توفيق الحكيم
توفيق الحكيم


توفيق الحكيم مهد الطريق لنجيب محفوظ

آخر ساعة

الأربعاء، 13 سبتمبر 2023 - 12:35 م

■ كتب: حسن حافظ

يحلو للبعض الحديث عن نجيب محفوظ باعتباره ظاهرة خرجت من العدم، لا حديث عن الأساتذة، لا كلام عن منابع التأثر، كأنه جاء هكذا مكتمل الأدوات، لكن نجيب محفوظ نفسه ينكر أى محاولات لجعله صنما، فالرجل صرح بفضل الكثير من الكتّاب والأدباء المصريين والغربيين على تشكيل مسيرته، ولم يجد غضاضة أبدا فى الحديث عن فضل المتقدمين عليه، وهنا نتوقف عن أحد أهم المؤثرين فى تجربة أديب مصر العالمى، وهو الأديب والمسرحي والمفكر توفيق الحكيم، الذى كان وبلا جدال صاحب التأثير الأكبر على مسيرة محفوظ، وهو ما أقر به الأخير فى درس يجب أن تتعلمه الأجيال الشابة التى يسعى البعض فيها لإنكار أى فضل للمتقدمين.

◄ غالي شكري حلل حجم التأثير الذي مارسته رواية الحكيم على ثلاثية محفوظ

◄ «عودة الروح» فتحت باب الواقعية فى الرواية المصرية ومحفوظ تأثر بها

◄ صاحب الثلاثية أقر بتأثره الشديد برواية الحكيم وصداقتهما استمرت 40 عاما

نستطيع القول إن توفيق الحكيم هو من مهّد الطريق إلى نجيب محفوظ ليمضى قدما بمشروع الرواية الواقعية ويصل بها إلى قمتها فى مصر والعالم العربى، بل نزيد ونقول إن الحكيم صاحب التأثير الأكثر تحولا فى مسيرة نجيب محفوظ الكتابية، فهو من فتح له طريق رواية الحارة؛ العالم الذى أبدع فيه محفوظ وتفوق فيه على الحكيم ذاته، وهى دعوى لدينا الكثير من الأدلة عليها. فالعلاقة بينهما كانت أستاذية وصداقة من طراز رفيع وعظيم، فكل التسجيلات التلفزيونية لنجيب محفوظ التى يتحدث فيها عن مشواره الأدبى، يذكر الحكيم بتبجيل واحترام بالغ، وأحاديث الحكيم فيها إعجاب بموهبة النجيب الأصلية، لذا لم يكن غريبا أن يقول محفوظ إن الحكيم كان يستحق جائزة نوبل.

◄ عودة الروح
«توفيق الحكيم له مكانة خاصة فى قلبى. وربما أكون أحببت العقاد، وتعلقت به وتربيت على يديه، وربما أكون تأثرت بـ«طه حسين» إلى حد بعيد، ولكن توفيق الحكيم هو الوحيد الذى ارتبطت به وجدانيا وروحيا، وعشت معه سنوات طويلة كظله»، هكذا وصف صاحب (الثلاثية) علاقته بصاحب (عودة الروح)، وهى علاقة بدأت فى عام 1947، بحسب تأريخ محفوظ لأول لقاء مع الحكيم كما ذكره فى شهادته التى أودعها رجاء النقاش فى كتاب (صفحات من مذكرات نجيب محفوظ)، وهى علاقة استمرت وتعمقت حتى وفاة الحكيم فى عام 1987.

لكن العلاقة بين المبدعيْن بدأت قبل التاريخ الذي يحدده نجيب محفوظ، إذ بدأت عبر صفحات الورق، إذ قرأ الأخير لتوفيق الحكيم أعماله التى بدأت تظهر منذ بداية ثلاثينيات القرن العشرين، بداية من رواية (عودة الروح) 1933، ومسرحية (أهل الكهف) 1933، و(يوميات نائب فى الأرياف) 1937، وكان نجيب محفوظ مشغولا وقتها بكتابة مشروع استعراض تاريخ مصر القديمة فى سلسلة روايات، لكن ما شده وقتها هو الأدب الواقعى الذى قدمه الحكيم فى عمليه (عودة الروح) و(يوميات نائب فى الأرياف)، هنا نرى أن الانعطافة الكبرى قد حدثت فى مسار نجيب محفوظ وهو التأثر بجذور الواقعية التى قدمها الحكيم فى أعماله الأولى، والأهم التركيز على الأحياء الشعبية وعوالمها المدهشة، إذ فتحت هذه التجربة عين نجيب محفوظ على الإمكانات الضخمة والهائلة التى تسكن الحارة المصرية كمنجم للحكايات، وهو أمر أدركه سريعا ابن الجمالية ذلك الحى الشعبى العريق الذى لا يخلو كل ركن فيه من حكاية تستحق أن تُروى.  

يعترف نجيب محفوظ بتأثير الحكيم وروايته الأولى قائلا فى شهادته مع رجاء النقاش: «كان العمل الأول الذى قرأته للحكيم هو (أهل الكهف)، أما أكثر أعماله تأثيرًا فى نفسى فهو رواية (عودة الروح)، فلم أقرأ قبلها رواية بهذا الجمال وهذه الخفة والرشاقة. وعندما نضجت أدركت أن منزلة الحكيم الحقيقية هى فى الكتابة المسرحية وليست فى الرواية. وأن (عودة الروح) ما هى إلا مسرحية مكتوبة بأسلوب روائى، وأنها عبارة عن حوار ومناظر مسرحية. ولقد تأثرت بـ(عودة الروح) فى أعمالى الروائية… وكان تأثير (عودة الروح) علىّ يفوق تأثير رواية (زينب) للدكتور محمد حسنين هيكل».

◄ الرواية التاريخية
هنا نقع على اعتراف بالامتنان يقر به نجيب محفوظ أمام تأثير توفيق الحكيم، فى هذه الكلمات يعبر صاحب نوبل عن مدى أثر الحكيم، وكيف لعب الأخير الدور الأساسى فى توجيه نجيب محفوظ من مرحلة الرواية التاريخية إلى مرحلة الكتابة الواقعية الغارقة فى تفاصيل اجتماعية صميمة، فالدرس الذى تعلمه محفوظ من الحكيم هو مدى قدرة المجتمع المصرى على إنتاج نماذج روائية شديدة المحلية لكنها فى الوقت نفسه قادرة على أن تتحول فى يد الروائى المسيطر على أدواته إلى شخصيات ذات طابع إنسانى عالمى. 

تأثير الحكيم على نجيب محفوظ، سبق أن حلله الناقد غالى شكري فى كتابه (ثورة المعتزل دراسة فى أدب توفيق الحكيم)، إذ يرى أن التكوين الثلاثى فى (عودة الروح) من الرومانسية والواقعية والكلاسيكية، قدم تجربة أصلية «امتدت فى تربتنا امتدادات غائرة فى أعمق إنتاجنا الروائى إلى الآن: ثلاثية نجيب محفوظ. إن البناء الكلاسيكي المحكم يضبط الثلاثية من جزئها الأول إلى جزئها الأخير، بالرغم من أنها تنتمى إلى خانة الأدب الواقعى العظيم… إن الثلاثية امتداد أكثر تطورا وازدهارا لعودة الروح، ولكنه الامتداد المستوعب للظاهرة الفنية والمبقى عليها فى آن. وما أعظم الشبه بين خاتمة الثلاثية من جانب، وخاتمة عودة الروح من جانب آخر. إن القصة تنتهى فى كلتيهما، وقد دخل أبطالها السجن. السجن ثمرة الثورة الاجتماعية عند نجيب محفوظ، وثمرة الثورة الوطنية عند توفيق الحكيم». ويرى شكرى أن نجيب محفوظ رغم أنها سار على درب الحكيم، إلا أنه استطاع أن يقدم نصوصا أكثر نضجا فى الأدب الواقعي، وإن لم ينقص هذا من ريادة الحكيم فى ميلاد الرواية المصرية.

◄ اقرأ أيضًا | في ذكرى رحيله محطات في حياة "توفيق الحكيم"

◄ على مكتب الحكيم
لم ينكر نجيب محفوظ فضل أستاذه توفيق الحكيم، رأى فيه علم يستحق جائزة نوبل، واعترف غير مرة بفضله عليه وكيف أثر فى مسيرته الأدبية، لكن الاحترام العميق تجلى بكل وضوح بعد فوز محفوظ بجائزة نوبل 1988، وقتها قررت إدارة الأهرام أن تنقل محفوظ من مكتبه الصغير الذى يحمل رقم (605) بالدور السادس، إلى مكتب أكبر مجاور يحمل رقم (606)، كان فى الأصل مكتب توفيق الحكيم وظل مغلقا بعد وفاته، وقررت إدارة الأهرام أن تمنحه لمحفوظ كى يتمكن من لقاء الزوار والإعلاميين من مختلف أنحاء العالم، إلا أن محفوظ فضل أن يجلس بعيدا عن المقعد الرئيس خلف المكتب، برر فعلته لكل من زاره فى مكتبه، بأنه يحمل تقديرا كبيرا للحكيم، وأنه لا يستطيع أن يجلس على مكتب ليس له، فالمكتب لصاحبه الوحيد؛ توفيق الحكيم.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة