صورة موضوعية
صورة موضوعية


وسط ارتفاع أسعار الطاقة وإفلاس المصانع| خراب في أوروبا بسبب واشنطن والناتو

آخر ساعة

الأربعاء، 23 أغسطس 2023 - 01:35 م

■ كتبت: دينا توفيق

منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية ومع محاولات الناتو التوسع شرقًا تجاه روسيا، ما قد يغيّر المشهد الجيوسياسي لأوروبا، كانت مسألة التداعيات الاقتصادية لهذه المواجهة الخطيرة تُطرح دائمًا على أنها طريق باتجاه واحد وهو محاصرة وعزل روسيا، حيث كان من المتوقع أن تتفوق الأخيرة على ألمانيا والمملكة المتحدة، أقوى الاقتصادات الغربية، خاصة مع خضوع برلين لواشنطن، ما أدى إلى تراجع التصنيع في ألمانيا، وهى العملية التى عجلت من إنهاكها حتى قبل روسيا.

وربما يكون هناك ما يبرر أن الدولة التى بذلت أقصى جهد لفرض التوسع فى الاتحاد الأوروبى شرقًا واتباع المحافظين الأمريكيين الجدد فى التوسع العدوانى الناتو نحو روسيا الآن تعانى من أكبر أزمة اقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية.

أرادت الولايات المتحدة أن تهاجم روسيا أوكرانيا، وفقًا لأستاذ الاقتصاد السياسى العالمى فى كلية لندن للاقتصاد «روبرت هانتر ويد»، ما كانت هناك العديد من العواقب واسعة النطاق وطويلة المدى، وبعد ذلك بحسب ما ذكره، الصحفي الاستقصائي الأمريكي «سيمور هيرش»، فجرت الولايات المتحدة  خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2، بالإضافة إلى العقوبات التجارية ضد روسيا وتنامى التحالف بين روسيا والصين، والقدرة التنافسية المتزايدة للصناعة الصينية.

والنتيجة هى أن الأوروبيين يمرون بأزمة طاقة، وألمانيا على وجه الخصوص تواجه تراجع التصنيع، التى يتعين عليها الآن شراء الطاقة من الولايات المتحدة وأماكن أخرى بسعر مضاعف، مثل الهند التى شهدت مكاسب غير مسبوقة بإعادة بيع النفط الروسى إلى الاتحاد الأوروبي، وفقًا لمجلة «الإيكونوميست» البريطانية.

◄ اقرأ أيضًا | «معلومات الوزراء» يُطلق الجلسة الـ11 من المنتدى الفكري حول «صناعة الهيدروجين الأخضر»

وبالإضافة إلى ذلك الارتفاع الكبير فى تكاليف الاقتراض والأجندة الخضراء، ليس غريبًا أن يعلن المكتب الفيدرالى للإحصاء فى فيسبادن، بولاية هسن الألمانية، أن ما يقرب من ربع الشركات (23٫8%) قد قدمت طلبات إفلاس فى يوليو 2023 مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي. عندما تعانى ألمانيا، يأتى بأثره على الاتحاد الأوروبى كافة؛ حيث انهار الإنتاج الصناعى فى فرنسا، وأصبحت كل من ألمانيا وفرنسا تواجهان كسادًا اقتصاديًا، وتكاليف عالية للطاقة، وتراجعًا للإنتاج الصناعي، وطاقة روسية رخيصة «لا تزال بعيدة عن الطاولة».

ووفقًا لموقع «بوليتيكو» الأمريكى، سيكون لتآكل النواة الصناعية لألمانيا تأثير كبير على بقية دول الاتحاد الأوروبي. ألمانيا ليست فقط أكبر لاعب فى القارة، بل إنها تربط بين الاقتصادات المتنوعة فى المنطقة باعتبارها أكبر شريك تجاري ومستثمر للعديد منها.

وفى السنوات التى أعقبت تفكيك الاتحاد السوفيتي، كان يُنظر إلى موسكو على أنها مصدر للموارد الطبيعية الغاز والنفط، والسوق الرائدة للتوسع الذى تشتد الحاجة إليه لصادرات الاتحاد الأوروبى. والآن، لا تستطيع اقتصادات الاتحاد الأوروبى أن تحل محل روسيا. وتعد ألمانيا الخاسر الأكبر فى هذه الحالة، حيث شهدت قوتها الصناعية تفككًا غير مسبوق، بعد تقييمها الخاطئ لمرونة موسكو وتوقعها أن شن حرب عقوبات ضد روسيا سوف ينجح، ما يعنى أن محاولة عزل روسيا فشلت فشلًا ذريعًا.

وفى الوقت الذى تتكشف فيه هذه الكارثة الاقتصادية، تلتزم الحكومة الألمانية التي ساهمت بالفعل بمبلغ 22 مليار دولار لأوكرانيا فى التمويل والتسليح، بتقديم 5 مليارات دولار إضافية سنويًا حتى عام 2027، مما ساعد على تأجيج الحرب التى أدت إلى انهيارهم الصناعي.

وتخطط ألمانيا لبناء بنية تحتية ضخمة لاستيراد الهيدروجين من دول مثل أستراليا وكندا، لكن التكنولوجيا ليست مضمونة على الإطلاق خاصة على مستويات الواردات اللازمة لإنقاذ ألمانيا من أزمة الطاقة. وتمر صناعة السيارات الألمانية بأزمة، حيث انخفض إنتاج كبار مصنعيها بشكل كبير بين عامى 2019 و 2023. ووفقًا لمجلة «فوربس» الأمريكية، انهارت الآلة الاقتصادية الألمانية؛ ونهاية عهد التصنيع الذى يركز على التصدير، وعوائق سلسلة التوريد بسبب الحرب الدائرة بين الروس والأوكران، وأزمة الطاقة وتمويلها لأوكرانيا بنحو 14,2 مليار دولار.

ولتدمير أوروبا اقتصاديًا بدءًا من ألمانيا، تم اختيار «أولاف شولتز»، مستشار ألمانيا، والرئيسة غير المنتخبة للمفوضية الأوروبية، «أورسولا فون دير لاين»، من قبل الولايات المتحدة، وعندما «تأهلوا» فى النهاية، عززوا آلة الكذب الإعلامية فى أوروبا بشأن نقص الطاقة ونقص الغذاء والتضخم الفلكى  والترويج للخوف من العواقب الوخيمة المتعددة لهذه الكوارث. لقد فرضوا برنامجًا صارمًا لتوفير الطاقة تحت التهديد بالعقوبات الشديدة، بما فى ذلك الغرامات. هذا على الرغم من حقيقة أن خزانات الغاز الألمانية ممتلئة بحوالى 94%، وهى أكبر نسبة كانت فى آخر 5 سنوات.

يرى المحلل الجيوسياسى والخبير الاقتصادي السابق في البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية «بيتر كونيج» أنه مادامت المفوضية الأوروبية، كما هى عليه اليوم والقادة الأوروبيين الرئيسيين هم «أعضاء» المنتدى الاقتصادي العالمي فإن النظرة المستقبلية قاتمة لأوروبا، وخاصة المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا. حيث إن رؤساء حكومات البلدان الأوروبية جميعهم من خريجى أكاديمية القادة العالميين الشباب (YGL) التابعة للمنتدى الاقتصادى العالمى، مثل «أورسولا فون دير لاين»، و«شولتز». إن الوضع فى أوكرانيا ليس مجرد حرب بالوكالة عن الناتو مع روسيا. إنها أيضًا حرب تجارية وطاقة فرضتها الولايات المتحدة على أوروبا.


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة