محمود قرنى
محمود قرنى


رضا أحمد يكتب : صورة للشاعر كما يجب أن يكون

أخبار الأدب

الأحد، 09 يوليه 2023 - 04:51 م

على الرغم من أننى تعرفت شخصيا إلى الشاعر الراحل محمود قرنى متأخر بعض الشىء، إلا أننى أشكر الشعر المختلف الذى جعلنى أتعرف إليه إبداعيا من قبل، فى قراءة بعض قصائده بشكل متفرق فى الدوريات الأدبية، أثناء محاولاتى تتبع قصيدة النثر وأجيالها، والانفتاح على عالمها المدهش المختلف عن ما تعلمته وخبرته أثناء دراستى، حتى أننى طلبت صداقته على موقع الفيس بوك إعجابا به لأكون قريبة من شخصية هذا الشاعر المغاير على كل المستويات الإنسانى منها والإبداعى، إلى أن طلبت منه بعض دواوينه لأطلع على مشروعه الإبداعى الكبير، بكل محبة وتواضع ارسل إلى وقتها ديوانين “حمامات الإنشاد، الشيطان فى حقل التوت” فى رسالة على الفيس بوك، فرحت بهذه الهدية الثمينة، وباتت القراءة له من أسباب سعادتى وإيمانى بالشاعر الإنسان والمثقف صاحب الموقف القوى والشخصية النبيلة. 


بالنسبة لى كقارئة، كانت قصيدته متفردة، من الصعب تقليد صوتها، أو المرور بها دون أن تجد فيها شيئا من نفسك، ومن طينة هذه الأرض وروحها الطليقة وتراثها الغنى بكل ما هو نادر وثمين، وموقف الشعر من الحقيقة والعالم، ومحاولة تفكيك مفردات وأنماط ثابتة برؤى جمالية، قادرة على التفلسف وتجريد التاريخى منها من ثقل النمطية التى تطغى على القصائد التقليدية حيث تسيطر ذكورة الخطاب الشعرى على انسياب المعنى الإنسانى ولحظات الضعف العابرة، قصيدة قرنى يتعانق فيها الجمالى مع المعرفى كأنهما مترادفان لنبتة الشعر الأصيلة التى لا تذوى مهما قرأتها، هذا الإخلاص وتلك البساطة بجانبها الحسى والمعنوى طالما اخذتنى إلى عوالم مدهشة من الإدراك والتخييل ورمزية المعنى بمفارقات بديعة، كان قرنى صورة للشاعر كما يجب أن يكون، إنسانا عطوفا مرهف الحس، قويا، ومثقفا موسوعيا.

صاحب رأى وإرادة حرة نادرا ما تجدها فى آخرين يتساقطون علينا بلا هوية ولا كتابة حقيقية تنسينا استعلائهم وخبث أروحهم، قرنى كان مثالا للمثقف المهموم بوطنه وقضايا الأدب وإشكالات الواقع المأزوم بمحن وأوضاع غير عادلة، ومؤسس متفان لمبادرات ثقافية تثرى المشهد المصرى وتصقله، أحبيت قدرة هذا الرجل على العطاء وتقديم المساعدة والدعم للموهبين فى كل مكان.


كان قرنى شخصية فريدة فى الثقافة العربية، محبا للشعر ذاته، متعلقا به، يبحث عنه حتى فى المواهب الشابة، ويحتفل بميلاد الشعراء ويحتفى بقصائدهم، يكفى أن أول رسالة بيننا، طلب منى بعض القصائد لملف يقوم بإعداده عن الشعراء الشباب لمجلة “شعر”، يومها شعرت بالرهبة وأيضا الامتنان لهذا الرجل المتواضع الذى يطلب قصائد من شاعرة فى أول الطريق، تنشر على الفيس بوك وليس لها إصدار ورقى واحد، فرحت بهذا الطلب رغم ارتباكى ودهشتى.

وأدركت أن هذه شهادة غالية  واعتراف ثمين من أحد شعرائى المفضلين، الكبير محمود قرنى بنفسه يقرأ لى ويقدمنى إلى المشهد الثقافى وينشر شعرى فى مجلة عريقة، ماذا يريد الشاعر فى بداياته أكثر من هذا الدعم والتقدير؟ وتوالت الرسائل بيننا فى مناسبات مختلفة، كلها تشجيع لى على مواصلة الكتابة وتهنئة على قصائد وإصدارات وجوائز، يتخللها سؤال عن أحواله الصحية التى تدهورت للآسف فى الفترة الأخيرة، هذا الرجل كان قامة إنسانية وثقافية نادرة، لا أريد أن أقول أننا خسرناه، أخشى هذه الكلمة، فالخسارة هنا تعنى ضياع إرثه الذاخر بإبداعات ومواقف وآراء غاية فى النبل والشرف والتعفف والغيرة على الوطن والهوية المصرية، ألمنى مرضه ومعاناته فى آخر أيامه، وآلمنى أكثر شعورى بالخزى أننا تركناه للموت ينهش فيه ببطء؛ لقلة حيلتنا أمام مؤسسات لا تقدر مواطنين هذا البلد الذين دافعوا عن حريته وثقافته وإرادته وحقوق الفقراء والمطحونين، أتمنى أن تحتفى به وزارة الثقافة وينال اسمه جائزة الدولة التقديرية كاعتذار أخير له على الغفلة والإهمال فى حقه، أو على أضعف الإيمان تشرف على طباعة أعماله الكاملة فى الهيئة العامة المصرية للكتاب لتكون متاحة بسعر رمزى لأجيال قادمة فى قرى مصر ونجوعها، تحب أن ترى قوة مصر الثقافية فاعلة وبديعة بهذا العنفوان والجمال، هذا الرجل قدم الكثير للثقافة والمجتمع ويستحق أن نشكره، وأتمنى أن يكون سعيدا بمكانه الجديد فى جنة الشعراء وفى قلوبنا المكلومة بغيابه المؤقت.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة