آمال عثمان
آمال عثمان


أوراق شخصية

صداقة لا تُقدَّر بثمن

آمال عثمان

الجمعة، 11 أغسطس 2023 - 08:31 م

الوفاء والنُبل قيم عظيمة ضاعت فى زمن ردئ متلوّن، تُحركه المصالح والأهواء، وتسيطر عليه قلوب صدئة خبيثة، يغمرها الجشع والأحقاد والأنانية. زمن صار الناس فيه لا يعرفون سوى لغة المال والأرقام، ويحكمون على بعضهم البعض بحجم أرصدتهم فى البنوك، وقوة نفوذهم وسلطانهم وعلاقاتهم، ولا يعبأون بجوهر الإنسان وأخلاقه، ولا يبالون بمبادئه أو ثقافته وتعليمه.

وبمناسبة الحديث عن النبل والوفاء تلقيت رسالة من صديقتي د. فؤادة البكري الأستاذة بكلية الإعلام جامعة حلوان، تروى فيها قصة «حلاق» الفنان العالمي «بابلو بيكاسو»، أشهر رسامي القرن العشرين، والذي انتقل للإقامة فى باريس عاصمة الفن بعد الحرب العالمية الثانية، وأسّس المدرسة التكعيبية التى ارتبطت باسمه، ولم يقتصر إبداعه على الرسم، وإنما ألَّف عدداً من المسرحيات، وكتب 300 قصيدة، وشارك بشخصيته الحقيقية فى بعض الأفلام. 

تعرَّف بيكاسو على حلاقه الخاص «أوجيىنيو أرياس» عام 1944، ونشأت بينهما صداقة ظلت ممتدة حتى وفاته عام 1973، حيث كان الحلاق من أصل إسباني ويقيم فى فرنسا مثله، لذا كان الحلاق يرفض أن يتقاضى أجراً على حلاقة شعره، وفى المقابل كان بابلو يهديه بعض لوحاته تعبيراً عن امتنانه، حتى وصل ما يقتنيه الى 60 لوحة من أعمال بيكاسو، وبعد رحيله عام 1984 سارعت المتاحف العالمية للتفاوض مع الحلاق، لشراء تلك الأعمال مقابل ملايين الدولارات، لكنه رفض كل الإغراءات التى عُرضت عليه مقابل بيع أعمال صديقه، ضحّى بملايين الدولارات وقرر عام 1985 إقامة متحف بقريته الصغيرة، «بويتراجو ديل لوزايا» شمال العاصمة الإسبانية مدريد، ليضم تلك اللوحات النادرة، وجعل من قريته مقصداً سياحياً للملايين من عشاق فن بيكاسو فى العالم، وبذلك خلق نشاطاً اقتصادياً كبيراً لبلدته، بدلاً من جنْى أرباح شخصية من وراء صديقه.

لذلك عند رحيله عام 2008، ودَّعت القرية الصغيرة حلاق بيكاسو، مثلما يُودع الأبطال، وحتى اليوم مازال المتحف مفتوحاً، وتحوّلت القرية إلى أحد أهم الأماكن السياحية فى إسبانيا، أما «أرياس» فأضحى أشهر وأنبل حلاقي العالم بعدما كان منسياً مثل كل الفقراء.. 

حقاً إن الوفاء والنُبل الذى يسكن الروح هو جوهر الصداقة الحقيقية التى لا تقدر بثمن. 
 


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة