عمرو الديب
عمرو الديب


صدى الصوت

محفوظ فى ذاكرتى «2»

عمرو الديب

الأحد، 10 سبتمبر 2023 - 10:11 م

وكأنها أوسمة تشرح صدرى ويرتفع بها قدرى.. تلك اللقاءات المحفورة فى ذاكرتى التى أهدانيها قدرى، وأكرمنى بها ربى، وفى أولها وجدت نفسى وجها إلى وجه مع ذاك الهرم أحاوره وحدى، وأجالسه بمفردى حيث ضرب لى عميد الرواية العربية نجيب محفوظ موعدا مبكرا جدا بالنسبة إلى طقوس يومى إذ تواعدنا فى الثامنة والنصف صباحا بذلك المقهى الشهير القريب من ميدان التحرير، وقد قضيت ليلتى ساهرا إلى الصباح حتى لا يفوتنى الموعد التاريخى، وفى السابعة تماما كنت فى الشارع محدثا نفسى: لأصل أنا أولا، ولأنتظره مهما تأخر، فهو الهرم وأنا السائح فى عالمه، وبدأت أتحرك قابضا على الأوراق التى تتضمن أسئلتى التى قضيت أياما فى إعدادها، وتحركت بى السيارة لأصل فى الثامنة إلا الربع، وحين وصلت مبكرا عن الموعد بفترة كافية أخذت أتجول فى المكان، ووجدت بائع صحف قريباً من المقهى يعرض مجموعة من الكتب المتنوعة إلى جانب مختلف الصحف والمجلات المصرية، والعربية، وأنهمكت فى تصفح العناوين، وبعد نظرة إلى الساعة، هرعت إلى المكان لأكون فى شرف استقباله، وقد تجاوزت الثامنة بقليل، فصعدت الدرج متئدا، فلا تزال هناك نصف ساعة إلا دقائق على الموعد، وقد تعودت بعد أشهر من عملى فى الصحافة الأدبية على أن مواعيد الأدباء ليست دقيقة دائما، وحين وصلت إلى الرحبة المطلة على الشارع والميدان، فوجئت به- بشحمه ولحمه كما يقولون - رابضا فى شموخ ممتزج بتواضع جم، فلما رآنى هب واقفا مسلما مثنيا على حضورى قبل الموعد، وقبل أن أنطق دعانى محفوظ الودود إلى الجلوس، وسألنى: ماذا تشرب، فلما حاولت الاعتذار لم يترك لى أية فرصة، وسألنى قهوة أم شاى أم عصيراً، فلما اخترت الأولى أومأ للنادل بالحضور ليسألنى عن قهوتى، ويمضى مسرعا، وقد لاحظت أن أديبنا الكبير احتسى فنجاناً قبل حضورى، ثم طلب آخر سادة، وقد تناثرت أمامه صحف اليوم ومجلاته، وبعد أن حضر المشروب أشار إلى استعداده لإجراء الحوار، وقد كانت الساعة تقترب من الثامنة والنصف استأذنته فى استخدام جهاز تسجيل صغير، فلم يعترض، وبعد السؤال الأول بدأت الرهبة يخفت ضجيجها فى نفسى، وبدا تواضعه وحنوه على شاب فى بداية طريق شاق يطمئنانى ويبعثان فىّ الثقة، ومضيت فى حوارى مع هرم الرواية العربية، ولازلت أذكر بعض أسئلة الحوار الذى أجريته قبل فوزه بجائزة «نوبل»، أى قبل عام 1988 ومنها: متى يكتب نجيب محفوظ اعترافاته الصريحة على نهج المفكر الفرنسى الأشهر «جان جاك روسو»، والأديب الروسى الكبير «مكسيم جوركى»، فقال لى: إنه مستعد لذلك، ولكن المشكلة فى الآخرين الذين لن يتقبلوا ذكرهم بصراحة وقال لى: لاتظن أن «روسو» قد فعل خارقة فى عصره حين كتب مذكراته فقد كان مجتمعه يتقبل صراحته ولا يعتبرها معجزة .

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة