فهمي عمر
فهمي عمر


ذكريات إذاعية

فهمي عمر يكتب: عن صباح 23 يوليو سنة 1952

آخر ساعة

الجمعة، 28 يوليه 2023 - 04:10 م

يوم الأحد الماضي هلّ علينا عيد الثورة المجيدة ثورة الثالث والعشرين من يوليو سنة ١٩٥٢، فهى الثورة التى خفقت لها قلوبنا جميعًا بعد انتظار طويل وسنين عجاف قضيناها تحت استعمار غاشم جثم علينا وكتم أنفاسنا إلى أكثر من سبعين عامًا.. إضافة إلى حكم ملكى فاسد تسانده أحزاب ضعيفة تهرأت وكان هدفها الإمساك بتلابيب السلطة ولو على حساب أمانى الوطن وأبنائه، جاءت الثورة المباركة فى صباح مشهود لتنقلنا إلى مستقبل باسم رحب..

وكان من حظى وحسن طالعى أن أكون (حسب ظني) الإعلامي الوحيد الذى شهد بواكير هذا اليوم وشاهد الثوار وعرف منهم أننا مقبلون على عهد الحرية والكرامة.. والقصة والحكاية أن اشتعال الثورة صادف يوم أربعاء.. وكانت فترة الصباح الإذاعية التي تبدأ فى السادسة والنصف صباحًا كل يوم أربعاء منوطة بى وذلك حسب جدول عمل المذيعين.. فقد كانت الإذاعة فى تلك الحقبة من السنين تقدم برامجها على فترات خلال اليوم وليس كما هو حادث هذه الأيام من أن الإرسال والبث الإذاعى يدور على مدى ساعات اليوم.. وفى الخامسة والنصف صباح ذاك اليوم كنت قد هيأت نفسى انتظارًا لمجىء عربة الإذاعة لتنقلني من منزلى إلى شارع الشريفين..

ولكن العربة لم تصل فى الموعد المحدد.. فنزلت إلى الشارع.. واتخذت من التاكسى وسيلة لإيصالى إلى منطقة الشريفين.. وعندما اقتربت من ميدان سليمان باشا الفرنساوى (طلعت حرب حاليًا) استرعى نظرى وشد انتباهى منظر الميدان فقد كان مكتظًا بعربات تحمل جنود القوات المسلحة إضافة إلى مجموعات منهم تقف فى الميدان وأسلحتهم على أكتافهم، وقبل أن أفيق من دهشتى تضاعفت هذه الدهشة عندما وصلت إلى تقاطع شارع صبرى أبوعلم مع شارع الشريفين.. فقد كان هناك طابور من جنود الجيش يقف بعرض التقاطع يمنع الدخول إلى شارع الشريفين.. ولا أطيل فى السرد حيث عرّفت نفسى لقائد الطابور وكان فى شارع علوى الموازى لشارع الشريفين سألته ما الحكاية.. فقال مبتسماً.. عندما تصعد إلى الأستوديوهات.. ستعرف الأمر بكل حذافيره.. ولا أريد أن أطيل فى السرد فكل الأحداث عن ذاك الصباح من حيث لقائى مع البكباشى أنور السادات الذى قرأ البيان الأول للثورة فى مستهل نشرة أخبار السابعة والنصف.. أقول كل السيناريو الذى حدث كتبته مرارًا وقصصته مرارًا فى الكثير من وسائل الإعلام مسموعة ومرئية ومكتوبة..

ولكنى أريد أن أتحدث عن بعض ما قيل وما كتب عن أحداثها، وهناك بعض الطرائف فى محتواها.. بل إن بعضاً من تلك الأحداث كان إنكار ما قام به السادات وأنه لم يقرأ البيان الأول للثورة.. ومن الشخصيات ذات الثقل التى قالت بأن السادات لم يكن له دور فى يوم ٢٣ يوليو وأنه لم يلق بيان الثورة الأول، السيد حسين الشافعى الذى كتب مقالاً فى إحدى المجلات يؤكد فيه أن السادات لم يقرأ البيان وصادف أن شاهدت السيد حسين الشافعى جالسا فى إحدى حدائق نادى الجزيرة فتوجهت إليه بالتحية وقابلنى سيادته بكل ترحاب وعندما قلت له بأننى قرأت مقاله الخاص بالسادات همهم ببعض كلمات واحترمت أن أطيل فى المناقشة وألقيت عليه السلام إيذانا بانتهاء اللقاء.. نفس الأمر حدث من الأستاذ محمد حسنين هيكل حيث قال فى إحدى حلقات برنامج قدمه بتليفزيون قطر أن السادات لم يقرأ البيان..

وبعد أن شاهدت الحلقة طاف بذهنى أن أصحح الوضع، فلعل الإنسان يكون قد نسى أو تناسى التاريخ ولما هاتفته منوهًا بروعة ما يقدمه فى البرنامج من ذكريات لم نكن نعرف عنها شيئا قلت له إننى أريد أن أصحح واقعة خاصة بالبيان الأول للثورة وأن السادات بالفعل هو الذى قرأ البيان لأنى كنت المذيع الذى قدمه للمجتمع فى ذاك الحين.. تناثرت الكلمات مبتعدة عن الموضوع فاحترمت أيضا أن أسترسل فى مناقشته.. ولكن الشيء الطريف والمضحك فى هذا السياق هو ما كتبه أحد النقاد الفنيين عن صباح يوم الثورة وأن السادات وهو فى طريقه إلى الخروج من مبنى أستديوهات الإذاعة التقى المطرب محمد رشدي الذى سلم على السادات مهنئا بالثورة..

وهنا قال له السادات «أنت المطرب» اللى بيغنى أغنية مأذون البلد.. دى أغنية فيها الفرحة وإحنا عاوزينك النهارده تغنيها وتغنى معاها كل ما يفرح القلوب ويسعدها.. أذكر أنى التقيت الأخ الناقد وقلت له من أين لك ما حدث بين السادات والمطرب.. وأردفت قائلا.. يا سيدى السادات ألقى البيان الساعة 7:30 صباحًا وترك المبنى على الفور وصباح الثورة كانت منطقة الشريفين محظوراً الدخول إليها إلا لموظفى الإذاعة وهذه واحدة.. أما الثانية فإن مهندسي التسجيلات لا يحضرون لعملهم فى الإذاعة إلا فى التاسعة..

وأما الثالثة فإن كل المطربين كانوا يسجلون أغانيهم فى المساء وليس فى الصباح الباكر.. وأما الرابعة فإن أغنية مأذون البلد من تسجيلات سنة ١٩٥٤.. أما الخامسة وهنا لم يتركنى أكمل كلامى وتركنى وهو يبرطم بكلمات لم أتفهمها وكأنه يقول لى إذا كنت مش مصدقنى روح أسأل السادات!. 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة