فهمي عمر
فهمي عمر


ذكريات إذاعية

فهمي عمر يكتب: ظرفاء الكرة

آخر ساعة

الجمعة، 14 يوليه 2023 - 01:02 م

من ظرفاء الوسط الرياضي خاصة كرة القدم الذين التقيت بهم فى مطلع مشوارى الإذاعى الذى قدمت من خلاله البرامج الرياضية، وبالتالى تعرفت على رجالات الرياضة المصرية إداريين ولاعبين.. أذكر ثلاثة من نجوم كرة القدم كنت آنس إلى جلساتهم فى سهراتنا معا فى حدائق نادى الزمالك عندما كان موقعه على نيل الجيزة قبل أن ينتقل إلى موقعه الحالى، هؤلاء الثلاثة كانوا ملء السمع والبصر حتى بعد أن تقاعدوا بحكم السن حيث ظلت نجوميتهم تاجا على رؤوسهم إلى أن رحلوا إلى عالم البقاء، هؤلاء الثلاثة هم عبدالكريم  صقر ومحمد الجندى وحنفى بسطان، كان ثلاثتهم معروفين على مستوى  مختلف ألوان الطيف الاجتماعى وبالطبع الرياضى منذ أن كانوا طلبة فى المدارس، لأن نجوميتهم الكروية سطعت وهم فى مرحلة التعليم الثانوى ومن خلال مباريات المدارس مع بعضها البعض، كان عبدالكريم «كرم» من أعيان العباسية خاصة أن خاله هو المرحوم طلعت باشا حرب، وفى نظر الحى نشأ وترعرع محمد الجندى «أبوالجنود»، ولكن حنفى كان من أبناء حى السيدة زينب وكان زميله فى فريق الزمالك الكابتن «الصباحي» يناديه دائما ومداعبا مسميا إياه «البيضا».

وفى بداية معرفتى بنجوم الوسط الرياضى من خلال البرامج الإذاعية الرياضية التى كنت أقدمها كان كرم وأبوالجنود على وشك أن يودعا الملاعب، أما حنفى  فقد استمر يلعب حتى ١٩٥٧، وقد تزامل هذا الثالوث فى فريق نادي فاروق «الزمالك» وأيضا فى الوظائف التى عُيِّنوا فيها  وكانوا من العاملين فى مصلحة السجون، فقد كان الفريق محمد  حيدر باشا رئيس نادى فاروق وزيرا للحربية وتتبعه مصلحة السجون، ولكن بعد موسمين وفى مطالع الخمسينيات عاد كرم والجندى إلى  ناديهما الأهلى وبقى بسطان فى الزمالك  حيث نشأ وترعرع فى ملاعبه.. كانت جلسات هذا الثالوث جلسات سمر بمعنى الكلمة، فهى جلسات مليئة بالفكاهات والنكات والضحكات.. وفى ليلة من الليالى وبعد أن «صهلل» الجميع سأل الجندى عبدالكريم صقر قائلا وكان ذلك قبل قيام الثورة ـ إلا قوللى ياكابتن ياترى لو بقيت ملك مصر بدلا من الملك فاروق حتعملنا إيه؟! وأجاب كرم بعد لحظة صمت قصيرة قائلا: «أول حاجة أعملها أطلّع أمر ملكى  بشنقكم!! هتف الجندى وحنفى إزاى ياكابتن فرد قائلا: أُمال أسيبكم كل  ساعة والتانية تنطولى!!.. ويحكى الجندى أنه عندما كانت فرق مصر الرياضية تشارك فى أولمبياد  لندن ١٩٤٨ أن تزامل كرم فى حجرة النوم مع لاعب بورسعيد ـ حمدين الزامك» وكان من أبرز نجوم النادي المصري والفريق القومى، فبعث عبدالكريم بخطاب لأحد أصدقائه يقول فيه: «إنه يعيش فى القرية الأولمبية فى حجرة فيها «سريرين ودولابين وحمدين»، ومن الطرائف أيضا أن المنتخب القومي كان فى معسكر الإعداد للدورة وجاء أحد أساتذة التغذية ليضع نظاما غذائيا يكسب اللاعبين المزيد من اللياقة، فأشار هذا الأستاذ ببعض التعليمات ومنها أن يتناول اللاعبون إفطارهم بحيث يكون مشتملا على التوست والمارملاد «أى العيش الناشف والمربة»، هنا حبكت النكتة على لسان اللاعب محمد الجندى، فقال معلقا: داحنا لو مشينا على اللى بتقوله سيادتك يبقى مش حنقدر نوصل لغاية خط السنتر»!! وضحك اللاعبون والإداريون، وبالطبع جاءت وجبات الإفطار كما يشتهى الجميع مكونة من البيض والمدمس والحلاوة الطحينية.. ومع هذه الأرواح المرحة فإن أصحابها كانوا شديدى الاعتزاز بأنفسهم فى غير ما تكبر أوكبرياء.

وأذكر أنه فى ستينيات القرن الماضى كان المنتخب يقوده مدربًا محمد الجندى ومعه حنفى بسطان، وأقيم المعسكر فى ثكنات القوات المسلحة بمنطقة مصطفى كامل بالإسكندرية وذلك استعدادا للقاء أحد المنتخبات الأفريقية فى تصفيات القارة، الذى تحدد له أحد أيام أغسطس، ولذلك أقيم معسكر المنتخب فى الثغر ولُعبت المباراة باستاد الثغر أيضا.

وكان أحد المسئولين فى اتحاد الكرة فى زيارة للمنتخب وجاء الرجل يزور المنتخب ويستحثه على تقديم الأفضل فى المباراة واجتمع سيادته مع المنتخب لاعبين وإداريين وتطرق به الحديث إلى ما يجب أن يظهر به المنتخب من لياقة وأن يقدم العرض اللائق، وتطرق به الحديث إلى ما يجب أن يؤديه كل لاعب وأنه على  اللاعب  الفلانى أن يلعب  بدون أنانية وأن متوسط الدفاع عليه أن يكون صامدا و«لا يشلت» مثلما كان يفعل كابتن حنفى بسطان فى بعض اللقاءات. الرجل قال جملته من باب الهزار، ولكن حنفى انتفض واقفا وبصوت جهورى قال: إزاى سيادتك تقول كده عنى وأنت مين فى عالم الكرة.. دا أنا لما كنت نجم الملاعب كنت سيادتك تسمع بس فى الراديو هتافات الجمهور باسمى، وتكهرب الجو ومعلهش ياكابتن دا أنا كنت بهزر وكانت حوسة تبعتها تطيب خواطر الكابتن وكلمات أسف، وانتهى الموضوع على خير. 

كانت العلاقات بين الثالوث كرم وأبوالجنود وبسطان غاية فى القوة والمتانة والصداقة الحميمة وعندما رحل عبدالكريم صقر إلى بارئه ظل الجندى وحنفى فى حزن عميق، وعندما رحل الجندى إلى عالم البقاء كان حنفى لا يكاد يخرج من منزله ولم يحتمل فراق الأحبة، فإذا به يلقى بارئه بعد أقل من أسابيع لا تعد على أصابع اليد الواحدة.. رحم الله الثالوث الكروى خفيف الظل وساطع الضوء فى الملاعب  فى عصر الكرة الذهبى الذى كان لاعبوها يذوبون حبا فيها ويقدمون أفضل العروض ولا يجرون وراء الملايين وعقود الاحتراف.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة