صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


«التهجير القسري».. جريمة حرب ووسيلة للتطهير العرقي والإبادة الجماعية

آخر ساعة

الثلاثاء، 24 أكتوبر 2023 - 09:33 م

■ كتب: هانئ مباشر

مازال الاحتلال الإسرائيلي يمارس جرائم ضد الإنسانية فى فلسطين، من قتل أطفال ومدنيين وقصف للمستشفيات وتدمير للمنازل، وتهجير قسرى لأهالى غزة من بيوتهم، وغيرها من الانتهاكات الإسرائيلية التى لم تتوقف منذ اليوم الأول لحرب الإبادة الجماعية حتى هذه اللحظة والوضع يزداد خطورة، خاصة بعد أن طالب الاحتلال سكان قطاع غزة بالنزوح جنوبًا.

إسرائيل منذ نشأتها تخالف قواعد القانون الدولى واستمرت فى هذه المخالفات مدعمة بالولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية الكبرى، ومنذ بداية القضية الفلسطينية وتحديدا منذ النكبة عام 1948 اتخذ مجلس الأمن الدولى وهيئة الأمم المتحدة سلسلة من القرارات المتعلقة بالشأن الفلسطيني، باعتبارهم المسئولين عن حفظ السلام والأمن الدوليين، إلا أن هذه القرارات، وبالرغم من تحيز عدد منها لدولة الاحتلال، ظل معظمها حبرًا على ورق؛ بسبب عدم التزام إسرائيل بها؛ بل واستمرارها فى سياساتها العدوانية وإجراءاتها الأحادية بحق الشعب الفلسطيني، دون أن يحرك المجتمع الدولى أى ساكن لمعاقبتها على تمردها على الشرعية الدولية  كما جرت العادة مع غيرها من الدول.

◄ اقرأ أيضًا | ماكرون يُشيد بدور الرئيس السيسي لإيصال المساعدات إلى غزة 

◄ الجريمة العظمى

وكانت البداية حينما قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة فى قرارها رقم 181 بتاريخ 29 نوفمبر 1947 إنهاء الانتداب البريطانى على فلسطين وتقسيم أراضيها إلى دولة عربية وأخرى يهودية، فى الوقت الذى كان العرب يشكلون أكثر من ثلثى سكان فلسطين، ومنحت لليهود، وهم أقلية، 56% من مساحة فلسطين، ولم يكن اليهود فى ذلك الوقت يملكون سوى 7% من أراضى فلسطين، وخصص لأهل فلسطين العرب 43% من أراضى فلسطين، ووضعت 1% منها فى منطقتى القدس وبيت لحم تحت الوصاية الدولية، وفى الفترة من عام 1967 إلى عام 1989، اتخذ مجلس الأمن 131 قرارا يعالج بشكل مباشر الصراع العربي الإسرائيلي، وكثير منها يتعلق بالفلسطينيين؛ ومنذ عام 2012، صدر عدد من القرارات التى تتناول بصورة مباشرة الدولة الفلسطينية الحديثة.

◄ اقرأ أيضًا | الكويت تدعو لقمة استثنائية لجامعة الدول العربية لمواجهة جرائم إسرائيل

إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، أكد حق الفرد فى أن يستقر فى مكان فتتجلى بذلك تحديدا حرية أساسية، هى حرية المسكن، أو يتحرك متنقلا من مكان إلى آخر فتتجلى بذلك حرية التنقل بوصفها من الحقوق الأساسية اللصيقة بشخصية كل إنسان، وهو ما أكد عليه أيضا العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التى وافقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 16 ديسمبر عام 1966، وهذه الحقوق كثيرا ما تنتهك بجريمة بشعة وهى جريمة «التهجير القسري» أو ما تسمى بالإبعاد أو النقل القسري، وطبقا لنص المادة 49 من اتفاقية جينيف الرابعة الصادرة فى 1949: «يُحظر النقل القسرى الفردى أو الجماعي، وكذلك ترحيل الأشخاص المحميين من الأراضى المحتلة إلى أراضى دولة الاحتلال أو إلى أراضى أى دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، بغض النظر عن دوافعها.

ووفقًا لتقرير المنسق الخاص لعملية السلام فى الشرق الأوسط والخاص بتنفيذ قرار مجلس الأمن 2334 «2016» للفترة من 15 يونيو إلى 19 سبتمبر 2023، فإن «النشاط الاستيطانى» المستمر الذى تقوم به السلطات الإسرائيلية يتضمن خططا لبناء (6300) وحدة سكنية فى المنطقة (ج) ونحو 3580 وحدة سكنية فى القدس الشرقية.

وقامت السلطات الإسرائيلية، بحجة الافتقار إلى تصاريح البناء التى تصدرها والتى يكاد يكون من المستحيل على الفلسطينيين الحصول عليها، بهدم أو مصادرة أو إجبار الأشخاص على هدم 238 مبنى، بما فى 32 مبنى ممولا من الجهات الداعمة، ما أدى إلى تهجير183 شخصًا، من بينهم 46 امرأة و91 طفلا، فضلا عن 59 مدرسة تخدم نحو 6500 طالب فلسطينى معرضة لخطر الهدم، كما أن العديد من الفلسطينيين، بما فى ذلك الأطفال تركوا مجتمعاتهم بسبب العنف الذى يمارسه المستوطنون وتقلص أراضى الرعي.

إن الاحتلال الإسرائيلى يخطط لتغيير جغرافية المكان والزمان وتهويد القدس والأراضى الفلسطينية المحتلة، حيث إنه بعد مرحلة التهجير القسرى تبدأ مرحلة الاستيطان، من خلال قيام الحكومة الإسرائيلية ببناء مستوطنات يهودية محل المنازل والبيوت التى تركها أهلها من سكان فلسطين بجميع قراها ومدنها، وهذه السياسة الصهيونية تعد انتهاكا لحقوق الإنسان المكفولة فى القانون الدولى والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان.

وللأسف الشديد فإن هناك العديد من القرارات التى اتخذتها المنظمات الدولية تجاه الانتهاكات الإسرائيلية فى حق الشعب الفلسطيني، ولكنها تظل دائما فى مهب الريح لتواطؤ الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية فى حمايتها سواء بدعمها أو بتعطيل تلك القرارات.

◄ إنها جرائم حرب
الدكتور نبيل حلمى، أستاذ القانون الدولى وحقوق الإنسان والعميد الأسبق لكلية حقوق الزقازيق، يصف ما يحدث فى «قطاع غزة» وفق قواعد «القانون الدولي» بأنه مخالف لكل تلك القواعد، بل هو مصنف فى إطار «جرائم الحرب».. فما يحدث من قبل إسرائيل من محاصرة لكل الفلسطينيين المدنيين، ومنع وصول الإمدادات إليهم، بالإضافة إلى قصف المدنيين بطريقة عشوائية، وقتل الأطفال والنساء والشيوخ، هو عملية «إبادة جماعية» تتم بشكل عشوائى وبدون تفرقة.

لقد وضع القانون الدولى التزامات على الدولة المحتلة فى التعامل الإنسانى مع الدولة تحت الاحتلال، و«اتفاقيات جينيف الأربعة» هى أساس القانون الدولى الإنسانى، خاصة «الاتفاقية الرابعة» التى تنص على حماية المدنيين تحت الاحتلال، ذلك الأمر الذى يعطى الحق لفلسطين بالاحتفاظ بحقوقها، فالقانون الدولى اعتبر أن الاحتلال حالة مؤقتة غير معترف بها بأى حال من الأحوال، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، لذلك فإن من حق فلسطين الدفاع الشرعى عن دولتها، لأن إسرائيل خالفت القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى الذى يطبق فى زمن النزاعات المسلحة مخالفة خالصة وغيرت فى تاريخ وجغرافيا فلسطين، ولم تلتزم بالطقوس والعادات والتقاليد وتريد تهجير الفلسطيين من أرضهم، وقصف الأماكن المدنية مثل المنازل والمستشفيات والمدارس وملاجئ تجمع اللاجئين ما هى «جرائم حرب»، وهى جرائم لا تسقط بالتقادم وتستوجب عقاب إسرائيل عقابا رادعا.

◄ المشروع الصهيوني
الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولى العام الزائر بالمعهد الدولى لحقوق الإنسان بستراسبورج بفرنسا، يقول إن فلسطين تشهد محاولات مستمرة لتهجير أهلها خلال العقود الماضية، من أراضيهم وبيوتهم، فى النقب والأغوار ومدن الضفة الغربية، ولعل أبرز تلك المحاولات قضية حى الشيخ جراح، والانتهاكات الجسيمة المُمنهجة والتى ارتكبتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ومصطلح «قسرى» لا يقتصر على القوة الجسدية فقط، ولكنه قد يشمل التهديد باستخدام القوة أو الإكراه، مثل تلك الناتجة عن الخوف من العنف أو الإكراه أو الاحتجاز أو الاضطهاد النفسى أو إساءة استخدام السلطة ضد هذا الشخص أو الأشخاص المهجرين قسريا، كما أن مطالبة المدنيين بالنزوح القسرى تنتهك بوضوح مواثيق القانون الدولى والمسئولية الدولية عن ارتكاب جريمة التهجير القسرى بوصف أنها جريمة حرب ضد الإنسانية حين ترتكب خلال السلم، هى نوعان: مسئولية الدولة التى ترتكب هذه الجريمة كما الحال فى إسرائيل وهى مسئولية مدنية تعويضية، والدولة تقوم بتعويض الدولة الأخرى وهى فلسطين باعتبار أن قطاع غزة من ضمن أقاليم فلسطين، ويمكن أيضا تعويض الضحايا سواء ماليا أو المساهمة فى الإعمار مرة أخرى، وهنا نتحدث عن الفرضية القانونية وليس مدى إمكانية حدوث ذلك.

أضاف، أما المسئولية الدولية أيضا، فهى مسئولية دولية جنائية فردية، يعنى مرتكبو جريمة التهجير القسرى فى أثناء هذا النزاع المسلح يرتكبون جريمة حرب، وهذه الجريمة مدونة فى المادة الثامنة من النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية، وفى هذه الحالة كل المسئولية تقع على القادة الإسرائيليين عسكريا وسياسيا والوزراء الإسرائيليين الذين حضروا اجتماعات سواء كانت اجتماعات للكنيست أو اجتماعاً مصغراً للحكومة الإسرائيلية، وأصدروا الأوامر ووافقوا على ارتكاب الجريمة، وهى تهجير الفلسطينيين دون إرادتهم من الشمال إلى جنوب قطاع غزة، ويمكن ملاحقتهم بواسطة المحكمة الجنائية الدولية وعشرات الدول التى تعمل وتطبق مبدأ الاختصاص القضائى العالمي..

الدكتورة دلال محمود، أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة فتقول: إن الموقف من المجتمع الدولى موقف مخزٍ وتجاهل لقواعد القانون الدولى والأعراف، ولا يجب أن يكون حل القضية الفلسطينية على حساب إيجاد واقع جديد ومشكلة جديدة تكون مصدرا للأزمات والصراعات فى وسط مرحلة العالم يواجه تحديات اقتصادية وبيئية مختلفة ومتنوعة. ولابد من التواصل الدائم مع المجتمع الدولي، لاتخاذ موقف رادع لإسرائيل لوقف جرائمها اليومية.

◄ أهمية التوثيق
كما يقول الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولى والخبير فى المنازعات الدولية، والذى يضيف موضحًا أنه لا بد من الاستفادة بكل ما هو متاح لتوثيق كل جرائم إسرائيل، فعلى سبيل المثال فى يوليو الماضى دشنت المحكمة الجنائية الدولية منصة إلكترونية تتيح للفلسطينيين تقديم الشكاوى على مرتكبى الجرائم الإسرائيليين، تلك المنصة التى من شأنها أن تخدم كافة الشعوب والمجتمعات المعتدى عليها حيث تساعد المواطنين على تقديم الشكاوى المدعمة بالصور والفيديوهات، والتى تظهر جرائم الاحتلال بحقهم من أجل تقديمها للمحكمة للنظر فيها، واتخاذ موقف رادع ولاجم للكيان المحتل، حيث إن جميع البلاغات والشكاوى التى يتم استلامها من المواطنين لتقديمها للجنائية الدولية تهدف إلى الضغط أكثر على مكتب المدعى العام، لإجباره على التعامل معها والنظر فيها بشكل دائم، وتأتى أهمية توثيق الجرائم التى ترتكبها قوات الاحتلال فى المحكمة الجنائية الدولية، وذلك لهدف تقديم مجرمى الحرب للمحاسبة والعدالة الدولية، ولذلك لابد من دعم حقوق الشعب الفلسطيني، وتقديم بلاغات رسمية إلى المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية، تتضمن توثيقاً لجرائم الحرب والإبادة الجماعية التى ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلى بحق الشعب الفلسطيني، وذلك من خلال رابط إلكترونى للمحكمة، خاصة أن القانون الدولى الإنسانى يحمى المدنيين فى النزاعات المسلحة وغير المسلحة.

أضاف، إن قتل المدنيين وهدم منازلهم والتعدى على سيارات الإسعاف، وتدمير الطرق وقطع الكهرباء والمياه، ومنع وصول كافة لوازم المعيشة، وقصف المنشآت المدنية والمشاريع الحيوية، وحصار غزة بشكل عام يمثل جرائم حرب متعددة ومكتملة الأركان، وانتهاك هذه التصرفات للقانون الدولي، كما أن الأدلة على الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى موثقة وكثيرة، سواء من خلال تقارير المنظمات الحقوقية أو الهيئات الدولية أو وسائل الإعلام، ما يؤكد على ضرورة وأهمية جمع هذه الأدلة وتبويبها وتقديمها للمحكمة بشكل منظم لتسهيل التحقيق والمحاكمة.


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة