حامد عزالدين
حامد عزالدين


آخر صفحة

حامد عزالدين يكتب: القدر والقضاء أيهما الأسبق؟

حامد عز الدين

الأربعاء، 04 أكتوبر 2023 - 04:47 م

«قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تُولِجُ اللَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِى اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَى مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَى وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ». 

فلتكن هاتان الآيتان 26  و27 من سورة «آل عمران» مدخلنا إلى فهم معنى القضاء، الذى هو إنفاذ القدر بمفهومه الواسع. ذلك أن القدر، وجمعه الأقدار، هو أشبه بما يكون بقصة كل إنسان التى نزل بها يوم خرح من رحم أمه، وبل قبلها بكثير مذ كان فى ظهر آدم عليه السلام. فالقدر هو الأحداث المترابطة التى سيعيشها الإنسان على مدى عمره مهما كانت بسيطة. أما قضاء الله فهو إنفاذ القدر المكتوب سلفا. وفى هذه الآية من سورة الكهف ما يكفى «وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّى فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّى لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)».

وهو ما يعنى أنك كإنسان لا تملك الفعل ولا معمولاته، وهى الفاعل أو المفعول أو ظرف المكان أو الزمان. فلا تقل أنا سأقابل عليًا غدا فى مكتبه إلا إذا أضفت إليها «إن شاء الله»، فأنت لا تملك أساسا أن تكون موجودا، وكذلك لا يمكن أن يكون لديك يقين بأن «عليًا» سيكون موجودا، أو ألا تكون نهاية العالم غدا، أو ألا يحدث زلزال يؤدى إلى انهيار المبنى الذى يوجد فيه مكتب على.  

الإنسان يريد بمعنى أنه يريد أن يحقق هدفا ما، «أريد أن أنجح بتفوق»، وحتى يحقق إرادته فهو يبذل كل جهده، وينتظم فى دراسته، ويمنح الدراسة الوقت الأكبر، ويوفر كل الكتب الدراسية، أى أنه يعتمد على الأسباب الأرضية لبلوغ هدفه أو تحقيق إرادته. وهذا هو أقصى ما يمكنه عمله، أما التفوق فى حد ذاته، فيأتى فى نطاق المشيئة الإلهية التى هى وحدها المسئولة عن إنفاذ الإرادة، وهذا هو معنى المشيئة. فقد يحدث شيء يمنع ذهابه إلى الامتحان مهما كان هذا الشيء الذى لا يملك إزاءه شيئا. فالنجاح والتفوق هو نوع من أنواع الرزق. وهنا يؤكد المولى فى كتابه الكريم الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه «قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِى السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)».

ونعود إلى ما بدأنا به هذ الزاوية لنكتشف أن المولى سبحانه وتعالى، بدأها بالنتيجة المنطقية «قل اللهم مالك الملك»، ومعناها أنه سبحانه يملك من يملك وما يملك ومصير من يملك وما يملك، ثم بدأ الإيضاح بتبيان المقدمات المنطقية، تؤتى الملك من تشاء، وهنا لا يستخدم المولى الفعل تمنح أو تعطى، وتعنى أن الممنوح بذل جهدا ما حتى يمنح المنحة أو يعطى العطاء، بل استخدم سبحانه وتعالى تؤتى التى توازى فى معناها «يرزق من يشاء بغير حساب». ولو تتبعنا كيف أوتى الملك العشرات لفهمنا المقصود. فهل كان أحد يعرف اسم جمال عبد الناصر قبل أن يؤتى حكم مصر، وهل كان أحد يمكن أن يراهن على أن يؤتى أنور السادات حكم مصر، أو أن يؤتى بعده حسنى مبارك الذى كان كل أمله يوم استدعاه السادات لإبلاغه باختياره لمنصب نائب الرئيس، أن يتولى منصب الملحق العسكرى فى السفارة المصرية بلندن. ومن كان يتخيل ما جرى فى يناير 2011، وكيف أوتى محمد مرسى رئاسة مصر، حتى تحققت أقدار الله وانقلبت الأمور رأسا على عقب، وظهر أمام المصريين عبد الفتاح السيسى الذى عاش عمره راضيا بما كان حققه قبل أن يؤتى حكم مصر. 

وهناك ملاحظة مهمة فى الآية مدخلنا «تُؤْتِى الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ»، فالمنطقى أن يرد فى السياق عكس الخير فى النهاية طبقا لترتيب المعانى، لكن المولى سبحانه اعتبر المشيئة بإتيان الملك أو نزعه فى توقيتاته خيرا مطلقا، وهو هنا لا يمكن أن يكون سوى خير للمحكومين. 

أرجو أن أكون قد وُفِّقت فى إيضاح المفهوم الذى أردت، وإلى الأسبوع المقبل إن كان فى العمر بقية.

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة