صورة موضوعية
صورة موضوعية


تحايل على القانون واغتيال لبراءة الأطفال| هروب أو انتحار.. كلمة النهاية في «زواج القاصرات»!

آخر ساعة- آية فؤاد

الأربعاء، 27 سبتمبر 2023 - 01:27 م

فتيات صغيرات أصبحن بين ليلة وضحاها ربات بيوت لديهن مسئولية أكبر من أعمارهن بمراحل، حُرِمن من التعليم ومن أبسط حقوقهن فى عيش سنوات الطفولة، هن فتيات «زواج القاصرات» اللواتي تسطر قصصهن حكايات من الخوف والآلام لهول ما تعرضن له وتحملهن العواقب الجسدية والنفسية والمجتمعية السلبية لهذا الزواج.

◄ يتم فى الخفاء ولا يوثق رسميًا لحين بلوغ السن القانونية

◄ زينب أصيبت بنزيف شديد فهربت من بيت الزوجية

◄ هناء رمت نفسها من البلكونة تاركة طفلاً عمره شهور

لم تكن تعلم آمنة أن زواج ابنتها زينب ذات الـ14 ربيعًا سيكون سببًا فى حرمانها منها، حيث وجدت الفتاة نفسها تترك ألعابها ودراستها لتتزوج من رجل لم تعلم عنه شيئًا، وتنتقل إلى منزل يُقال لها إنه أصبح مسئوليتها، لتفر هاربة منه بعد شهرين فقط من الزواج، كما فر العريس هو الآخر هاربًا ويتنكر من أى مسئولية قد تقع عليه!

أدركت آمنة ما فعلته بابنتها ولكن بعد فوات الأوان.. كانت تظن أن زواج زينب سيكون طوق نجاة ينقذهم من الفقر ووضعهم المادى الصعب بعد وفاة زوجها وتحملها إعالة 5 أطفال، فقد عانت الطفلة منذ زواجها وتدهورت صحتها من بعد ليلة زفافها فأصيبت بنزيف شديد، ومن بعده  بضَعفٍ عام ونقص فى الحديد نتيجة الحمل فى سن مبكرة، الذى لم يستمر بسبب المشكلات الصحية التى تعرضت لها، لكن إن كانت تخلصت من الحمل والمشكلات الصحية المصاحبة له فهى لم تتخلص من الآثار السلبية الواقعة عليها ومن الخلافات التى لا تنتهى مع زوجها حتى قررت الهروب دون رجعة تاركة ندبات فى قلب أمها وإخوتها الذين أخذوا يبحثون عنها فى كل مكان ولكن دون جدوى.

زينب هى واحدة من ضحايا زواج القاصرات اللواتى تتخطى أعدادهن الآلاف كل عام، فحسب إحصائيات لمنظمة اليونيسيف التى أعلن عنها مجلس الوزراء مؤخراً، هناك توقع  بوجود أكثر من 9 ملايين فتاة معرضة لزواجها فى مرحلة الطفولة فى عام 2030، إذا لم يتصرف العالم بشكل حاسم لإنهاء زواج الأطفال، وأشار التقرير إلى أنه قبل جائحة كورونا كانت هناك 100 مليون فتاة معرضة لخطر زواج الأطفال فى العقد المقبل، لكن حالياً وبعد الجائحة فإن هناك 10 ملايين فتاة إضافية معرضات لهذا الخطر.

◄ نهايات مأساوية
ويرتبط زواج القاصرات دائماً بنهايات مأساوية لاسيما الانتحار مثلما حدث مع هناء التى كانت تبلغ من العمر 15 عامًا، حينما تزوجت من رجل عمره 38 سنة، ولم تكن تعلم أن ما تقدم عليه كان اغتيالا لطفولتها لكنها شعرت بالفرح بتركها التعليم والملابس الجديدة والبيت الواسع الجديد بعيدًا عن عائلتها الكبيرة، ولم تدم هذه الفرحة طويلا فما أن زُفت لعريسها حتى بدأ يتبدل هذا الشعور إلى خوف ورهبة وحزن وتنامت الخلافات بينهما خاصة بعد إنجابها طفلها الأول وتخلى أهلها عنها خوفًا من المشكلات مع أهل الزوج ذوى النفوذ.

الحقيقة أن هذه الزوجة لم تكن سوى طفلة تريد أن تلهو وتلعب غير متحملة لمسئولية وأوامر تتجاوز طاقتها، إلى أن تملكها اليأس وهداها تفكيرها الطفولى المراهق إلى أن مفارقة الحياة هى الحل الوحيد للتخلص من آلامها النفسية لتلقى بنفسها من بلكونة بيت الزوجية تاركة طفلاً عمره شهور!

◄ أضرار نفسية
ولزواج القاصرات أضرار نفسية تعرض الفتيات لمثل هذه النهايات الصعبة، حيث يوضح على النبوى، استشارى الطب النفسى أن المجتمع لا يزال يعانى وصمة إنجاب البنات، ولا يزال البعض يعتقد خطأ أن المرأة لا تستقر حياتها الزوجية إلا بعد إنجاب الولد، وهذا يؤكد أن زواج القاصرات لا يزال منتشرًا بأشكال مختلفة فى مجتمعنا خاصة فى الأرياف، حيث يزوِّج الأب ابنته التى هى دون السن من أحد معارفه أو أقاربه ظنًا منه أن «زواج البنت سترة».

ويتابع: يتم عمل قاعة أفراح وذبائح وحفلة راقصة ويحضر معظم أهل القرية. وهم يعلمون أن العروس تحت سن الزواج، ورغم ذلك فإنهم متفقون على هذا الزواج ويقولون إن الفتاة فى مرحلة الثانوية أو غير متعلمة، وأنها كبيرة ومباح لها الزواج وليس لهم علاقة بالقوانين التى تحدد السن القانونية للزواج، مستندين على أن النهاية الطبيعية لها هى بيت الزوجية، غير مدركين أن فى ذلك عدم تقدير للفتاة وشعورها بذاتها ورغبتها فى التخطيط لمستقبلها، فنجد بعد ذلك أمامنا فتاة ذات شخصية اتكالية وغير مستقلة تابعة لزوجها الذى يمكن أن يكون لطيفًا معها متفهمًا لها فتنجو من الأمراض النفسية أو يكون على العكس من ذلك فتصاب بالعديد من الأمراض مثل الاكتئاب والاضطرابات النفسية والسلوكية التى تدفعها للانتحار.

◄ اقرأ أيضًا | «زواج القاصرات جريمة إنسانية».. ندوة توعوية بمكتبة مصر العامة بدمنهور

◄ أبناء القاصرات
وحسب تقديرات وزارة الصحة، ينتج عن زواج الأطفال 200 ألف مولود سنويًا، يواجهون مصيرا مجهولا بسبب عدم تسجيلهم مما يحرمهم من حقوقهم ومن أن يعيشوا حياة سوية.. وفى هذا الصدد تقول أسماء طاهر المحامية: فى محافظات الصعيد تسعى العائلات لزواج الفتيات فى سن صغيرة دون الانتباه إلى المواليد الذين يعانون فيما بعد نتيجة هذا الزواج، مستندة لواقعة حيث شرعت إحدى العائلات فى زواج ابنتها القاصر ذات الـ16 عامًا من شاب يكبرها بـ10 سنوات لرغبة العائلتين فى التصاهر، وفى الصعيد المتعارف عليه فى هذه الحالة أن يقوم المأذون بعقد الكتاب ولكن دون توثيقه حتى بلوغ السن القانونية فهو زواج شرعى تتوفر جميع أركانه من الإشهار وموافقة الولى ووجود الشهود لكنه فى النهاية غير موثّق مع حفظ حقوق الفتاة بكتابة قائمة منقولات بالاتفاق فيما بينهم.

تتابع: لقد أنجبت الفتاة بعد عام طفلة وبعدها وقع خلاف مع الزوج ولم تجد حينها سوى الهروب كحل لمشكلتها لتتغيب أكثر من شهر بعيدا عن بيت الزوجية وبيت الأهل ولكى ينتصر الزوج لكرامته طلقها، ولكن لأن الزواج غير رسمى فالطلاق أيضاً غير موثق، واحتفظ الزوج بالطفلة ليصر على عدم توثيق الزواج ولكنه لم يدرك المشكلة سوى عند دخول الطفلة المدرسة وعدم وجود شهادة ميلاد لها، ولأنه لا يريد أن يرد للزوجة اعتبارها ويقوم بتوثيق الزواج فإننا لم نتجه لمحكمة الأسرة لإثبات الزواج، من ثم إثبات نسب الطفلة ولكن كان اتجاهنا للقضاء الإدارى الذى أعطانا حكمًا فى أقل من عام كان منقذًا لهذه الحالة التى تتكرر كثيرًا بقرى ومراكز الصعيد طبقا للائحة وقانون الطفل.

وتضيف: لم يكن بحوزة الأب سوى إخطار من المستشفى الجامعى بولادة الطفلة مدون به اسم الأم والأب، فقمنا برفع الدعوى للحصول على شهادة ميلاد موثقة من الأحوال الشخصية، وبالفعل أصدر القضاء الإدارى حكمه الذى يعد سابقة فى تاريخه ليعالج أمرًا من سلبيات زواج القاصرات.

◄ أساليب المواجهة
وفيما يخص التصدي للزواج المبكر، تقول داليا صلاح، مديرة مؤسسة النهوض بأوضاع الطفولة: إن قانون الطفل الذي كان معمولا به قبل قانون 128 لسنة 2008 كان يحدد سن الزواج 16 عامًا، ولكن بعد توقيع مصر على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل كان يجب أن يتماشى القانون المحلي مع الاتفاقية التي حددت سن الزواج عند 18 سنة، لكن مازال هناك طرق يتبعها المقبلون على الزواج لأقل من 18 سنة تمثل تحايلا على هذا القانون، حيث يتم  الزواج عند المأذون ولكن في دفتر عرفي لحين التصديق عليه بعد إتمام الزوجة السن القانونية.

تتابع: التعامل مع حالات زواج القاصرات لا يتم غالبا نتيجة هذا التحايل، لأن حالات الإبلاغ عن زواج الأطفال قليلة جداً سواء على خط نجدة الطفل أو لجان الحماية، مشيرة إلى أن البلاغ يحدث فقط في بعض الحالات ومنها عند اختلاف الأب والأم المنفصلين على زواج طفلتهما، وفي هذه الحالة يبلغ أحد الطرفين ضد الآخر بشروعه في تزويج الطفلة وهي دون سن الزواج، أو قد تقوم بالإبلاغ الطفلة ذاتها، وفي هذه الحالات نتعامل مع الأمر كجهة مسئولة عن سلامة الأطفال ونقدم بلاغا للشرطة التي تقوم بدورها بحماية الطفلة وفرض العقوبات القانونية على ولي الأمر.

وتضيف: هناك أهمية لرفع وعي الأطفال عن طريق حملات توعية تقدم لهم بالمدارس عن مخاطر زواج القاصرات وحقوقهن في استكمال تعليمهن وكيفية التصرف إذا وُضعت إحداهن في هذا الموقف وطرق الإبلاغ  والتأكيد على حمايتهن، وأن هذه البلاغات ستعامل بسرية تامة، كما يجب رفع وعي الأهالي من خلال عقد التدريبات والندوات وحملات التوعية بالقرى والمناطق الريفية بمخاطر هذا الزواج بمصاحبة رجال الدين والأطباء، مؤكدة ضرورة ربط برامج وزارة التضامن بهذه الحملات للوصول لأكبر عدد من الأسر.

◄ رفع سن الزواج
فيما يقترح أحمد مصيلحي، المحامي بالنقض، رئيس شبكة الدفاع عن الأطفال بنقابة المحامين، رفع سن الزواج عن 18 عامًا كخطوة للسيطرة على زيجات القاصرات التي تتم في صعيد مصر تحت عدة أسباب من بينها «زواج السُترة» تنفيذاً للموروثات التي تدعو لزواج الفتاة مبكراً لتكون تحت ظل رجل يعولها، أو النوع الثاني وهو «الاتجار بالفتيات» للحصول من ورائهن على مبالغ مالية باهظة، أما النوع الأكثر خطورة فهو زواج الفتيات غير المقيدات أو «فتيات الشارع» الذي ينتج عنه أجيال أخرى من الأطفال ساقطي القيد ومجهولي النسب.

ويضيف: في الفترة الماضية حدث تطور في بعض التشريعات لمواجهة زواج القاصرات، وكان هناك تشريع مطروح على مجلس النواب بتوقيع العقوبة المباشرة علي من يزوج ابنته مبكرًا وهو محل نقاش، ولكن التشريعات وحدها غير كافية، فلا بديل عن وضع استراتيجية متكاملة لمواجهة زواج القاصرات بمشاركة كل الوزارات المعنية ومنها الصحة والتضامن والتربية والتعليم، على أن تعمل هذه الاستراتيجية بجميع المناطق التي ينتشر بها الزواج المبكر  بالتعاون مع المنظمات الدولية التي قد تقدم الدعم المادي والمعنوي كاليونيسيف وغيرها، بالإضافة للمجلس القومي للطفولة والأمومة الذي له دور هام في التنسيق بين الوزارات وترتيب عملها، لافتا إلى أهمية مشاركة منظمات المجتمع المدني وتدخلها لحل المشكلة، مشيراً لأهمية الإعلانات التوعوية لأنها تصل لأكبر عدد من الناس وكذلك الأفلام والمسلسلات التي تتحدث عن مخاطر زواج القاصرات.

◄ رأى الطب
أما عن الأضرار الجسمانية التى قد تلحق بالفتاة نتيجة للزواج المبكر، فيؤكد وائل سمير، أستاذ أمراض النساء والتوليد، أن الفتاة التي يتم تزويجها مبكراً تكون معرضة للعديد من المشكلات، لأنها تكون غير مستعدة جسمانياً للزواج والحمل والولادة، فهي معرضة بشكل كبير للإجهاض وإذا أتمت حملها قد تصاب بالأنيميا، أو ما يُسمى «الناسور المهبلي». أما إذا تعرضت لعنف جسدي فهذا يعرضها لمخاطر عديدة قد تنهي حياتها، لأن هذه الحالات غالباً تصاب بنزيف حاد، وإذا لم يتم إسعافها سريعًا فإن ذلك قد يؤدي إلى وفاتها.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة