلى حلها دائما خير شهاد ودليل.

4. تدني تقدير الذات والثقة بالنفس
تُشير الأدبيات والدراسات العلمية إلى شعور الشخص الأمي بتقدير منخفض لذاته، وكذلك إلى ضعف ثقته بنفسه Low Self Confidence، وكذلك شعوره بضعف الكفاءة Feelings of Inadequacy وقلة الحيلة، والافتقار إلى الثقة بالنفس Lack of Self-Confidence، حيث يعيق هذا الشعور الشخص الأمي على تنمية وتطوير ذاته، ويعيق قدراته على تحديد وانتقاء أهدافه، ويزيد من قابليته للتعرض للتأثيرات السلبية الهدامة التي تحد من دافعيته وتنال من عزيمته، وتجعله غير قادرًا على التمييز بين الصواب والخطأ، مما قد يقودهم إلى الانخراط في السلوكيات الإجرامية Criminal Behaviors.

5. مهارات محدودة في حل المشكلات واتخاذ القرارات
تلعب معرفة القراءة والكتابة دورًا حيويًا في تطوير مهارات التفكير النقدي Critical Thinking وحل المشكلات Problem-Solving واتخاذ القرار Decision-Makingلدى الأفراد المتعلمين، في الوقت الذي يعاني فيه الأفراد الأميون من محدودية في المهارات التي قد تعوقهم للقيام بحل المشكلات التي تواجههم، أو القيام باتخاذ القرارات المناسبة في التوقيت المناسب، مما يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لهم في تخطى المواقف الصعبة أو المعقدة أو القيام بحل النزاعات التي تنشب بينهم وبين الآخرين أو اتخاذ الخيارات المستنيرة، وهذا في حد ذاته سوف يزيد من احتمالية الانخراط في أنشطة إجرامية.

6. الدخول في حلقة الفقر والجريمة
فالأمية قد تقود صاحبها إلى الدخول في حلقة الفقر والجريمة Cycle of Poverty and Crime والافتقار إلى التوظيف، والشعور بالحرمان الاقتصادي Economic Disadvantage، وزيادة في مخاطر التورط والانخراط في الأنشطة غير المشروعة Higher Risk of Involvement in Illegal Activities، مما قد يُدخل الشخص الأمي في هذه الحلقة المفرغة والتي من الصعب كسرها أو الخروج منها، وكله يُعزى في المقام الأول إلى انخفاض مستويات التعليم لديه، ومن ثم فإن تدخل الدولة ومنظمات المجتمع المدني في حل مشكلة الأمية سوف يحد من الوقوع في براسن الفقر والجريمة.

7. الصعوبة في إعادة التأهيل وإعادة الإدماج
يواجه الأشخاص الأميون صعوبات كبيرة في المشاركة في برامج إعادة التأهيل وإعادة الاندماج بسبب محدودية المهارات التي يمتلكونها في القراءة والكتابة والحساب، ومن ثم فإن الافتقار في هذه المهارات قد يعيق من قدراتهم على الاستفادة الكاملة من برامج إعادة التأهيل وإعادة الاندماج في المجتمع التي تنفذها مراكز الإصلاح والتأهيل بقطاع الحماية المدنية بوزارة الداخلية، وهذا في حد ذاته سوف يزيد من عودتهم مرة ثانية إلى ممارسة السلوكيات الإجرامية.

إن برامج محو الأمية التي تتم داخل المجتمع المصري لا تسعى فقط إلى تحقيق التنمية الشخصية Personal Development للشخص الأمي وتمكينه Empowerment ولكنها تسعى أيضًا إلى منع الجريمة Crime Prevention وتقليل معدلات العودة إلى ممارسة السلوكيات الإجرامية Reducing Recidivism Rates، حيث تحرص الدولة ممثلة في مراكز الإصلاح والتأهيل الحديثة العصرية التي تتماشى مع المعايير والمواصفات العالمية إلى تقديم برامج فعالة لمحو الأمية Effective Literacy Programs، تكون قادرة على توفير فرص تعليم حقيقية من خلال توفير وإتاحة أنظمة الدعم المختلفة داخل هذه المراكز لمواصلة التعليم وتحقيق فكرة التعلم مدى الحياة؛ بهدف تمكين النزلاء من العيش بحياة أكثر إنتاجية Productive Lives تجعلهم يساهمون بصورة إيجابية في خدمة وتطوير مجتمعاتهم بدلًا من أن يكونوا عالة عليه أو مصدر من مصادر الترويع والرعب له، ومن ثم حرصت الجمهورية الجديدة على الاستثمار في البشر بالتعليم والتدريب داخل مراكز الإصلاح والتأهيل وتقديم كل التيسيرات التي تساهم في إعادة التأهيل والاندماج لتحقيق الرفاهية والاطمئنان والازدهار النفسي للفئات الأولى بالرعاية ومنهم فئة النزلاء.

لذا حرصت الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار على تبني الاتجاهات العلمية الحديثة في مجال محو الأمية وتعليم الكبار، والتي تخدم القضايا المجتمعية المحلية ومنها قضية محو الأمية للنزلاء داخل مراكز الإصلاح والتأهيل، من خلال تعليم [1200] من النزلاء في برامج محو الأمية داخل مراكز الإصلاح والتأهيل بمنطقة جمصة، نجح منهم [442] نزيلًا ونزيلة على مدار عام كامل، حيث قامت الهيئة بتدريب النزلاء المتعلمين للقيام بتعليم أقرانهم غير المتعلمين وهي ما تعرف باسم استراتيجية تعلم الأقران، أنها تجربة فريدة وغنية، ويمكن البناء عليها، وتعميمها على باقي مراكز الإصلاح والتأهيل بالجمهورية الجديدة التي تهتم ببناء البشر قبل الحجر، فمصر تستطيع التغلب على كل التحديات الاجتماعية التي تقابلها ومنها قضية محو الأمية بمزيد من الشراكة والتشبيك والتعاون بين مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني.
 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة