تزامن إعلان مسعود برزاني رئيس إقليم كردستان العراق عن تنظيم استفتاء في الإقليم قبل نهاية العام الحالي للاستقلال التام عن العراق مع إعلان أكراد سوريا عن إقامة حكم فيدرالي لهم في شمال البلاد. فهل بدأ التقسيم الفعلي لسوريا والعراق، وإذا كانت اتفاقيات سايكس بيكو لتقسيم العالم العربي قد نسيت الأكراد، فهل يجرى تذكرهم الآن على هذا النحو من التشظى، أم إن للأكراد حقوقا. كان يجب أن يحصلوا عليها، فحقائق التاريخ تشير إلى انه بعدما وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها كان الأكراد هم الوحيدون المنسيون في اتفاقيات التقسيم الخاصة بالشرق الأوسط، إذ لم يأت ذكر دولة لهم في مؤتمر باريس للسلام عام 1919 أو معاهدة لوزان التي وُقعت في 24 يوليو 1922
ويعود العرق الكردي لأصول مختلطة مابين الهنود والأوروبيين، يدين غالبيتهم بالإسلام على مذهب أهل السنة، ويستوطنون عدة مناطق بسوريا والعراق وتركيا وإيران.
وتتراوح أعدادهم إجمالا، في البلدان سالفة الذكر، ما بين 30 و 40 مليون نسمة، يتواجد العدد الأكبر منهم في تركيا (من 17 إلى 20 مليون نسمة)، ثم إيران( 7ملايين)، ثم العراق ( 6ملايين)
وأخيرا سوريا( 4 ملايين نسمة)، وتبقى أنقرة وطهران من أبرز المعادين لأي كيان كردى مستقل خوفا من عدوى الانفصال، ومع إعلان مسعود برزاني رئيس كردستان العراق مؤخرا عن تنظيم استفتاء للاستقلال الكامل عن بغداد كان لا بد من هذا الحوار مع كفاح محمود كريم المستشار الإعلامي للرئيس برزاني.

الرئيس مسعود برزاني يتحدث عن حدود دولة كوردستان وعن استفتاء للاستقلال التام عن العراق قبل نهاية العام الجاري.. ما الذي يجعلكم لا تعيشون مع العرب في نظام فيدرالي؟
الموضوع لا علاقة له بالعرب كقومية وكشريك لنا في الأرض بقدر تعلق الأمر بالنظام الحاكم في الدولة التي نتشارك فيها، وللأسف الشديد فشلت بغداد عبر كل الانظمة التي حكمتها، منذ تأسيس المملكة العراقية في مطلع عشرينيات القرن الماضي، وحتى إسقاط نظامها السياسي المتمثل بنظام الحزب الواحدة والقائد الأوحد (صدام حسين).
حاولت بغداد، على مدار80 عاماً، إبادة القومية الكوردية، وحرقت بالنابالم والأسلحة الكيماوية والطائرات أكثر من نصف كوردستان، بل وحتى النظام الأخير (حكومة نوري المالكي) الذي كنا جزءا حيويا منه وشاركنا في تأسيسه، فشل خلال اكثر من عشر سنوات في إقناع رجل الشارع الكوردي بأنه حريص عليه، ومع أول خلاف استخدم وسائل لم تختلف في نتائجها عن تلك التي استخدمت من قبل الأنظمة السابقة، حيث أوقف حصة الاقليم البالغة 17% من الموازنة السنوية، منذ بداية 2014 وهذا يعني حصار خانق على شعب تعداده أكثر من ستة ملايين نسمة.
وأضاف أن إيقاف صرف مرتبات مليون و400 ألف من الموظفين والعسكريين بالإقليم منذ مطلع 2014 وحتى اليوم، فتوقفت كل برامج التنمية وزادت معدلات الفقر التي كانت قريبة من الصفر!
لقد أيقنت سلطات الإقليم بأنه لا مفر من الاستفتاء حول تقرير المصير والاستقلال كهدف سام ونبيل لأي شعب بالعالم، بعد أن فشلت كل صيغ العلاقة مع بغداد.

هل تحرككم نحو الاستقلال بالتزامن مع انتهاء الولايات المتحدة من إنشاء قاعدة عسكرية في المناطق الخاضعة لسيطرتكم بمثابة ضوء أخضر لإعلان دولتكم؟
لا ننتظر ضوء أخضر من أحد.. شعب كوردستان يناضل بقيادة حركة التحرر التي قادها منذ أربيعينيات القرن الماضي الزعيم مصطفى البارزاني والتي تمخضت عن ثورات وانتفاضات عديدة تكللت بانتصار انتفاضة الربيع عام 1991، والتي أنتجت ما سُمي في حينها الملاذ الآمن بقرار من مجلس الامن الدولي، واستقلت كوردستان ذاتيا عن بغداد وذهبت إلى انتخابات عامة أسست بموجبها أول برلمان كوردستاني منتخب مباشرة وبإشراف مراقبين من الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي ومنظمات حقوق الإنسان، ثم تشكيل أول حكومة إقليمية مستقلة تماما عن بغداد عام 1992.
كنا حريصين على وحدة العراق أكثر من كل الذين حكموا بغداد، وتخلينا عن امتيازات الاستقلال حينما سقط نظام صدام حسين وذهبنا إلى بغداد لتأسيس دولة اتحادية تعددية ديمقراطية يشترك فيها العرب والكورد وبقية المكونات باستحقاقاتهم كاملة، لكنهم كما قلت لك فشلوا في استيعاب دولة المواطنة، فأسسوا ثانية نظام الحزب الواحد تحت يافطة الأغلبية تارة والمحاصصة تارة أخرى ومن ثم الاستحواذ على كل مراكز القرار السياسي والعسكري والمالي، وكانوا فعلا، وتحديداً كتلة دولة القانون برئاسة نوري المالكي ومعه حزب الدعوة، أفشل من حكم العراق منذ تأسيسه.

في سوريا أعلن الأكراد من جانب واحد حكماً فيدرالياً في مناطقهم.. هل ثمة تنسيق فيما بينكم وهل هذا مقدمة لاستقلالهم التام ثم اندماجمهم معكم في دولة واحدة لا سيما وأنا حدودكم مشتركة؟
رئاسة إقليم كوردستان أعلنت دعمها ومساندتها لخيارات الشعب الكوردي هناك، بما يحقق أهداف الشعب وتثبيت حقوقه دستوريا وقانونيا، ولكن هذا لا يعني بأن هناك سيناريوهات لتأسيس دولة بين إقليم كوردستان وفيدرالية سوريا الكوردية، حيث يؤكد الخطاب الكوردستاني الرسمي على خيارات الكورد في أجزاء كوردستان الأخرى ويحترم ظروفهم وطبيعة العلاقة مع شركائهم هناك، دون أي تدخل في شؤونهم.
هل تعتقد أن تركيا ستقف مكتوفة الأيدي بينما الشعب الكوردي يكسب أرضاً جديدة كل يوم؟
الأتراك تأكدوا بعد نجاح إقليم كوردستان وازدهاره، بأنهم جيران لإقليم إيجابي ومسالم وأرض معطاء وبيئة نموذجية للاستثمار، ولذلك قال الرئيس بارزاني إن الأتراك فهموا قضية الكورد وأدركوا أنه من المفيد أن يكونوا أصدقاء لنا، لذا تستثمر الشركات التركية بعشرات المليارات من الدولارات في كوردستان، إضافة إلى اتفاقيات مهمة في قطاع الطاقة، وإن كانت أنقرة غير مرتاحة من قيام دولة كوردية إلى الجنوب منها، كما يرى بعض الخبراء والمراقبين، إلا أنها لن تعاديها ولن تكون عثرة في طريق تطورها، ولأجل ذلك تمتع تركيا اليوم بعلاقات متينة ومهمة مع الإقليم بما يخدم مصالحها ومصالح شعبها وشعب الإقليم أيضا.
إيران كانت دوما من الدول الرافضة لأي كيان كوردي مستقل حتى لا تنتقل إلى أراضيها عدوي الانفصال.. ولكنها الآن تبدو غير ذلك.. هل لك أن تفسر سلوك طهران حالياً تجاهكم؟
لغة المعاداة واستخدام العنف لقمع الشعوب لم تعد سلوكا مقبولا، لقد تطورت العلاقات بين الدول الأكثر عداوة في العالم، وأصبح الاقتصاد ومصالحه يتجاوز ثقافة العداء، وبذلك انفتح إقليم كوردستان على جميع دول الجوار وخاصة ايران وتركيا وأقام معهما منظومة من المصالح الاقتصادية والاستثمارية التي تدر مليارات الدولارات لشعوبهم.
إيران دولة اقليمية مهمة مثلها مثل تركيا والمملكة العربية السعودية ومصر، ونتمتع بعلاقات ممتازة معهم جميعا، و زيارات رئيس الإقليم والحكومة لهذه البلدان تُعد تأكيداً على إيجابية إقليم كوردستان وأهميته في معادلات التوازن بالشرق الاوسط.
يبدو الغرب الآن وكأنه يريد إصلاح الخطأ الذي اقترفه بحقكم حينما تجاهل مطلبكم بإنشاء دولة في مؤتمر باريس 1919 ومعاهدة لوزان 1923.. فهل لك أن تشرح ذلك؟
لقد اقترف الحلفاء في سايكس بيكو خطأ كبيرا بحق شعوب المنطقة عموما، حتى العرب كانوا من ضحايا تلك الاتفاقية التي أهدرت حق شعب كوردستان فتسببت كما قال أحد الدبلوماسييين الأمريكان أثناء توقيع معاهدة لوزان بأنهم يوقعون على بحور من الدماء بين شعوب المنطقة، وفعلا كانت بداية المأساة مع الفلسطينيين والكوردستانيين الذين ما يزالون ينزفون دما ودموعا بسبب تلك الاخطاء الجسيمة بحقهم.
الغرب عموماً والأمريكان خصوصاً، أدركوا تلك الحقائق ويعملون ببطئ من أجل التكفير عن خطأهم ، ولكن شعب كوردستان أثبت بتصديه المتحضر والشجاع لأكبر حرب إرهابية يتعرض لها العالم اليوم مع منظمة ما يسمى بتنظيم الدولة الاسلامية، وتحقيق الانتصارات الكبيرة عليها دونما الإضرار بالقيم العليا للإنسان، فضلا عن استقبال أكثر من مليوني نازح من العرب الذين احتلت داعش مدنهم في غرب العراق رغم ضائقة الاقليم المالية وتوفير الامن والسلام لهم، وهو ما دفع العالم برمته إلى إعادة النظر في مواقفه من الأكراد ومطالبهم الحضارية التي يصرون عليها باستخدام الحوار والاستفتاء بدلا من العنف والدماء.
ولذلك كان الجميع ايجابيا مع الرئيس بارزاني في جولته الأخيرة إلى أمريكا وأوربا والخليج العربي، حيث تم استقباله باحترام يليق بما قدمته قوات البيشمركة في قتالها البطولي الذي حطمت أسطورة رعب داعش.