صورة موضوعية
صورة موضوعية


«مهابيل» في سوق «التريند»| جنون الشهرة الوهمية يجتاح المجمتع

آخر ساعة

الأربعاء، 30 أغسطس 2023 - 12:40 م

■ كتبت: علا نافع

«محمد كشري، كفتة أم نور، كروان مشاكل، المعلمة عسلية» ظواهر تصدر أصحابها التريند لشهور عدة، وباتوا نجوم السوشيال ميديا بين ليلة وضحاها وحصدوا آلاف المتابعات وملايين الإعجابات، بل إن بعضهم حقق أرباحًا مادية ضخمة، فضلًا عن شهرة كبيرة مكنته من الحصول على أدوار فى بعض الأفلام السينمائية.

المؤسف أن بعض المواقع الإخبارية والقنوات التلفزيونية تتهافت على استضافتهم باعتبارهم نجوما فى المجتمع، لتصبح مشاهدات فيسبوك وإنستجرام وتيك توك هى مطبخ صناعة النجوم الوهميين وتلميعهم بين حين وآخر.

◄ البلوجرز واليوتيوبرز يقدموه .. ولجان إلكترونية تنشره

◄ «إنستجرام» يتصدر سوق شراء التريندات ..و«فيسبوك» الأقل سعرا

■ صناع محتوى حققوا التريند بأفكار تافهة

لا تتوقف صناعة التريند الوهمي على تحقيق الأرباح المادية بل إن أغلبها له دوافع نفسية قد تصل لمرحلة الجنون، فضلًا عن قوته فى السيطرة على العقول والتوجهات، فبحسب دراسة المرصد المصري التابع للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، فقد امتد تأثير التريند وأصبح أداة فعالة لتغيير بعض القرارات، وزادت قوته حتى بات عابرًا للحدود، والأهم أنه تحوَّل إلى أداة لتوجيه الرأي العام بين قطاعات المجتمع، خاصة أن  عدد المصريين الذين يستخدمون «فيسبوك» وحده وصل عددهم لأكثر من 54 مليون شخص بحسب النشرة الصادرة عن مركز دعم واتخاذ القرار بمجلس الوزراء.

ونتيجة لذلك الهوس راج سوق شراء التريندات وتم تحديد سعر لكل تريند طبقًا للتطبيقات المختلفة، ويعد تطبيق الصور «إنستجرام» الأعلى سعرًا لزيادة عدد متابعيه وتفاعل المشاهير عليه بشكل دائم.

أما «فيسبوك» فهو الأقل سعرًا، ما يجعل الأسعار تتباين من 200 إلى ألفي دولار، على عكس محرك البحث جوجل الذي يصعب التلاعب بقائمة أكثر ما يبحث عنه الناس، مما يجعله أكثر دقة وحيادية.

◄ أبطال من ورق
فى صبيحة أحد أيام الشتاء الماضي، خرجت فتاة عشرينية من محافظة الشرقية، تُدعى أمانى أحمد، ادعت أنها استطاعت إنقاذ سيدتين وأربعة أطفال من الموت غرقًا، بعد سقوط سيارتهم بإحدى الترع فى مدينة منيا القمح، مدعية أن عملها السابق كممرضة بأحد المستشفيات ساعدها فى ذلك دون أن يتدخل أحد من شهود الواقعة لمساعدتها أو حتى الاتصال بالإسعاف. وتصدرت بطولة أمانى الوهمية مواقع الصحف والقنوات التلفزيونية، حتى أن بعض المسئولين شكروها على بطولتها، ومنهم مايا مرسي رئيسة المجلس القومى للمرأة، التى كتبت «بوست» تشيد فيه بتصرف هذه الفتاة، لكنها حذفته بعد أن اكتشفت كذب أمانى وادعاءها.

وعلى مدار يومين كاملين تصدرت أمانى المواقع الإلكترونية وخرج تريند يحمل اسم «ممرضة الشرقية» على كافة مواقع التواصل الاجتماعى، لتنفى مديرية الصحة بالشرقية تلك الواقعة من الأساس، وأكدت أنها لم تتلق إخطارًا بالواقعة من كافة مستشفيات المحافظة، كما لم تتلق مديرية الأمن أى بلاغ بشأن الحادثة، حتى أن واحدة من شهود العيان المزعومين اعترفت أن البطلة الوهمية عرضت عليها دفع بعض الأموال لتؤكد على بطولتها وتروج لها.

أما «البطة شيماء» فقد حازت اهتمام الشباب والأطفال، إذ أطل علينا أحد المغنين يُدعى «يوسف سوستة» وهو يبحث عن المفقودة شيماء بالشوارع، وفى بداية الأغنية ظل يردد اسمها لأكثر من ثلاث دقائق حتى ظن الجميع أنها حبيبته، ليتضح بعد ذلك أنها مجرد «بطة»، ومع نزول المهرجان على مواقع التواصل تجاوز عدد مشاهداته على منصة «يوتيوب» 800 ألف مشاهدة، وسرعان ما استغل أصحاب محلات لعب الأطفال ذلك التريند وظهرت «بطة شيماء» بالأسواق ووصل سعرها ل160 جنيهًا.

ولم يتوقف ركوب التريند على ذلك، إذ استضاف الإعلامى شريف عامر، صاحب الأغنية فى برنامجه ليتحدث عن مهرجانه الذى صوّره فى منطقة دار السلام، مما فتح الهجوم على المذيع المخضرم لدوره فى تلميع التريند وصاحبه.

وبجانب هذه التريندات، يظهر بين الحين والآخر تريند لسيدات يقفن فى المطبخ بملابس كاشفة ويقمن بالمهام المنزلية بشكل لافت للانتباه ومثير للاشمئزاز، لتتصدّر مقاطع الفيديو تلك التريند ويتابعها آلاف المشاهدين، بخلاف فيديوهات المشاجرات المفتعلة بين بعض الأشخاص التى تصل لحد السب والضرب، وبالطبع فإن هناك كثيرا من البلوجرز واليوتيوبرز يساهمون فى صنع التريند بقصصهم المفتعلة وكشف حياتهم على الملأ.

◄ تريندات قاتلة
ولا يتوقف التريند عند هذا الحد، فمؤخرًا ظهرت بعض التريندات القاتلة التي ما هى إلا تحديات تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعى يسهم فى صنعها ونشرها «السوشيال ميديا ستارز»، فكلما كانت المشاهدات أكبر لمنشوراتهم ومقاطع الفيديو، كسبوا مزيدًا من الأرباح. ومن أشهر التحديات «رقصة الكيكى» الخطيرة، حيث يرقص الشخص بجانب سيارته وهى تسير على الطريق، مما تسبب فى وقوع حوادث مروّعة، ففى أحد الفيديوهات لم يتمكن المشارك فى التحدى من فتح باب السيارة وإيقافها بعد تأديته الرقصة، وآخر اصطدم بشاحنة بينما كان ينظر فى الكاميرا بالاتجاه المعاكس.

وهناك تحد قديم أيضًا لكنه لا يزال يُمارس إلى الآن، وهو التقاط الصورة  السيلفى بكاميرا الهاتف الأمامية بأماكن غريبة وغير تقليدية، مما قد يودى بحياة الأشخاص، خاصة أن أغلبهم يتفنن فى التقاطها بأماكن خطرة سواء على قمم الجبال أو بأدوار المبانى العالية، حتى أن صحيفة «ذا ويك» البريطانية نشرت تقريرًا مفاده أن محاولات التقاط صور السيلفى أودت بحياة أكثر من 259 شخصًا فى الفترة ما بين عامى 2011 و2016.

◄ فن الصناعة
يقول أيمن عدلى، خبير أمن المعلومات: «هناك أسواق خاصة لبيع التريند، ويتم الاتفاق على المبلغ بحسب عدد مرات تكرار الكلمة فى ساعات معينة باليوم، وأغلبها يتم من خلال لجان إلكترونية معينة تبدأ فى نشر التريند سواء على المواقع المدفوعة أو الصفحات الشخصية لبعض البلوجرز واليوتيوبرز مقابل مبلغ من المال أو اقتسام نسبة من الأرباح».

ويوضح: «أغلب التريندات يتم صناعتها عبر فيسبوك، حيث يتم الاتفاق مع بعض الصفحات ذات ملايين المشاهدات والمتابعين لنشر صور وفيديوهات لأشخاص التريند ومتابعة حياتهم اليومية وحتى مشكلاتهم، وظهرت مؤخرًا بعض الشركات التى تدير التريند الشخصى من خلال حسابات موظفيها الوهمية، إذ يقومون بالنشر من خلالها».

وعن أسعار سوق التريند يشير إلى أنها تتفاوت من تطبيق لآخر، فتطبيق «إنستجرام» يُعد الأعلى سعرًا لحرص المشاهير على استخدامه، أما «فيسبوك» فهو الأقل سعرًا، وعادة ما تترواح تكلفة التريند بين 200 و 2000 دولار!

◄ ظاهرة متكررة
وعن الآثار الاجتماعية لتلك الظاهرة، تقول الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع: «باتت ظاهرة التريند متكررة وخطيرة على المجتمع، حيث إن الشباب والأطفال أصبحوا يلهثون وراءه ويحلمون بركوبهم تلك الموجة، مما يجعلهم يعّرضون أنفسهم لتحدياتٍ خطيرة ومحتوى هادم يستميتون فى تقليده»، مؤكدة أن بعض هذه المحتويات يمثل اختراقًا للخصوصية وابتذالًا ليس الهدف منه سوى تحقيق المشاهدات وجنى الأرباح.

وتشير خضر إلى أن بعض التريندات يكون مجهول المصدر وغير معلوم، وبعض آخر يُبث من الخارج بهدف زعزعة الأمن والاستقرار الداخلى، فضلًا عن هدم تماسك الأسرة والمجتمع، لذا لا بُد من سن قوانين خاصة لحمايتنا من خطر الفوضى المجتمعية. وتطالب القائمين على المجال الإعلامى بضرورة تقديم برامج فعّالة تبث الوعى فى نفوس الشباب والنشء دون اللهث وراء هوس التريند، والأهم تسليط الضوء على النماذج الناجحة التى حققت إنجازات علمية أو رياضية، لافتة إلى ضرورة عودة الدور التوعوى للتلفزيون.

◄ هوس نفسي
أما الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسى، فيقول: «أغلب صنَّاع التريند لديهم هوس نفسى ناتج عن افتقادهم الاهتمام والاحتواء، لذا يبحث بشكل كبير لتعويضه حتى يكون حديث الآخرين ومحور اهتمامهم لأيام وربما لشهور، والمؤسف أن بعضهم لديه استعداد للتنازل عن قيمه وقناعاته وحتى عاداته المجتمعية من أجل التريند والسيطرة بموجبه على إمبراطورية السوشيال ميديا»، مشيرًا إلى أن التربح المادى والشهرة الكبيرة هما المحفز وراء ذلك.

ويتابع: «بعض المهووسين بالتريند يستأجرون بعض البلوجرز واليوتيوبرز وحتى الإعلاميين من أجل تلميعهم ونشر فيديوهاتهم بشكل منتظم طوال اليوم، ما يُحفّز بداخلهم ثقة بالنفس وهمية، فضلًا عن التعليقات و(اللايكات) الناجمة عن عاطفة قوية لم يتم تفريغها فى طفولتهم». ويرى أن «السوشيال ميديا خلقت الكثير من المرضى النفسيين بالمجتمع، وأججت مشكلاتهم النفسية، مما يؤثر سلبًا فى المجتمع ويهدّد تماسكه، وهذا ما يجعل العلاج النفسى لصنّاع التريندات ضرورة ملحة».

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة