صفحات مصرية استعادة قصص هانى مهنى طه يكتب : الشعب المنسية
صفحات مصرية استعادة قصص هانى مهنى طه يكتب : الشعب المنسية


كتاب صفحات مصرية يستعيد قصص الشعب المنسية

أخبار الأدب

الأحد، 01 أكتوبر 2023 - 03:55 م

لا يتوقف الجدال عن كيفية تدوين التاريخ وعين المنتصر التى تسجله من وجهة نظره الواحدة دائما، وفى تدوينه يركز الضوء على  الخلفاء والزعماء ويمر على  البسطاء مرور الكرام، فيذكر جيش المأمون ومجيئه لمصر لإنهاء تمردها على واليه عليها، ولا يذكر العجوز «ماريا» المصرية القبطية التى أنزلت المأمون وجنده ضيوفا عليها فى قريتها، ويذكر انتصار رشيد، وينسى بسالة قرى إدفينا ومطوبس و«بردين» ويذكر «زبيدة التى تزوجها «مينو» ولا يذكر قادة المقاومة الشعبية من مشايخ إدكو ورشيد. لكن، تمر الحقب والعصور وتظل هناك أحداث بعينها ثابتة مهما اختلف رواتها، وتغيرت انتماءاتهم بالتبعية.

كتاب «صفحات مصرية» للكاتب ومحقق التراث هانى مهنى طه يذكر عددا من الوقفات التاريخية التى لا نستطيع أن نحكم عليها بأنها تخص زمنها فقط، لكن فى واقع الأمر، منها ما تكرر حدوثه رغم تغير الأشخاص والأماكن، ومنها ما تخطت نتائجه أزمنة المعايشين لها، وامتدت آثارها للحاضر أيضا. لكن الشاهد الذى يجمع كل الصفحات التى تضمنها كتاب« صفحات مصرية» الصادر فى سلسة حكاية مصر، عن هيئة قصور الثقافة، أن شعب مصر لم يتوقف يوما عن حياكة الأمل أثوابا لا تبلى، رغم ما تعاقب عليه من أوبئة وغزاة من الشرق والغرب وطامعين فى مقدراته منذ أن وجد على سطح الأرض.

اقرأ ايضاً| قطط تعوى وكلاب تموء.. أحمد عبد المنعم رمضان يكتب في مديح الحيوانات

تحت أكثر من عشرين عنوانا، انتقى كتاب «صفحات مصرية» عددا من الوقفات التاريخية  لم تأخذ حظها من اهتمام، وبقيت فى الظل رغم أهميتها. فانتصار المقاومة الشعبية فى رشيد على حملة  فريزر فى مارس 1807م، سبقه مقاومة شديدة لاحتلال الفرنسيين لرشيد عام 1798 بعد مقاومة لم يتوقعوها من قرى عديدة ضربت المثل فى المقاومة الشعبية مثل قرية «شباس عمير» التى قتلت جواد الجنرال «منو» وكادت أن ترديه لولا أن أمر بإضرام النار فى القرية، ومع تزايد المقاومة أمر «منو» بالقبض على قادة المقاومة من مشايخ إدكو وإدفينا والقصاص منهم. وهناك قرية «بردين» فى الشرقية يحكى «الرافعي» أن الأهالى  علموا أن جنود الحملة الفرنسية فى طريقهم إليهم بعدما خرجوا من بلبيس واستولوا على كل شيء، فحمل الأهالى الأسلحة البسيطة وانضم لهم الناس من القرى المجاورة، فأحس قائد الكتيبة الفرنسية بالخطر فأراد مساومة شيخ البلد فرفض فعاد له بقوة أكبر وبدأ القتال، وعلى غير المتوقع، أوقعت قرية «بردين»الهزيمة بالفرنسيين، فعادوا إليها بقوة أكبر وأحرقوا القرية.وفى هذا يذكر الجنرال «برتييه» رئيس أركان حرب الحملة الفرنسية فى كتابه «بونابرت فى مصر وسوريا»: ثارت قرية بردين بمديرية الشرقية فسار إليها الكولونيل ديرانتو على رأس كتيبة من الجنود فأخمد ثورتها وأضرم فيها النار»  

رغم صفحات المحن، إلا أن هناك منها ما اختلط جدها بهزلها، كعادة الشعب إذا ما واجهتهم مشكلة...  يذكر المقريزى بشيء من الدهشة بعض الطرائف والغرائب التى جرت فى العصر المملوكى فى كتابه «السلوك» ومنها حكاية الجدار  وفيها يحكى أن فى السنة الثالثة من حكم السلطان المنصور على بن الأشرف بن قلاوون من عام 1379م، تخاصم الشهاب أحمد بن الفيشى مع زوجته، فسمع صوت الجدار يحدثه قائلا: اتق الله وعاشر زوجتك بالمعروف» وأشيع الخبر وافتتن الناس بالجدار وجلسوا عنده حتى قالوا «يا سلام سلم الحائط  بيتكلم» حتى كادوا أن يعبدونه، وأزعج الأمر محتسب القاهرة وأمر بهدم الجدار لكن الجدار ظل يكلم الناس، وبعد حيل ومحاولات لمعرفة سر الجدار، تبين أن زوجة الشهاب الفيشى هى صاحبة الصوت بسبب سوء عشرة زوجها فاحتالت عليه بهذة الحيلة.. وإذا كانت امرأة لجأت إلى حيلة الجدار والقوى الغيبية لمواجهة غبن زوجها، فهناك من واجه سخرية زملائه بفرض ضريبة على كل من يشبهه فى «الصلع» أسماها «ضريبة القرعان».

يُذكر أن فى السنة الخامسة من حكم السلطان الأشرف برسباى 1427م، وبينما برسباى جالسا مع بعض ممالكه الجراكسة إذ انكشف رأس أحدهم فإذا هو أقرع، وهو حادث فظيع وفق تعبير المقريزي، فسخر منه أصحابه، فلم يجد وسيلة لرد كرامته إلا أن يجعله السلطان برسباى كبير القرعان فى مصر وأن يوليه عليهم، فوافق برسباى وأصدر قرارا بذلك.. فاستغل المملوك الأقرع القرار وأحصى عدد القرعان، وقرر فرض «ضريبة القرعان» على كل واحد منهم، ثم فرض ضريبة محددة على القرعان من أصحاب الديانات السماوية الثلاثة، وفرض على كل أمير أقرع ضريبة قدرها عشرة دنانير!

يذكر ان الباحث هانى مهنى كيف لجأ بعض الخلفاء والولاة إلى وسيلة غير معتادة لمواجهة الأزمة المالية، وإن كانت معتادة فى صفوف عامة الشعب عند الأزمات بلجوئهم إلى بيع ممتلكاتهم الشخصية من حلى الذهب والفضة وأوانى البيت الثمينة والملابس لسداد الديون العاجلة. فالخليفة «المستنصر بالله» عندما عجز عن دفع الرواتب، أضطر إلى بيع ممتلكاته بأبخث الأثمان حتى أنه «أخرج طستا وأبريقا بلورا يسع الإبريق رطلين ماء، والطست أربعة أرطال، وأما ما باع من الجواهر واليواقيت فشيء لا يُحصى، وأحصى من الثياب التى بيعت فى هذا الغلاء من قصر الخليفة ثمانون ألف ثوب، وعشرون ألف درع، وباع المستنصر حتى ثياب جواريه وتخوت المهود». وما حدث من المستنصر بالله تكرر مع الوالى سعيد باشا، ويحكى نوبار باشا فى مذكراته أن الوالى سعيد « جمع ما لديه من أحجار كريمة من الماس ومجوهرات وفضيات ونقلت إلى سراى 3، وخصص جزء منها للبيع فى مزاد وعرض على الموظفين الذين تأخرت رواتبهم لعدة أشهر أن يأخذوا من الفضيات ما يعادل المبالغ المستحقة لهم..حتى إننى أمتلك إلى الآن طقما للشاى وشمعدانيين وصحنا كبيرا وكلها من الفضة قيمتها تساوى المتأخر من راتبى».

ومن صفحات التاريخ التى توقف عندها الباحث هانى طه ما يتعلق بحكم خلفاء الدولة العباسية مصر معتبرين إياها البقرة التى تدر ذهبا وخيرا. لكن رغم مسلكهم هذا لم يتخل شعب مصر عن كرمه وعاداته من جود وإكرام ضيف.  فبعدما ساءت الأمور فى مصر نتيجة ظلم ولاة المأمون، ولم يستطع أميرها إيقاف غضب الأهالي، استنجد بالخليفة المأمون فخرج من بغداد بجيشه قاصدا مصر لوقف الفتنة، وهنا يذكر المقريزى وابن إياس قصة العجوز المصرية ماريا القبطية مع المأمون. فيروى أن المأمون مر فى إحدى جولاته بقرية «طاء النمل» ولم يدخلها، فخرجت له عجوز قبطية وصاحت عليه فوقف لها وأخبره من ترجم كلامها قولها « إن أمير المؤمنين نزل بكل قرية من قرى مصر وقد حاد عن قريتى ولم ينزل بها حتى أصير مُعَيرة بين القبط بذلك». فقال المأمون : إن قريتها صغيرة لا تتحمل العسكر ولا تطيق هذه العجوز كلفتنا، فصاحت العجوز ورفضت أن يمر المأمون بقريتها ولا يدخلها، فاستجاب المأمون لها ونزل بقريتها.. وما حدث بعد ذلك لم يكن ليتخيله المأمون وجنده، فقد جاء ابن العجوز المصرية إلى طباخ المأمون وأحصى ما يكفى مؤونة للجيش وحاشيته من أغنام وأبقار ودجاج وأسماك وفاكهة وسكر وحلوى، وغاب ساعة وأحضر للطباخ كل ما طلب. وعندما حان  انصراف المأمون وجيشه، جاءت العجوز مع عشر خادمات وعلى رأس كل واحدة منهن طبق، فظنهن يحملن هدايا الريف المعتادة، ولكنه تفاجأ أن الأطباق مليئة بالدنانير الذهب قد سكت جميعها فى عام واحد. فتعجب المأمون وقال: ربما يعجز بيت مالنا عن مثل ذلك.. وسألها: هل ظفرت بكنز؟ فقالت مارية: لا والله وإنما هو من زرع الأرض.


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة