عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الأسبوع

ربط الكراهية وازدراء الأديان بحرية التعبير متلازمة مخدومة

الأخبار

الأحد، 20 أغسطس 2023 - 08:35 م

ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة التى تأذن فيها حكومة السويد لشخص باقتراف فعل شنيع يحرض على الكراهية والعنف ويزدرى الأديان. فقد سبق للحكومة السويدية السابقة أن سمحت بذلك، وقبلها لم تتردد الحكومة الدانماركية فى الترخيص باقتراف نفس الفعل الإجرامي. والمبرر كما رددت ذلك الحكومة السويدية غير ما مرة ، أن الأمر يتعلق ب (ممارسة حرية التعبير ) و يبدو أنها تستند فى ذلك إلى حكم قضائى صادر عن القضاء السويدى أفتى فى أن ( الشرطة لا يمكنها منع حرق الكتب المقدسة ) .


طبعا، اختفاء الحكومة السويدية و القضاء السويدى فى حرية التعبير فى الإذن و السماح باقتراف أفعال تكتسى طابع الخطورة، لأنها تحرض على العنف و الكراهية و تتعمد ازدراء الأديان ، لم يتوفق فى إلغاء المسؤولية المباشرة للحكومة السويدية فيما حدث ، مما وضعها فى مواجهة ردود فعل غاضبة جدا من طرف عدد كبير من الدول و المنظمات الدولية ، و أصبحت فى ضوء كل ذلك هذه الحكومة ، المسؤولة المباشرة بصفتها المرخصة باقتراف هذه الأفعال الشنيعة .


طبعا، السويد عضو فاعل فى منظمة الأمم المتحدة التى وضعت تعريفا دقيقا و واضحا لخطاب الكراهية و التى حددته فى أنه « أى نوع من التواصل الشفهى أو الكتابى أو السلوكى الذى يهاجم أو يستخدم لغة ازدرائية أو تمييزية ، بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس الهوية ، و بعبارة أخرى على أساس الدين أو الانتماء الإثنى أو الجنسية أو العرق او اللون أو النسب أو النوع الاجتماعى ، أو أحد العوامل الأخرى المحددة للهوية « و وافقت الحكومة السويدية على هذا التعريف و باركته ، كما صادقت بصفتها عضوا فى منظمة الأمم المتحدة فى سنة 2021 على تحديد تاريخ 18 يونيو من كل سنة للاحتفاء باليوم العالمى لمكافحة خطاب الكراهية .و بمناسبة الاحتفاء بالطبعة الأولى لهذا اليوم العالمى قال الأمين العام للأمم المتحدة و هو ينتصر لمناهضة خطاب الكراهية « إن خطاب الكراهية كجرس إنذار ، كلما تعالى صوته ، زاد خطر الإبادة الجنائية ، إنه يسبق العنف و يعززه « .


ليس هذا فقط بل أن جميع المواثيق و المعاهدات الدولية التى وافق عليها المجتمع البشرى تحظر خطاب الكراهية و تفصله عن الحق فى ممارسة حرية التعبير ، كما هو عليه الحال بالنسبة للإعلان العالمى لحقوق الإنسان و ميثاق الأمم المتحدة ، و بالتالى فإن الحكومة السويدية التى أكدت من خلال عضويتها فى الجمعية العامة للأمم المتحدة التزامها باحترام ما يصدر عن هذه المنظمات من قرارات و مواقف ، تجد اليوم نفسها فى وضع مناقض يحرجها كثيرا و لا يمكنها تبريره .


الإشكال ليس فى السويد ، و لا هى قضية سويدية يمكن لحكومة هذا البلد أن تحد من اقتراف مثل هذه الأفعال التى تندرج فى صلب خطاب الكراهية و التحريض على العنف و ازدراء الأديان .بل الإشكال الحقيقى يكمن فى اعتبار اقتراف مثل هذه الأفعال الخطيرة ، و ربطها قسرا بحرية التعبير حقا أصليا للفرد و للجماعة فى فهم و ثقافة الدول الغربية .و هذا ما يتضح من دعوة الولايات المتحدة و دول الاتحاد الأوروبى و بريطانيا ، إلى التصويت ضد قرار الأمم المتحدة المصادق عليه أخيرا ، والذى اعتبر ( حرق المصحف سواء فى السويد أو فى حوادث مشابهة هدفه التعبير عن الإزدراء و إثارة الغضب و الخلافات ) بمبرر أن الأمر يتعلق بحرية التعبير . بما يعنى أننا لسنا أمام حالة معزولة ناتجة عن تصرف طائش لشخص تافه ، لم يجد سبيلا للتعريف بنفسه غير اقتراف فعل مشين و مخالف للمواثيق الدولية ، بل إن الأمر يتعلق بإرادة جماعية للإساءة إلى دين معين ، بما يتيح ، و يشرع القول بوجود حرب غربية ضد هذا الدين .


هل يمكن مثلا أن نبرر الأفعال الإرهابية التى يقترفها إرهابيون باسم الإسلام، أنها تندرج فى إطار حرية التعبير؟ لأن المقصود من كل عملية إرهابية ليسوا الضحايا فى حد ذاتهم، بل الهدف من كل عملية ارهابية يتمثل أساسا فى رسالة معينة يريد الإرهابى إيصالها إلى المجتمع، بمعنى أنه يستخدم الجريمة الإرهابية وسيلة للتعبير عن الرأى وعن الموقف.


ثم أليس اقتراف جريمة ازدراء الدين الإسلامى و احتقار المسلمين و إذلالهم بالمس بعقيدتهم، يعطى للإرهابيين مبررا يجد صداه فى أعماق المسلمين فى كافة أرجاء العالم، خصوصا لدى البسطاء منهم، فى اقتراف مزيد من الجرائم الإرهابية، فى إطار ما يمكن أن يفهم منه ردة فعل و دفاع شرعى عن النفس؟
و مهم أن نسجل فى هذا الصدد، أن التصرفات المشينة المتمثلة فى حرق القرآن الكريم أو تعمد الدوس عليه، أو إطلاق العنان لتعابير مسيئة فى حق النبى محمد صلى الله عليه وسلم، فى البرلمانات الأوروبية و فى الفضاءات الأوروبية العامة ، تتزامن دوما مع تراجع الحديث عن العمليات الإرهابية التى يقترفها محسوبون على الإسلام ، مما يفهم منه أن هناك فى الغرب من يتعمد الحفر فى هذا الجرح من خلال اقتراف تصرفات مشينة بهدف إعادة الحياة للعمليات الإرهابية ، و كأن الأمر يتعلق بتحريض مباشر و صريح على ارتكاب الأفعال الإرهابية .


بقى أن نسائل الحكومة السويدية و القضاء السويدي، و من خلالهما جميع الأوساط الغربية التى تسمح و تأذن بحرق القرآن الكريم أو الدوس عليه أو تمزيقه بمبرر احترامها لحرية التعبير، و بأنها لا يمكنها أن تحاكم النوايا، عما إذا كانت تسمح بنفس الطريقة و بنفس الإرادة و الحرص بارتكاب تصرف أو فعل قد يفهم منه معاداة السامية مثلا؟
أترك لهم الجواب، وإن كنت على علم مسبق به.
نقيب الصحافيين المغاربة

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة