الدكتور طارق الزيات
الدكتور طارق الزيات


«أيام الأستاذ عادي3».. قصة قصيرة للكاتب الدكتور طارق الزيات

صفوت ناصف

الخميس، 03 أغسطس 2023 - 05:10 م

الحلقة الثالثة

ألقى الصباح على مدام فريال التي تعمل في ذات المكتب، وناولها ألفين من الجنيهات وطلب منها أن يدخل بنفرين في جمعية من الجمعيات التي دائماً ما تجمع المشتركين فيها من المصلحة، أدخلته مدام فريال في جمعية في نفس الشهر وفي جمعية تبدأ الشهر التالي، وقالت له أن يقبض الجمعية الأولى بعد عشرة أشهر، أما الجمعية الثانية يقبضها بعد خمسة أشهر، لأن أولوية القبض للمشتركين أولاً، شكرها ومضى إلى مكتبه، تناول إفطاره وشرب كوب من الماء وانهمك في تسجيل القيود.

انتصف النهار ودخلت إحدى الموظفات الشابات تحمل له ورقة كي يوقع عليها، كانت الموظفة من شئون العاملين وتطلب توقيعه على الاشتراك في صندوق العاملين، يخصم من راتبه عشرين جنيهاً شهرياً وفي نهاية الخدمة يمنحونه نصف شهر عن كل سنة حسب آخر راتب، وقع الورقة وقدمها لها شاكراً، أخذت الورقة وأخذت معها قلبه، لطيفة رقيقة ترتدي ملابس متناسقة رغم بساطتها، بدت له طيبة، صحيح أنها ليست مميزة بشكل خاص ولكنها مثله عادية، نعم عادية هذا هو أفضل ما فيها، غير العادية لن تلتفت إليه، لا يتمتع بميزة غير عادية، ما أجمل أن يلتقي العادي بالعادية ولكن كيف؟

جاءه صوت فريال، هذه بسمة أبنة الأستاذ عبد السلام، كان كاتب حسابات هنا وإكراماً لخاطره عينها رئيس المصلحة، عمرها أربعة وعشرين عاماً حاصلة على دبلوم عال وليست مخطوبة، عادي يعني مثلها مثل غالبية البنات، تعجب من كلام مدام فريال واستفسر عن سبب توججها له بالحديث، قالت له إنها سيدة كبيرة وتستطيع أن تقرأ في نظرة عينيه إعجابه بها، وعلى حد قولها فإن نصف المصلحة متزوجة من نصفها الآخر ثم ضحكت ضحكة خجول وأحمر وجهها الأبيض المكتنز من فرط ما حاولت أن تكتم ضحكتها الرنانة.

أحضر له عامل البوفيه كوب شاي، قال له إنه من مدام فريال، شكرها وعاتبها على تكليف خاطرها فقالت له إنه مثل ابنها كما إنه أكمل لها الجمعية الأولى ويستحق أن تحييه بكوب شاي خاصة أن المشتركين في الجمعية لا يرضون أبداً بالدور الأخير ثم فاجأته وسألته إن كانت بسبوسة تعجبه، لم يفهم ماذا تعني فلم يكن هناك أية بسبوسة مع الشاي، فقالت له بسمة بنت الأستاذ عبد السلام، بندلعها بسبوسة.

قال بتحفظ إنها جميلة، بسبوسة اسم يليق بها، بادرته قائلة هي ليست فاتنة ولكن إسألني أنا ست كبيرة وفاهمة البنت دي فيها أنوثة طاغية، لم يفهم وأحمر وجهه خجلاً وخشي أن يسألها ماذا تعني، فقالت له لا تكن لبخة هكذا فالبنات لا يعجبهن الرجل الخجول، ولا الجرئ، خليك عادي يعني.

عادي، وهل هناك من هو عادي أكثر مني، ابتسم وقال لها إنه لا يمكن أن يفكر في أي خطوة قبل أن يكون قد قبض الجمعيتين لأنه لا يملك أية مدخرات، لم تفوت فريال الفرصة وقالت له هذه أمور يمكن تدبيرها، لو كان عندك النية ورجل جاد فسوف أنهي الموضوع ولا تعتل هماً، صدقني لن تجد فتاة رقيقة مثلها وليست لها متطلبات، طلباتها ستكون عادية.

قال لها أنها مثل أمه وأنه لا يستطيع أن يستأجر شقة وقد رتب أن يتزوج في منزل والده وإنه يمكن أن يتزوج في حجرته، لم تندهش فريال وقالت إن هذا الوضع لن يؤثر على الموضوع فابن الأستاذ عبد السلام تزوج في شقته بعدما حشر عبد السلام بناته الثلاث في غرفة واحدة، وبسبوسة طيبة وبنت حلال والموضوع سيكون عادي بالنسبة لها.

لم تتوقف فريال بل سألته عن والدته فأخبرها أنها توفيت منذ كان في الإعدادية، خبطت على صدرها متأسيةً عليه وترحمت عليها وقالت له أنه رغم ألم فراق الأم صعب ولكن هذا سيجعل الأمور أكثر يسراً فدوماً تنشأ المشاكل في بيت الأسرة بسبب الخلافات بين الأم والزوجة.

صدم من كلام فريال، لم يكن يعرف أن كثير من السيدات الكبار يتحدثن بلا قيود من كثرة ما رأوا في الحياة، وكثير منهم لا يهتم باختيار كلماته، صمت لم يعرف ماذا يقول لها مكتفياً بالترحم على والدته.

خرجت فريال من الغرفة وغابت نصف ساعة ثم عادت إلى المكتب وهي تنهج وارتمت على الكرسي، مرت عشر دقائق حضرت بعدها بسبوسة وهي تحمل الورقة وقالت له أنه نسي أن يضع التاريخ بجوار توقيعه، وقف أمامها وقال متلعثماً أي تاريخ، فقالت تاريخ اليوم يا أستاذ فأخذ الورقة وكتب التاريخ وناولها لها وهو يحاول أن ينظر في عينيها ولكنه لم يستطع أن يطيل النظر فقد ارتبك وسحبت هي الورقة منه وخرجت وهي تنظر إلى فريال التي بادلتها نظرة رضا عن أدائها.

قالت له فريال أنها مرت على كل المشاركين في الجمعيتين وأنهم جميعاً وافقوا على أن يقبض أول دور لو تقدم إلى بسبوسة، أي أنه الشهر القادم سوف يقبض عشرون ألف جنيه، فسألها إن كانت ستقبل بشبكة بهذا المبلغ، فأشاحت له بيده وقالت له دبلتين وخاتم يؤدوا الغرض وهؤلاء بنات عاديون لا يريدون إلا الستر.

 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة