«أتمنى لكم أحلاماً لا تنتهي ورغبة محمومة لتحقيق بعضها» بهذه الكلمات أنهى وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس حديثه، أمام جمع من سفراء غربيين في باريس. كلمات اقتبسها من قصيدة للشاعر والكاتب والممثل البلجيكي الشهير جاك بريل (1929-1978).

كان الحلم الذي يقصده الوزير الفرنسي هو قيام دولة فلسطينية تعيش في سلام إلى جوار دولة إسرائيل، وهو ما سيضع حداً لأقدم الصراعات في التاريخ المعاصر في منطقة يحاصرها الدم والنار. ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها فابيوس عن نية بلاده في الاعتراف بدولة فلسطين، فقد فعلها من قبل أواخر عام 2014، ولكن كلامه هذه المرة كان واضحاً محدداً: ستدعو باريس لمؤتمر دولي لإطلاق عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين بهدف التوصل لحل الدولتين، حيث ستعمل فرنسا في الأسابيع المقبلة على إنهاء ترتيبات هذا المؤتمر الذي من المفترض أن يجمع الإسرائيليين والفلسطينيين وشركائهم الأساسيين « العرب والأمريكيين والأوروبيين»، وحال الإخفاق في التوصل لحل عبر المفاوضات ستعترف فرنسا فوراً بالدولة الفلسطينية. وطبقاً لما جاء في خطبة فابيوس، فإن «أمن إسرائيل شرط لا تنازل عنه»، ولكن « لا سلام بدون عدل للفلسطينيين».

وأضاف:« للأسف اكتشفنا أن الاستيطان مازال مستمراً، ولا يجب أن نترك حل الدولتين يتفلت من بين أيدينا، إنها مسؤوليتنا كدول ذات عضوية دائمة بمجلس الأمن وكقوى سلام في العالم»، ثم كرس فابيوس جزء من كلمته للدفاع عن بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، الذي تعرض لهجوم إسرائيلي عنيف في الآونة الأخيرة بعدما أدان الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، وذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي بن يامين نتنياهو إلى حد وصم كي مون بأنه «يشجع على الإرهاب بمطالبته وقف الاستيطان»، تصريح تزامن مع إعلان تل أبيب نيتها في ضم 150 فداناً من المنطقة C الواقعة بالضفة الغربية (المنطقة C تشكل 60% من مساحة الضفة وتقع بالكامل تحت سيطرة الاحتلال)، وتكمن قوة المقترح الفرنسي في أنه صادر من دولة، تتصدر مع ألمانيا، قيادة الاتحاد الأوروبي وترسم جزءً كبيراً من سياساته، كما أن الوزير الفرنسي لوران فابيوس نفسه يدين باليهودية.
غير أنه من المتوقع ألا تعير الدولة العبرية للمقترحات الفرنسية أي اهتمام لا سيما وأن ما يُعرف بمفاوضات السلام تقف الآن عند نقطة ميتة، وإذا كان المقترح الفرنسي لاقى كل الترحاب من الجانب الفلسطيني فإن ذلك من شأنه أن يعقد الخريطة السياسية للمشهد بشكل عام، إذ سوف «يتعزز في إسرائيل الشعور بأنهم ضحايا والكل يتآمر عليهم»
هكذا قال باحث يهودي لم يكشف عن اسمه لصحيفة ليبراسيون الفرنسية اليومية، ولكن نفس ذلك «الوتر الحساس سيلعب عليه الفلسطينيون أيضاً»، كما أن هناك «شعور عام في الغرب بأن انتفاضة السكاكين التي اندلعت في الأول من أكتوبر 2015 سببها حالة الإحباط وفقدان الأمل التي يعيشها الفلسطينيون، وأن الـ159 فلسطينياً الذين لقوا مصرعهم في هذه الانتفاضة على أيدي القوات الإسرائيلية، هم أبطال ماتوا وهم يدافعون عن أرضهم».
التباحث حول مصير القضية المحورية في الشرق الأوسط، لم يكن النقاش الوحيد الذي دار في مقر الخارجية الفرنسي «كاي دورساي»، إذ وجه أحد الصحفيين سؤالاً للسيد فابيوس عن مستقبله الشخصي في ظل أنباء تتردد عن أنه سيخلف في فبراير المقبل جان لويس دوبريه في رئاسة المجلس الدستوري الفرنسي، ولكن فابيوس لم يُجب عن السؤال واكتفى برفع حاجبيه، حيث أن الأمر ليس سوى تكهن كغيره من التكهنات فهناك من يرى أن فابيوس، الذي يشغل منصبه منذ مايو 2012، سيبقى في مكانه بعد النجاح الذي حققه في الإعداد لقمة المناخ التي شهدتها باريس منذ قرابة الشهرين، ولعله يحقق نفس الشيئ في المؤتمر الدولي للسلام.
من جانبها، فإن الولايات المتحدة الأمريكية، التي تقف بالمرصاد في مجلس الأمن، منذ قيام إسرائيل عام1948، ضد أي قرار قد ينجم عنه ولو مجرد إدانة لممارسات الاحتلال من قتل واستيطان واستيلاء على الأرض بعد تهجير سكانها الأصليين، أصدرت بياناً عاجلاً عقب تصريحات فابيوس بسويعات أعربت فيه عن قلقها من احتمالية اعتراف باريس بالدولة الفلسطينية.