محمود قرنى
محمود قرنى


عاطف محمد عبد المجيد يكتب : عندما تتألم قل: آآآآآآآه!

أخبار الأدب

الثلاثاء، 11 يوليه 2023 - 11:51 ص

بعد أن ظل يقاوم المرض لفترة طويلة، دون أن يتسول العلاج لا من أفراد أو من مؤسسات، رحل الشاعر محمود قرنى تاركًا خلفه عددًا من الدواوين الشعرية، إلى جانب مجموعة من الكتب النثرية الأخرى التى تناول فيها مجموعة من القضايا الإبداعية والفكرية والثقافية، كما أسس مع آخرين ملتقى قصيدة النثر بالقاهرة وجماعة شعراء غضب.  


هنا قراءة سريعة فى ديوانه “ تفضَّل..هنا مَبْغى الشعراء “ الصادر عن دار شرقيات للنشر والتوزيع، ويستهله بمقولة للشاعر الروسى درجافين يقول فى مَتْنها: مهما تضاربت الأقوال عن الشعراء، فإنهم فتيان ظرفاء، يصلحون قياصرة، عبيدًا، دودًا، وآلهة.


بداية يُعتبر محمود قرنى واحدًا من أهم الشعراء الذين يكتبون القصيدة النثرية فى الآونة الأخيرة، محافظًا، بما يمتلك من أدوات ورؤية خاصة، على إصراره دائمًا على كتابة قصيدة مختلفة عما يكتبه الآخرون: 
باسم أصدقاء كتبوا قصيدة مشتركة
يلتمسون منك قرضًا حسنًا 
فماتوا مَدينين 
بصناديق من الخمر المغشوشة والعظام النتنة.
هنا يتحدث قرنى عن الشعر الذى يدعوه، باسم الفلاسفة الذين هبطوا إلى النهر، باسم عمَّال المطاعم الشعبية، باسم الزنابق التى تركها غذاءً للأفيال، وباسم أجيال من التعساء والحمقى، يدعوه إلى أن يتخذ طريقًا أخرى ، قرنى يضع الشعراء، فى ديوانه هذا فى مواجهة صريحة مع العلماء، الفلاسفة، الساسة، مشيرًا إلى الدور الذى يلعبه العلماء فى الحياة، وكذلك الساسة، سواء أفسدوا الحياة أم أصلحوها، بينما تُخيّم على الشعراء حالة من العجز التام، نتيجة انسياقهم وراء أحلام، بل أوهام، مكتفين بكتابة قصائد لا تنفك تغادر الأوراق التى كُتبتْ عليها، دون أن يشاركوا فعليًّا فى تغيير الواقع كما يفعل سواهم: 
الفيزيائيون كانوا يعملون بجد 
على ملء فراغات 
يعتقدون دائمًا أن الله تركها طعامًا لحكمتهم 
فوضعوا صور شعرائهم فى كسّارة العِظام...
وتركوا وصية فى سجل الزائرين 
تؤكد أن الإمبراطوريات الصالحة 
هى التى تأخذ بيد العدالة 
 إلى عنبر الحُمّى
 لتكشط عنها آثار الشعراء 
بالمزيد من المطهر.
كذلك يتهكّم قرنى مما حدث فى مُلتقيَا قصيدة النثر الأول والثاني: 
على جثث الأعداء 
 انعقد الملتقى الأول لقصيدة النثر 
 وعلى جثث الأعداء أنفسهم 
 انعقد الملتقى الثانى

 وأصدروا توصيات قالوا إنها من أجل المستقبل 
وهنا نصها: السيدات والسادة...
 الشِّعر طيب
 والحياة جميلة 
 النقد تحت سريرنا 
 واللغة مِلك لنا.
قرنى ينتقد هنا حالة الأدب عمومًا مُلقيًا اللوم على أضلاع الإبداع الثلاثة: المبدع، الناقد، والمتلقي. ليس هذا وحسب، بل إن معظم قصائد الديوان ما هى إلا انتقادات لاذعة لمفردات واقع سيئ، استحال الجمال فيه قُبحًا، وسيطر على دفة سفينته مَن لا يستحقون إلا أن يرعوا أغنامًا فى حقول برسيمٍ حين يؤذن الربيع بالرحيل ،وفى المقطع الثانى من القصيدة التى يحمل الديوان اسمها، ويُسمّيها مدخنة الغلال، يرى قرنى أن الشعراء غرقى، وأن رجال السلطة قد عادوا من الميدان للتو تاركين الثغور للقناصة الجُدد، غير أن الشعراء رغم غرقهم إلا إنهم ينتفضون بإباء كلما وقفوا أمام المرآة، ويختتمها قائلًا: 
 الثورة كانت حظَّاظة نقشبندية 
 سرعان ما أغواها الشيطان 
 فمسخها مدخنة 
 فى صومعة الغلال.
وفى المقطع الثالث من القصيدة نفسها ينتقد قرنى أحوال العرب المحدثين وهم يرتدون ساعات اليد السويسرية، رغم أنهم لا يتحدثون أبدًا عن الزمن، هؤلاء العرب المحدثين يطبخون الأعداء فى الأفران البخارية ويقولون إن ذلك من أجل ملايين الجوعى ، وفى قصيدته أغنية ليوم الأحد يرصد قرنى العلاقة ما بين السياسى والمبدع عمومًا:  إله الشرق 
 يحتقر صُناع اللغة 
 ويبول على مجازاتهم 
 يكره المجامع والدواوين 
 والقلوب الجافة. وفى المقطع الرابع من قصيدته أدوات الاستفهام يقول إن أصدقاء السفر تركوا له طبقًا وسكينًا وملعقة وأخذوا معهم الزاد والزواد وقالوا له عندما يتألم يقول آآآآه، غير أنه لم يسألهم كيف. نهاية يذخر هذا الديوان بقصائد تحتمل تأويلات عديدة، إذا ما قُرِأت بتأنٍّ يليق بجمالها الشعرى والإبداعى.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 

 

 
 
 
 
 

مشاركة