عمرو الديب
عمرو الديب


صدى الصوت

محفوظ فى ذاكرتى «3»

عمرو الديب

الأحد، 17 سبتمبر 2023 - 09:08 م

مذاق الظفر مذهل لم أستشعر روعته فى حياتى إلا فى مرات معدودات، إحداها حين انتشر حوارى مع أديب مصر الفذ نجيب محفوظ، وذاع منشورا على الصفحات المصقولة مصدرا باِسمى تحت العناوين الجذابة التى أخترتها بعناية لتستحوذ على مجامع مدارك آلاف القراء، ومنها أن العديد من الشخصيات التى صالت وجالت على أديم عالمه الروائى حقيقية تمامًا عرفها فى رحلة حياته على مر عقودها، وقد شعرت- حين سألته عن مدى شجاعته فى كشف أسرار حياته- ببعض الأسى يخيم على نبرة صوته أثناء إجابته عن ذلك السؤال، فقد أراد بأدبه الجم أن ينبهنى دون أى عتاب إلى عدم مسئوليته عن ذلك،

فالأمر لايتعلق بالجرأة والشجاعة، وإنما هى ثقافة مجتمع تجنح إلى ستر العيوب والتغاضى عن الزلات، ولذلك قال لي- بثقة ووضوح- لاتظن أن المفكر الفرنسى الأشهر «جان جاك روسو» حين كتب اعترافاته بصراحة صادمة كان خارقًا، بل ساندته ثقافة مجتمعه، واستعداد معاصريه لتلقى ذلك القدر من الصراحة المذهلة، والحمد لله أن حوارى مع «محفوظ» أحرز لأسمى بعض التحقق والذيوع، وقد تراكمت بعده السنوات، وقابلت أديبنا الفذ العديد من المرات بعد حصده لجائزة «نوبل»، وظفرت بأحاديث معه سواء بالإشتراك مع زملاء أعزاء أو بمفردى، مثل ذلك اليوم الذى قمت فيه بتغطية حدث احتفال دار الأوبرا المصرية بعيد ميلاده بعد فوزه بنوبل ، حتى آخر لقاء جمعنى به فى أحد الفنادق الكبرى مع زميل عزيز وسط حرافيشه،

وقد سألته عن منهجه فى القراءة الآن فأعجبه سؤالى، ومنحه جزءًا من جلسته الثمينة ليجيب عنه بإستفاضة، وعندما كلفت يوم وفاته بإعداد تقرير يصاحب نبأ الرحيل الذى كتبته بقلمي، ذكرت إعجابه بأدباء من الشرق والغرب، خاصة «الشيرازي» الذى فتن به محفوظ، كما ذكرت بعض المعلومات الخافية عن الكثيرين، مثل أن كتاب محفوظ الذى حمل عنوان «مصر القديمة» ليس من تأليفه بل من ترجمته عن الإنجليزية، وهو فى الأصل كتاب لعالم الآثار البريطانى البارز «جيمس بيكي» الذى أَلَّف موسوعة الآثار المصرية فى وادى النيل، وأشرت فى تقرير وداع ضمير حياتنا الحى إلى أن منهج «محفوظ» فى القراءة أثناء شيخوخته يصلح منطلقًا أو مدخلًا لدراسة حكمة هرم الرواية العربية.

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة