الفنانة علية عبد الهادي
الفنانة علية عبد الهادي


الذكاء الاصطناعي.. مغامرة أم إبداع؟

د. طارق عبدالعزيز

الإثنين، 28 أغسطس 2023 - 04:01 م

هل سيؤثر الذكاء الاصطناعي على حركة الإبداع في الفن التشكيلي ويعيد رسم خريطة المعارض في الفترة المقبلة؟.. أسئلة عديدة مثارة في هذا الشأن منها ما هو منطقي ومنها ما هو بعيدٌ تمامًا عن المنطق، ولا تحتمل النقاش أكثر من بضع دقائق، ولا تستحق إهدار الوقت في إقناع طرف دون الآخر.

ذكاء بشري

بداية.. الذكاء الاصطناعي أو الذكاء الصناعي أو الـ  (Ai) اختصارٌ لـ(Artificial intelligence)، وهو برنامج يتم التحكم فيه عن طريق الحاسوب لتنفيذ مهام تتطلب ذكاءً بشريًّا .. من هذه المهام رسم أو تصميم لوحات تشكيلية جاهزة للطباعة على خامات مختلفة مثل الورق والقماش والكانفس وغيره.. ويتم ذلك عن طريق إدخال بعض المعطيات والمواصفات والأوامر للحصول على بعض النتائج، ثم إضافة بعض التعديلات في عدة دقائق لتتحول المعطيات إلى نتائج مختلفة، وبألوان ومناظير وخلفيات متعددة. 

لقد فاجأت الفنانة والأستاذة الأكاديمية د. علية عبد الهادي الجميع بجرأة وذكاء يُحسبا لها بإقامة معرضها الحالي "تجارب مستقبلية في الفنون" الذى تستضيفه قاعة من أهم وأعرق قاعات العرض في مصر - جاليري بيكاسو بالزمالك، وقد تابعت عن كثب خلال الشهور الماضية تجارب الفنانة المتعددة التي كانت تنشرها عبر صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك"، حتى قررت عرض تلك التجارب على الجميع، وبكل أمانة ذيلت أعمالها بتوقيع كتبته على الحاسوب توضح فيه أنها تجربة نفذت من خلال الذكاء الاصطناعي ..، ولم تدَّعِ أنها قامت برسم تلك الأعمال بالألوان الزيتية أو المائية كما يفعل بعض الفنانين دون التنبيه على ذلك، فالوسط التشكيلي للأسف الشديد يوجد به بعض الفنانين الذين يقومون بطباعة أعمالهم عن طريق الحاسوب مع إضافة بعض الرتوش ثم يدعى أنه رسمها بالكامل!! .. وهذا ما لا تفعله الأكاديمية المخضرمة علية عبد الهادي.

ولا يفوتنى الاشارة لاهتمام الفنان والأكاديمى د. طاهر عبد عبد العظيم أستاذ الديكور بكلية الفنون الجميلة الذى خصص الكثير من وقته فى البحث فى خبايا هذا البرنامج، وقدم لنا عبر صفحته العديد من التجارب العملية التى كشفت لنا أبعاد استخدام تلك التكنولوجيا وتأثيرها مستقبلًا على الجميع.

توثيق التجربة

أقدمت الفنانة علية عبد الهادي على تلك التجربة وهي تعي تمامًا نتائجها.. والعمل على توثيقها لكى تضرب جرس إنذار للأجيال القادمة، وتحث الأكاديميين على مراعاة ذلك مستقبلًا، بل والعمل على دراسته جيدًا من كافة الوجوه ليتمكنوا من التعامل مع الطلاب .. ومن ثَمّ إرشادهم إلى كيفية التعامل مع تلك التكنولوجيا التي أصبحت واقعًا ملموسًا في حياتنا اليومية، ليس في الفن التشكيلي فحسب .. بل في كل أركان الحياة، إذًا علينا أن ننتبه ونبحث كيفية تذليل تلك التكنولوجيا في النهوض بالفن أكاديميًّا مع مراعاة تعلم المهارات اليدوية المطلوبة لتأسيس فناني الكليات المتخصصة.

كانت الفنانة أمينة وصريحة عندما كتبت في مطوية معرضها: إن هذه رحلتى التجريبية مع الذكاء الاصطناعي لأكثر من عام، وأشارت أن البرنامج يحول الكلمات إلى تصميمات فنية في ثوان وبسرعة مذهلة. 
تجاوزات .. وحقائق 

فوجئت ومعي الكثيرون بسيل من الانتقادات الموجهة للمعرض وصاحبته وصل إلى حد التجاوز، رغم صراحتها وتوثيقها بأن هذا المعرض تجربة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد لكنه امتد لينال كل من آمن بالتجربة ومنهم إبراهيم بيكاسو الذى رحب باستضافة المعرض في قاعته الشهيرة بحي الزمالك..، بل هناك من نصب نفسه حاكمًا ورفض المعرض تمامًا وعارض الفكرة، فضلا عن أصحاب بعض القاعات الذين صرحوا بأن هذا المعرض لا يجب أن تستضيفه قاعات العرض الكبرى.

لقد تناسى هؤلاء أن التكنولوجيا في الفن التشكيلي لم تكن وليدة اليوم، بل مر على وجودها عشرات السنين، ولم تُقابَل بمثل هذا النقد، ولو بحثنا في سجلات قطاع الفنون التشكيلية وسجلات المتحف الأهم في مصر "متحف الفن الحديث" لوجدنا أنه يضم بين جدرانه أعمالًا فنية نُفذت من خلال الحاسوب وبرامج متخصصة مثل "الفوتوشوب"، وربما كانت أسعارها أقل من الأعمال اليدوية، وهذا طبيعي لوجود إمكانية طباعة نسخ منها بسهولة عكس الأعمال المنفذة مباشرة باليد.

هناك أسماء في الوسط التشكيلي لها ثقلها تستخدم الحاسوب في أعمالها منذ وقت طويل، وتعرض انتاجها باستمرار، وهناك المعرض العام الذى يعد الأهم في الأجندة التشكيلية السنوية يعرض فيه كل عام أعمالًا "رقمية"، فضلاً عن صالون الشباب، وبالعودة إلى بينالي القاهرة الدولي ونسخته الأخيرة التي أقيمت في مصر بقصر الفنون عام 2019 تحت عنوان "نحو الشرق".. نُفذَت أعمالٌ لفنانين من دول مختلفة حول العالم بالحاسوب وطُبعت على الورق، وهناك أسماء مصرية لمعت من خلال تلك النوعية وحصدت جوائز متعددة .. وتم عرضها في معارض متخصصة في قاعات عرض كبرى، نجح أصحاب هذه القاعات في بيع الكثير من الأعمال المنفذة رقميًّا لبعض الأسماء وحصلوا على نسبتهم من البيع،.. ومع ذلك أراهم ينتقدون معرض القديرة علية عبد الهادي!! .. مع وضع فى الاعتبار الفروق الواضحة فى تنفيذ الأعمال الرقمية مقارنة بالأعمال المنفذة عن طريق الذكاء الاصطناعى.. فهناك اختلافات فى الفكرة والبناء والابتكار.

بيكاسو وسلفادور

وجهة نظري المتواضعة أنه لا خوف على الفن التشكيلي والابداع من التكنولوجيا الحديثة وبرامجها، فكما ذكرت أن تلك البرامج ظهرت منذ عشرات السنين في مصر ومن قبلها في دول العالم المختلفة وأحدثت ثورة فى هذا الاتجاه، وأصبح لها وجود ورواد .. شئنا أم أبينا، وتم الاعتراف بها في معظم المحافل التشكيلية الدولية ضمن فروع المشاركة في تلك المحافل.. ورصدت لها جوائز ولجان تحكيم متخصصة..

من المؤكد ان أعظم فناني العالم ومن بينهم بيكاسو، ودافنشى، ورمبرانت، وهنرى مور، وسلفادور دالى.. وغيرهم، لو تواجدوا في هذا العصر لكان المؤكد أنهم سيقدمون على خوض التجربة ويحصلون على نتائج ربما أفادتهم وأفادت الفنانين في تنفيذ لوحاتهم..

التحولات التكنولوجية

وليس خفيًّا على كل من قرأ في تاريخ الحركات والمدارس التشكيلية أن بعضها في البداية قوبل بانتقادات عنيفة، وهذا ليس دفاعًا عن الذكاء الاصطناعي، وليس تحيزًا للفن الأكاديمي الذى درسناه في كليات الفنون الجميلة وتعلمناه على يد الكبار من الأساتذة، لكن علينا أن نتعلم ثقافة تقبل الآخر، وليس بالضرورة أن تؤمن به وبمنهجه.. عليك أن تنتظر سنوات وسنوات كي تحكم من خلال المشهد ومن خلال التجارب المتعددة ونتائجها..، فنحن فى عصر التحولات التكنولوجية والنظريات النسبية التى تتغير كل ثانية..، وبمثال بسيط ..تأمل الثورة التى أحدثتها التكنولوجيا فى مجال الرسوم المتحركة وفى صناعة السينما والموسيقى .. وغيرها.

ويحضرني هنا كلام الفنان الكبير مصطفي حسين عندما وجه أحد المحاورين له سؤالًا عقب افتتاحه أحد المعارض المنفذة بالحاسوب مع الاستعانة ببعض الصور الفوتوغرافية والكولاج، وكان هذا منذ اثنى عشر عامًا تقريبًا، .. فقد سأله المحاور الذى يعمل في إحدى الفضائيات قائلًاً: ما رأيك في مثل هذه الأعمال علمًا بأنها منفذة من خلال برامج الحاسوب؟ 

فكان رد مصطفي حسين سريعًا : الفن ليس نوعًا أو فرعًا واحدًا وليس حكرًا على أحد بعينه، فالنقش على الماء فن، والنقش على الرمال والحجر أو الخشب والورق فن، وبالتالى فإن تعامل الفنان الذى درس أكاديميًّا مع التكنولوجيا وتطويعها لإخراج مثل هذه الأعمال يعد فنًا أيضا..
    فالفن هو أن تنتج عملًا إبداعيًّا من أفكارك وخيالك وتستخدم في تنفيذه ما تراه مناسبًا لك ولإمكانياتك. 

إقرأ أيضا .. اليوم.. افتتاح معرض «نوستاليجا» للفنان رضا عبد الرحمن

 


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة